«الترفيه السعودية»: لا أنشطة للسينما وقروض لتمويل الشركات

الخطيب: كوادر أجنبية لسد الفراغ... وسندرب شبابنا بالخارج

جانب من اجتماع هيئة الترفيه
جانب من اجتماع هيئة الترفيه
TT

«الترفيه السعودية»: لا أنشطة للسينما وقروض لتمويل الشركات

جانب من اجتماع هيئة الترفيه
جانب من اجتماع هيئة الترفيه

لم يحسم مسؤولو الهيئة العامة للترفيه في السعودية موضوع افتتاح دور للسينما في أنحاء البلاد، وتركوا الجدل قائمًا حولها، بتكرار تصريحات عن أن دراسة هذا الموضوع لا تزال جارية، وأن السينما لا تزال تفتقر إلى التنظيم المناسب لإقرارها.
ولخّص أحمد الخطيب رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه في السعودية، ما أنجزته الهيئة منذ صدور تنظيمها من قبل مجلس الوزراء، كاشفًا عن منح تمويل «من دون فائدة» للشركات السعودية «المتوسطة والصغيرة» المتخصصة في إقامة الفعاليات المتخصصة بالترفيه، بما يعينها على تقديم الأنشطة.
وقدّم الخطيب الذي التقى ممثلي وسائل الإعلام، مساء أول من أمس، اعتذاره عن تأخر الهيئة في الانفتاح على وسائل الإعلام، مبررًا ذلك بالرغبة في الظهور حال استكمال التنظيمات اللازمة، وتقديم معلومات غنية، مشيرًا إلى أن من بين الأهداف التي وضعت مع «رؤية السعودية 2030» إنشاء هيئة للترفيه، تهتم بنشر السعادة لدى أفراد المجتمع كافة.
وأكد أن الهيئة وجدت فراغًا كبيرًا في جودة الفعاليات الترفيهية مقارنة مع إقامتها بالخارج، منوها بأن السعودية بحاجة ماسة إلى عودة المهرجانات أكثر مما عليه في الوقت الراهن، إضافة إلى الحاجة إلى العودة إلى المسارح بشكل قوي كما كانت عليه في السابق.
وبيّن أن جلب كوادر أجنبية في مجلس الإدارة له أبعاد مهمة، إذ إن السعودية ليس لديها المعرفة التامة بالترفيه، موضحًا أن هدف الهيئة الأساسي هو الحفاظ على الإنفاق السعودي الذي يذهب إلى الدول المجاورة، وإيجاد وظائف للكوادر السعودية. وكشف عن طرح روزنامة الفعاليات الشهر المقبل، لافتًا إلى أن كل عطلة نهاية أسبوع ستشهد ثلاث فعاليات متنوعة على الأقل.
وأكد أن من بين التحديات التي واجهتها الهيئة إيجاد صناعة متكاملة للترفيه، إضافة إلى وجود بنية تحتية متكاملة، منوهًا بأن الهيئة لم تجد شركات سعودية تستطيع إقامة فعاليات رغم عملها على النواحي الإبداعية والابتكارية. وتابع: «الهيئة متأكدة بشكل قاطع من أن الشركات السعودية التي تقيم فعاليات ترفيهية شريك تام للهيئة»، مضيفًا أن الهيئة سترسل موظفين من الشركات المتوسطة والصغيرة المتخصصة بالترفيه إلى الخارج من أجل اكتساب الخبرات وتعزيز أعمالهم، والوصول إلى صناعة متكاملة للترفيه بحلول 2020.
ووعد الخطيب بحل أزمة التراخيص لإقامة المناسبات الترفيهية، عبر إعطاء التراخيص في غضون 24 ساعة فقط، على أن يكون التقديم بشكل إلكتروني، إضافة إلى وجود ممثلين عن الجهات الحكومية ذات العلاقة لمنح تلك التراخيص.
