الكتب والروايات المترجمة تتصدر... والقراء يبحثون عن الأرخص

«الشرق الأوسط» في أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ48

بعض الأجنحة قدمت تخفيضات كبيرة تضامنًا مع القراء في مواجهة الغلاء - تصدّرت الكتب والروايات المترجمة أجنحة دور النشر الخاصة والحكومية («الشرق الأوسط»)
بعض الأجنحة قدمت تخفيضات كبيرة تضامنًا مع القراء في مواجهة الغلاء - تصدّرت الكتب والروايات المترجمة أجنحة دور النشر الخاصة والحكومية («الشرق الأوسط»)
TT

الكتب والروايات المترجمة تتصدر... والقراء يبحثون عن الأرخص

بعض الأجنحة قدمت تخفيضات كبيرة تضامنًا مع القراء في مواجهة الغلاء - تصدّرت الكتب والروايات المترجمة أجنحة دور النشر الخاصة والحكومية («الشرق الأوسط»)
بعض الأجنحة قدمت تخفيضات كبيرة تضامنًا مع القراء في مواجهة الغلاء - تصدّرت الكتب والروايات المترجمة أجنحة دور النشر الخاصة والحكومية («الشرق الأوسط»)

لم تختف الطوابير والزحام من أمام أرض المعارض بمدينة نصر، حيث يقام معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ48، التي تحمل شعار «الشباب وثقافة المستقبل»، إلا أن المشهد في أجنحة دور النشر المشاركة وعددها 670 من 35 دولة، يختلف باختلاف الأسعار التي تقدمها للجمهور.
بدأت فعاليات المعرض 26 يناير (كانون الثاني) وكانت حالة الإقبال تمثل هاجسا كبيرا لدى المسؤولين عن المعرض، لكن الإقبال جاء مبشرا خلال الأيام الأولى لانعقاده. المتجول في المعرض سيشهد تنوعا في زواره من مختلف الأعمار ومختلف أنحاء الدول العربية والأجنبية.
كان الزحام بشكل لافت في جناح «مكتبة الأسرة» الكبير، حيث يتهافت القراء على الرفوف بما تحمله من كتب متنوعة في مختلف فروع المعرفة لا يزيد ثمنها على 15 جنيها، فهنا اقتنيت مذكرات المخرج الإيطالي فيدريكو فيلليني المترجمة بسعر 7 جنيهات فقط، في حين أن سعرها في دار نشر أخرى يصل لـ150 جنيها. يقول محي الدين عبد المجيد، المشرف على جناح «مكتبة الأسرة» بالمعرض، لـ«الشرق الأوسط»: إن الإقبال على إصدارات «مكتبة الأسرة» هذا العام أقوى من أي دورة سابقة؛ بسبب ارتفاع الأسعار عموما بالنسبة لإصدارات دور النشر الخاصة؛ لذا وجد عشاق القراءة ضالتهم في هذا الجناح، حيث يبدأ سعر الكتاب من جنيه، ويصل سعر أغلى كتاب بعد الخصم إلى نحو 10 جنيهات، وذلك للكتب العلمية المترجمة والسير الذاتية المترجمة».
وفي جولة بين أجنحة دور النشر العربية والمصرية المشاركة رصدت «الشرق الأوسط» وجود كتب تروج للفكر المتطرف والفكر التكفيري، على عكس تصريحات وزير الثقافة المصري الكاتب الصحافي حلمي النمنم، الذي أكد أنه لن يسمح بوجود مثل هذه الكتب، بل لقد أمكنني الحصول على كتاب «إدارة التوحش» لأبو بكر ناجي، الصادر عن دار التمرد بسوريا، الذي بلغ ثمنه 190 جنيها، وهو الكتاب الذي تستقي منه التنظيمات المتطرفة استراتيجيتها في القتال، خصوصا المرتبطة بتنظيم القاعدة.
صحيح أنه تم منع دور نشر بعينها من المشاركة الرسمية، إلا أن تلك الكتب تجد دائما طريقها إلى أجنحة بعض المكتبات التي تقوم بالتوزيع. وكان من اللافت وجود جناح خاص للأزهر الشريف بصالة (4) بسرايا اتحاد الناشرين المصريين، وذلك بمشاركة قطاعات الأزهر المختلفة: مكتبة الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، قطاع المعاهد الأزهرية، جامعة الأزهر، المركز الإعلامي بالأزهر، مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، مركز الأزهر للترجمة، الرابطة العالمية لخريجي الأزهر. ومن أبرز الإصدارات التي رصدناها سلسلة «حقيقة الإسلام»: مقومات الإسلام، نظرية الحرب في الإسلام، الإنسان والقيم في التصور الإسلامي، نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي.
