يلجأ إليه المواطن اللبناني لـ«فشة خلق»، إذ لا يمكن تخيل حركة اعتراضية في لبنان من دون حضور «الدولاب» أو إطار السيارة، فهو أصبح، كالتبولة والحمص على الطاولة اللبنانية، من أساسيات التحركات الشعبية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه الدولاب العامل المساعد للمعتصمين في قطع الطرقات، لا بل إن بعضهم يرى أن غيابه ينقص من فاعلية التحركات الشعبية، ظهر ابتكار لبناني يعكس مزايا «الدولاب».
من واقع مأساوي إلى مصدر للرزق، انطلقت نظرية «لا تحرقه ولا تطمره... افرمه»، نظرية أطلقها اللبناني أحمد شمس الدين، بتأسيسه مصنع «العلا لتدوير الإطارات وتحويلها إلى بودرة ثم إلى بلاط أرصفة وحدائق وملاعب». وحتى إلى بساط للحضانات كي تصبح أكثر أمانا، إذ تصل سماكة البلاطة «الكاوتشوكية» إلى 4 مليمترات مصنعة بجودة عالية وبأحجام وأشكال مختلفة.
ويقول الشاب شمس الدين، في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في المصنع: «بعد رحلة طويلة من الأبحاث التي قمت بها حول نتائج تلك الصناعة، أبصر المصنع النور ليكون الأول من نوعه في لبنان، هدفي الأول هو توظيف الدولاب لخدمة المجتمع، وأتوقع ولو بعد حين أن يساهم مصنعي في حل أزمة ما زالت مفاعيلها السلبية تتزايد».
ويضيف: «علينا المباشرة بالتفكير في حلول لأزماتنا، الصناعة يجب أن تستعيد همتها، والدولاب بدلا من أن نحرقه ويلوث البيئة، نقوم بتدويره بطريقة صديقة للبيئة وتحويله إلى بلاط، وإلى مادة تدخل في صناعة الزفت ويتعداها إلى أبعد من ذلك».
في عام 2011، أبصر مصنع تدوير الإطارات النور في بلدة تول (جنوب لبنان)، وقد بقي قيد التجارب والأبحاث لمدة سنة، حتى تأكد لفريق العمل نجاح الفكرة لتنطلق رحلة العمل بالتصنيع الصديق للبيئة، الذي يأمل «أن يحظى المشروع بثقة السوق المحلية»، من خلال حرصه على أن يكون عمله مبنيا على أبحاث مستمرة. وفي لغة الأرقام، يوجد في لبنان نحو مليوني سيارة، مما يعني ثمانية ملايين إطار، ما يتلف منها يستعمل في المظاهرات أو الحرق أو الطمر الذي يحتاج إلى ما يقارب 1000 عام تقريبا لتحلله التربة، هذا فضلا عن أن حرقه على الطرقات له مفاعله السلبية على الزفت.
وبينما يصف شمس الدين ما يقوم به بـ«المغامرة الكبرى ويعرب عن اعتقاده أنه سينجح من خلال الإرادة»، تؤكد اختصاصية الصحة العامة الدكتورة ديانا بلان، أن المواد الناتجة عن الاحتراق تنتقل عبر الهواء، محذرة من أن تنشق الدخان المنبعث عن هذه الحرائق قد يؤدي إلى نوبات مميتة عند أصحاب أمراض الحساسية والربو.
وإذ تشدد على أن ظاهرة حرق الدواليب ليست ظاهرة حضارية، توضح: «نحن نقول للمرضى إن دخان السجائر يؤدي إلى أمراض خطيرة ومميتة، فكيف هي الحال مع تنشق الكاوتشوك؟».
ووفق بلان، فإن لبنان من أكثر الدول التي ينتشر فيها سرطان الرئة الناتج عن التلوث في الهواء، عازية السبب الرئيس إلى حرق الكثير من المواد، ومنها الإطارات.
رؤية بلان تنسجم مع ما تضمنته دراسة قامت بها شركة «المهندسون الاستشاريون للشرق الأوسط» لصالح وزارة البيئة اللبنانية توضح أن الإطارات تمتلك قيمة حرارية مماثلة لتلك الموجودة في الفحم؛ أي نحو 31000 كيلو جول في الكيلو غرام الواحد لاحتوائها على نسبة عالية من الكربون والهيدروجين.
من هنا، تكمن أهمية مشروع شمس الدين الذي يحاول أن يحد من هذه المخاطر ليقدم خدمة متشعبة النتائج، فالدولاب الذي عجزت الدولة عن التخلص منه، يقدم حلا ناجعا لها، منطلقا من نظرية «الدولاب قادر على أن يكون مصدرا لتصنيع مادة البلاط: (بلاط الأمان) الذي يمكن استخدامه كعازل لخيم النازحين السوريين ويساعدهم على الوقاية من الأمطار».
تستوقفك وأنت تتجول في أرجاء المصنع رحلة التدوير، حيث تعبر الدواليب - التي غالبا ما يحصل عليها المصنع مجانا - بعدة مراحل، بدءا من سحب الحديد والكتان، ثم دخولها في عملية فرم خشن ثم ناعم ثم بودرة، لتعجن وتضغط في قوالب تتحول إلى «دعسات» سيارات وكراسي موتور.
أما حبوبها الخشنة، فتستعمل أرضية للملاعب الرياضية، ومن ثم ما يتسارع المواطن في اتخاذ «فشة خلقه»، بات اليوم مصدرا للكثير من الصناعات التي تساعده على تشجيع الرياضة.
ويعتمد المصنع طريقة الفرم البارد ضمن آلات تفرم الدولاب وتقطعه في مرحلة أولى من عشرة - 15 سم. ثم تفرمه مرحلة ثانية من أربعة إلى خمسة سم تتحول بعدها إلى حبوب كاوتشوك ليخرج الدولاب بعد عملية كبس بقوة 50 طنا لمدة زمنية معينة، ليستخدم أيضا لباحات المسابح والحدائق العامة والطرقات وحتى مزارع الماشية.
وردا على سؤالنا عن العوائق التي تعيق مشروعه، يجيب شمس الدين الذي يخوض غمار تجربة فريدة في لبنان: «النجاح يحتاج إلى صبر كبير، فأنت تسير على سكة الصناعة التي تفتقد خريطة دعم وتعترضها قوانين قديمة لا تلبي طموحات الصناعي، فضلا عن غياب تشجيع الدولة، والمواطن سيتقبل الفكرة ويتلقفها ويشجعها، والأهم أننا نساهم ولو جزئيا في تعزيز وتشجيع الصناعة».
وفي الختام، يبقى السؤال: هل يفكر اللبناني في عدم اللجوء إلى الدولاب كـ«مكسر عصا» للتعبير عن مشاكله واقتناعه فعليا بـ«فوائد تدويره»؟ يبقى الزمن هو الكفيل الوحيد بالإجابة.
14:11 دقيقه
تدوير دواليب السيارات وتحويلها إلى بلاط.. مصدر رزق للبنانيين
https://aawsat.com/home/article/83806
تدوير دواليب السيارات وتحويلها إلى بلاط.. مصدر رزق للبنانيين
مبادرة فردية تحت عنوان «لا تحرقه ولا تطمره... افرمه»
المرحلة الأولى من تقطيع الدولاب
- بيروت: مازن مجوز
- بيروت: مازن مجوز
تدوير دواليب السيارات وتحويلها إلى بلاط.. مصدر رزق للبنانيين
المرحلة الأولى من تقطيع الدولاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