وأكد أن الدولة خصصت صندوقًا لدعم أنشطة الترفيه في البلاد، وبدأت بمنح تمويل دون فائدة لمنظمين الفعاليات، مشيرًا إلى أن الترخيص سيتم منحه خلال 24 ساعة بعد التقدم بشكل إلكتروني.
وذكر أن الحفلة الغنائية التي احتضنتها جدة قبل يومين شهدت وصول عدد الحجوزات إلى 20 ألف مقعد، في حين تم تخصيص 6 آلاف مقعد، مبينًا أن الهيئة نفذت أكثر من 80 فعالية حضرها نحو 200 ألف شخص أخيرًا.
إلى ذلك، قال عمرو المدني، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للترفيه بالسعودية: «هيئة الترفيه عملها من المجتمع إلى المجتمع، ولن تسهم في تفريق أفراد المجتمع، وستكون حاضنة لأعمال الترفيه»، مشيرًا إلى أن السينما لا تزال تفتقر إلى التنظيم المناسب لإقرارها، مبينًا أن روزنامة 2017 ستشمل تنظيم 3349 عرضًا و314 فعالية ستكون في 22 مدينة بالسعودية، وسيكون الناس في نهاية كل أسبوع على موعد مع 70 فعالية.
وحول السينما، ذكر الرئيس التنفيذي للهيئة، أنه لا يوجد أي تنظيم يؤطر عمل السينما، مشيرًا إلى أن دراسة هذا الموضوع لا تزال جارية، ولذلك فإن روزنامة 2017 لن تشهد عقد أي نشاط للسينما في السعودية.
وتطرق إلى أن الهيئة ستتعاون مع 49 شركة موزعة ما بين شركات متوسطة وكبيرة، وستقام الفعاليات بالمدن غير الرئيسية بنسبة 72 في المائة، و28 في المائة بالمدن الرئيسية.
وأظهرت روزنامة 2017 عقد أمسية مع الفنان ألباشينو في الرياض وجدة، وفعالية لأوبرا وينفري بجدة والرياض، إضافة إلى حديث لديباك شوبرا، وعروض «ديزني»، و«توب غير»، و«كوميك كون السعودي»، وعروض «السنافر» وعروض السيرك السريالي، في حين ستحتضن العاصمة الرياض مباراة لكرة القدم بين فريق ريال مدريد ومانشستر يونايتد بتاريخ 1 يوليو (تموز) المقبل، كما ستقام مباراة استعراضية ما بين فريق الهلال السعودي وبرشلونة الإسباني، ومباراة أخرى بين ريال مدريد ونادي الأهلي السعودي بتاريخ 9 يوليو (تموز) المقبل.
* لائحة للسلوك العام تقرها «الترفيه» في مواقع الفعالية
وضعت هيئة الترفيه بالسعودية لائحة للسلوك العام في موقع الفعاليات، ودعت الزوار إلى الالتزام بها، وأهمها الالتزام باللباس المحتشم حسب القوانين المعمول بها في البلاد، منوهة بأن القوانين تخول إدارة الفعالية منع دخول أي شخص دون إبداء الأسباب وليس له الحق الاعتراض، مع ضرورة الالتزام بتوجيهات رجال الأمن والمنظمين، موضحة أن الزائر يحق له مغادرة موقع الفعالية واسترداد قيمة تذكرته خلال الدقائق العشرة الأولى لدخوله.
ومنعت اللائحة استخدام العنف الجسدي أو الحركات والألفاظ النابية، أو ممارسة الحركات الرياضية العنيفة أو الخطرة إلا بتصريح من منظم الفعالية، كما منعت تشغيل الموسيقى أو الغناء أو الرقص إلا بتصريح من منظم الفعالية، كما شددت على احترام خصوصية الآخرين عند التصوير أو رفع الصور على منصات التواصل الاجتماعي، مع منع تصوير العروض الحية على المسرح.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)