وكان من المثير تصدر عناوين الكتب والروايات المترجمة على رأس إصدارات الكثير من دور النشر الخاصة، فضلا عن دفع دور نشر وزارة الثقافة المصرية بآلاف العناوين المترجمة. ومن دور النشر التي قدمت الكثير من العناوين المترجمة: «دار مصر العربية» التي اهتمت بترجمة أعمال الكاتبة الحائزة نوبل 2015 سفتلانا أليكسفيتش، بينما قدمت دار «صفصافة» الكثير من التراجم على رأسها رواية «دورا بروديه» لباتريك موديانو، الفائز بنوبل للآداب عام 2014.
ويقول الناشر مصطفى الشيخ، المسؤول عن مكتبة آفاق للنشر والتوزيع في حديثه عن أحدث إصدارات المكتبة من الروايات العالمية المترجمة: إن «الشباب يبحثون عن الروايات العالمية المهمة لكبار الأدباء العالميين؛ لذا حاولنا تلبية رغبة جمهور القراء، ومن إصداراتنا خلال المعرض هذا العام: (صحراء التتار) للروائي الإيطالي دينو بوتزاتي، و(البحار الوسيم) لهرمان مليفل، و(العجوز والبحر) لإرنست هيمنجواي». ويصف الشيخ الإقبال هذا العام على المعرض بأنه جيد مقارنة بالعام الماضي وفي ظل ارتفاع أسعار الكتب، مشيرا إلى أن «جميع دور النشر المصرية قدمت خصومات كبيرة على الكتب في محاولة لجذب القارئ والتخفيف عنه»، ولفت الشيخ إلى أن هناك المزيد من الإصدارات الجديدة لعدد من دور النشر ستصدر خلال الأيام المقبلة؛ نظرا للضغط الكبير على المطابع؛ ما أدى إلى تأخر صدورها.
ومن الملاحظ الكم الهائل للعناوين الجديدة في مختلف المجالات؛ مما يؤشر على انتعاش حركة النشر رغم الضغوط الاقتصادية على هذه الصناعة؛ بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار. قالت الناشرة فاطمة البودي: «أصدرنا هذا العام 43 عنوانا جديدا ما بين روايات ودراسات فكرية منها: (شوكولاته سودا) لأمل رضوان، وهي مجموعة قصصية متميزة وصاحبتها حائزة جائزة ساويرس الثقافية، وأيضا كتاب (المرأة في الإسلام) وخلال عام 2017 سنصدر عددا من الدراسات الفكرية المترجمة».
وتشير البودي، وهي ناشرة «هوت ماروك» لياسين عدنان، التي وصلت للقائمة الطويلة للبوكر هذا العام، إلى أن الدار هذا المعرض اهتمت بالأدب المغربي وقدمت عددا من الروايات والقصص لمبدعين مغاربة منهم: أنيس الرافعي، وإسماعيل الغزالي، وهشام البواردي الذي أراه قادما بقوة؛ فهو روائي من الطراز الرفيع. وحول تقييمها لدورة المعرض هذا العام، قالت: «الإقبال على الشراء ضعيف وهو أمر كنا نتوقعه، وقدمنا حسومات قدر استطاعتنا للتخفيف عن القراء. الأمر الذي أسعدني حقا هو الإقبال الكبير من الأسر المصرية بأطفالهم؛ فهذا سيغرس حب الكتب لدى الأطفال، وأيضا وجود النشاط الفني والثقافي على مدار ساعات المعرض الذي أدخل السعادة على قلوب الشعب المصري؛ مما يؤكد أن مصر بلد الفن والثقافة، وهذه هي أسلحتنا لمواجهة التطرف والإرهاب».
وكان من اللافت الإقبال الكبير على جناح «مكتبة مصر» بلافتتها المميزة التي تعكس القوة الناعمة لمصر ومفكريها التي تقدم إصدارات كبار المفكرين والأدباء، مثل: يوسف إدريس ويوسف السباعي والمنفلوطي بسعر 10 جنيهات فقط. وعلى بعد خطوات، شهدت أروقة خيمة «سور الأزبكية» للكتب المستعملة والمخفضة رواجا وإقبالا كثيفا، خصوصا من قبل الشباب على الروايات العربية والأجنبية أيضا، حتى أنك لن تجد موضعا لقدمك داخل الخيمة. هنا ترتفع نداءات الباعة على الكتب بأسعارها؛ فهذا بخمسة أو بعشرة أو 20 جنيها، لكن اختفى نداء الكتاب بجنيه الذي عهده زوار المعرض كل عام.
