النخيل تحنو على أيتام المدينة المنورة

قيمة سهم وقف النخلة 160 دولارًا وفيصل بن سلمان يتبرع بـ100 غرسة

الأمير فيصل بن سلمان يغرس نخلة وقفا لأيتام المدينة (واس)
الأمير فيصل بن سلمان يغرس نخلة وقفا لأيتام المدينة (واس)
TT

النخيل تحنو على أيتام المدينة المنورة

الأمير فيصل بن سلمان يغرس نخلة وقفا لأيتام المدينة (واس)
الأمير فيصل بن سلمان يغرس نخلة وقفا لأيتام المدينة (واس)

النخيل في المدينة المنورة، ليس كأي نخيل، فمنذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 1400 عام، وهي تعانق السماء وتحنو على أهلها، فقد كانت سببًا في عتق الصحابي سلمان الفارسي عندما زرع فيها الرسول محمد قرابة 300 نخلة ليعتق رقبته من الرق.
وليتمكن أيتام المدينة المنورة من الاعتماد على أنفسهم، وإيجاد مصدر رزق لهم يغنيهم عن الحاجة، دشن الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة مشروع جمعية تكافل الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة المدينة المنورة «أوقف نخلة لأيتامنا»، الذي يستهدف وقف 100 ألف نخلة في منطقة المدينة المنورة خلال عامين لرعاية أيتام المدينة المنورة من عائداتها، وقدم أول تبرع للمشروع بإعلانه التبرع بـ100 نخلة توقف لصالح أيتام المدينة.
واختيار شجرة النخل لتكون وقفًا للأيتام جاء كونها مصدرًا دائمًا للرزق، ولها دور اقتصادي هام، حيث يتم استخدامها في كثير من الصناعات الصغيرة التي تُقدم سلعًا من المصنوعات اليدوية، ومواد البناء والتغليف، ولها كثير من الاستخدامات الأخرى (مثل حطب الحريق، ومواد لعمل الأسوار، والسقوف، ومصدات الرياح، والصناديق والسِلال، والأعمدة لتشييد المنازل)، وهكذا فإن شجرة النخيل والمنتجات المُشتقة منها تُقدمُ دخلاً إضافيًا. وأوضح الأمين العام لجمعية تكافل الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة المدينة المنورة، الدكتور عبد المحسن الحربي، أن مشروع وقف نخلة لأيتام المدينة المنورة الذي دشنه رئيس مجلس إدارة الجمعية يحظى بدعم أمير المدينة المنورة، مؤكدًا أن هذا المشروع الوقفي سيحقق للأيتام دخلاً مستمرًا ومجزيًا، مضيفًا أن المشروع يخرج عن نمطية العقار كوقف، محققًا تنوعًا وتميزًا في الاستثمار، وله عوائد، ليس على أيتام المدينة المنورة فقط، بل تمتد عوائده لتدعم الاقتصاد والإنتاج الوطني.
وأشار الحربي إلى أن المشروع سيمنح كثيرًا من المحسنين من كل مكان فرصة تملك أصل في المدينة المنورة يعود ريعه لأبنائها الأيتام، فكل نخلة يتم غرسها للمتبرع ستأخذ رقمًا وتعريفًا عن الشخص الموقف وستكون معلومة له ولورثته من بعده، مبينًا أنه تم تحديد قيمة سهم وقف نخلة لأيتام المدينة المنورة بمبلغ 600 ريال تشمل قيمة النخلة وقيمة الأرض التي ستغرس فيها وستوثق النخلة باسم الواقف.
وأكد الحربي أن اختيار «تكافل» لهذا المشروع جاء بعد دراسة لأكثر من عام أثبتت جدوى هذا الاستثمار الوقفي، حيث يعتبر التمر المنتج الرئيسي في المنطقة، والعوائد الاستثمارية منه ومن جميع منتجاته مجزية ومشجعة جدًا، حاثًا على تفاعل المجتمع ودعمه لهذا المشروع الوقفي الخيري الذي يمثل فرصة عظيمة لأجر لا ينقطع للمتبرع ولو بنخلة تسهم في رعاية وتنمية الأيتام. وسجلت صادرات السعودية من التمور خلال السنوات العشر الأخيرة ارتفاعًا نسبته 317 في المائة لتصل إلى 292 مليون ريال في عام 2012م، ارتفاعًا من 92 مليون ريال في عام 2003م. كما تطورت كمية الإنتاج المصدر خلال الفترة نفسها بنسبة 201 في المائة من 34 ألف طن إلى 70 ألف طن. وأوضح المؤشر السنوي لصناعة التمور أن إجمالي إنتاج السعودية من التمور لعام 2012م، بلغ أكثر من مليون طن على مساحة تزيد على 156 ألف هكتار، بينما يقدر عدد النخيل في عام 2015م بـ25 مليون نخلة والمساحة المزروعة بنحو 170 ألف هكتار.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».