في جناح ضيف شرف المعرض دولة «المغرب» الذي يضم 17 دار نشر مغربية، وقف مصطفى بولهريس، المسؤول عن جناح دار نشر «سوماكرام» يتحدث بحياء جم إلى زوار الجناح من المعرض الذين يسألون عن أسعار الكتب، منبها على كل فرد منهم بأن سعر الكتاب بالدرهم المغربي المدون على الكتب يساوي ضعف الثمن بالجنيه المصري، قائلا: «للأسف ارتفاع الأسعار يؤدي في كثير من الأحيان إلى إحراج الجمهور؛ لذا أفضّل أن أقول له السعر ليحدد عدد الكتب التي ينتقيها». وعن حجم الإقبال في المعرض هذا العام، قال: «أعتقد أن الإقبال معقول، ونتوقع أن يتحسن في الأيام المقبلة»، لافتا إلى أن أكثر الكتب مبيعا لديه هي روايات الروائي المغربي الكبير عبد الكريم غلاب.
في سراي ألمانيا «أ»، حيث تشارك دور النشر العربية، اكتظ جناح دار نشر المجلة العربية السعودية بإصدارات متنوعة في الأدب والسياسة والإعلام والثقافة وأدب الطفل وقصص الأطفال، التقينا الأستاذ عبد العزيز المهنا، مدير الشؤون المالية والإدارية بـ«المجلة»، الذي قال: إن كتاب «المجلة» رغم أنه يتم توزيعه شهريا وبشكل مجاني مع المجلة، فإنه يلقى إقبالا كبيرا من قبل زوار المعرض الذين يسعون للحصول على ما فاتهم من أعداد وكتب.
من جانبه، قال الأديب السعودي عبد العزيز الصقعبي، مدير تحرير «المجلة العربية»: «تحتفل المجلة بمرور 40 عاما على إصدارها، وهي منذ صدورها تكرس توجهها للعالم العربي، وناقشت عبر أعدادها الكثير من القضايا الفكرية والأدبية والسياسية والعلمية، إلى جانب الاستطلاعات والإبداع الأدبي في القصة والشعر، وقصص الأطفال، ونقدم في جناح المجلة مجلدات وعددها 218 كتابا تضم مختارات مما نشر في (المجلة العربية) خلال الـ40 عاما، وهي تحظى بإقبال كبير من جانب زوار المعرض».
وأمام جناح دار «الفارابي» اللبنانية وقفت الباحثة سهيلة عمران تتصفح فهرس كتاب في علم الاجتماع في سياق بحثها عن مراجع علمية تعينها في إعداد رسالة الماجستير قبل أن يقطع تركيزها صوت المسؤول عن جناح الدار قائلا: «هذا الكتاب بمائة جنيه» تقول عمران: «هذا العام شعرت بأن قلوب الناشرين والمسؤولين عن دور النشر على الباحثين والقراء ورغبتهم في مساعدتهم بأي شكل، فضلا عن تنبيه الباعة على القراء بضرورة مراجعة الثمن قبل اتخاذ قرار الشراء» وتضحك قائلة «في أول جناح زرته بالمعرض اليوم جمعت 7 كتب، ووجدت أن قيمتها بلغت 900 جنيها فقررت التخلي عن 4 كتب كي أتمكن من اقتناء عدد آخر من الكتب التي تعرضها دور النشر الأخرى».
لم تشهد فعاليات المعرض والندوات الثقافية إقبالا كثيفا، بل كان الحضور في بعض الندوات الثقافية لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، يقول الشاب مجد علي الدين، أحد زوار المعرض، أثناء خروجه من ندوة حول دور الفن للفنان التشكيلي محمد عبلة «أعتقد أن الندوات لم يتم الترويج لها بالقدر الكافي، صحيح أنها منشورة على الإنترنت، لكن أعتقد أنه كان من الأفضل مثلا أن يتم الإعلان عن بدء الندوات في إذاعة داخلية بالمعرض؛ لأن الإقبال كان من قبل أصحاب التخصص».
شارك في فعاليات المعرض هذا العام كتاب عالميون، من أبرزهم الكتاب الصيني «شوي تسي تشن» الذي تحدث بصراحة كبيرة عن الفجوة الثقافية الكبيرة بين الثقافة الصينية والعربية، رغم وجود تبادل حضاري وثقافي منذ عصور قديمة، وقال: «الصين تعاني انغلاقا ثقافيا، وهي من البلدان التي تأخرت في الاهتمام بنشر ثقافتها بالخارج بسبب اهتمامات بحل المشكلات الاقتصادية. على الناحية الأخرى، فإن القارئ العربي غير مُلم بالأدباء الصينيين؛ لأن العرب صبوا اهتمامهم على الأدب الإنجليزي وأدب أميركا اللاتينية؛ لذلك فالأدب الصيني سيحتاج إلى فترة زمنية حتى يحتل مكانته في السوق الثقافية المصرية» وأشار صاحب رواية «بكين بكين» إلى أن «أدب نجيب محفوظ كان بوابته لمعرفة المجتمع المصري، وأنه فوجئ أن ما حملته روايات محفوظ من صور عن مصر هي فعلا ما وجد مصر عليه لا ما تجسده وسائل الإعلام العالمية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».