حلب الشرقية تنتظر عودة أبنائها بعد أن بات سكانها العجزة والأطفال

من تهجّر يعيش بحالة إنسانية صعبة... والتجنيد يشمل كل من هم بين الـ20 والـ50

سوري يسير وسط أحد شوارع حلب القديمة المدمرة بعد شهر من سيطرة قوات النظام والميليشيات الحليفة لها عليها بدعم جوي روسي (أ.ف.ب)
سوري يسير وسط أحد شوارع حلب القديمة المدمرة بعد شهر من سيطرة قوات النظام والميليشيات الحليفة لها عليها بدعم جوي روسي (أ.ف.ب)
TT

حلب الشرقية تنتظر عودة أبنائها بعد أن بات سكانها العجزة والأطفال

سوري يسير وسط أحد شوارع حلب القديمة المدمرة بعد شهر من سيطرة قوات النظام والميليشيات الحليفة لها عليها بدعم جوي روسي (أ.ف.ب)
سوري يسير وسط أحد شوارع حلب القديمة المدمرة بعد شهر من سيطرة قوات النظام والميليشيات الحليفة لها عليها بدعم جوي روسي (أ.ف.ب)

لا شيء يعوّض أبناء حلب الشرقية إلا العودة إلى منازلهم، حتى ما تحوّل منها إلى أنقاض. لكن هذا الأمل لا يبدو أنه قابل للتحقّق في المدى القصير في ظل الواقع الذي تعيشه المدينة السورية الجريح بعد دخول قوات النظام والميليشيات الموالية لها إليها.
ربّما كان بعضهم على يقين مسبقا أن العودة ستتحول إلى أمنية صعبة التحقّق فعمد إلى إحراق مقتنياته، بينما تمسّك البعض الآخر بأمل الرجوع وفضّل أن تبقى صورة منزله مكتملة في ذاكرته. لكن أمام ما بات يعرف بـ«عمليات التعفيش» أو اضطرار البعض إلى بيع منازلهم يبدو أن تحقيق حلم العودة لا يزال بعيدا.
«مئات العائلات فقط قرّرت الرجوع لتعيش بين ما تبقى من جدران منازلها في الأحياء الشرقية رغم انعدام مقومات الحياة فيها، بينما يعيش من تهجّر إلى الأحياء الغربية في أوضاع إنسانية صعبة لا سيّما أن الآلاف منهم يعيشون في مراكز إيواء غير مؤهلة، مع استمرار الوعود بتحسين أوضاعهم من قبل النظام»، بحسب ما يقول الناشط المدني في حلب عبد القادر علاّف.
علاّف قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه «يبقى وضع الشباب والرجال هو الأسوأ بعدما بات كل من يتراوح عمره بين الـ20 والـ50 سنة موضع مراقبة وعرضة للاعتقال والتجنيد الإجباري لضمّهم إلى بات يعرف بـ(فوج الاقتحام الخامس) الذي يقوم النظام بتشكيله»، مؤكدا أنه تم اعتقال معظم الشباب الذين لجأوا إلى حلب الغربية، وتم إعدام عدد كبير من معارضي النظام، أعدم آخرهم الأسبوع الماضي في منطقة الكلاسة.
وفي حين أصبحت معظم مناطق حلب الشرقية وأبنيتها ركامًا، فرض النظام والميليشيات الموالية له طوقًا أمنيًا على المناطق التي نجت من القصف ولا تزال صامدة، مانعا الأهالي من العودة إلى منازلهم. مع هذا تمكنت، بحسب علاّف، مئات العائلات من العودة إلى منازلها التي وجدتها فارغة من محتوياتها بعد «التعفيش» الذي تعرضت له، ولا سيما في أحياء الفردوس والشعار والصالحين وباب النيرب. وأردف: «هؤلاء اختاروا العودة إلى بيوتهم للحفاظ على ما ممتلكاتهم رغم غياب أي مقومات للحياة، خاصة الكهرباء والماء، رغم كل الوعود التي سبق أن أطلقها النظام قبل الدخول إلى المنطقة».
في المقابل، في حلب الغربية، حيث يعيش أكثر من مليون شخص، نحو مائة ألف منهم من الذين نزحوا من حلب الشرقية، قد يختلف المشهد قليلا، لكن الاكتظاظ السكاني صعّب الحياة اليومية للعائلات، إضافة إلى الخوف المستمر من عمليات الاعتقال التي يقوم بها النظام وتستهدف خاصة الشباب والرجال. وحسب علاّف: «هنا بات معظم السكان من الشيوخ والأطفال والنساء. حتى طلاب الجامعات السواد الأعظم منهم من الفتيات بعدما فضّل الشباب المغادرة سعيا وراء مستقبله وهربا من التجنيد الإجباري».
من جانب آخر، يبقى المشترك بين الأحياء الشرقية والغربية حملة بيع المنازل بهدف التغيير الديموغرافي، بحسب علاّف، الذي أوضح: «تسجل عمليات بيع للمنازل والأراضي التي يجد الأهالي نفسهم مضطرين لبيعها لحاجتهم إلى المال، ويستفيد منها النظام وحلفاؤه لصالح الطائفة الشيعية، خاصة بعد خروج أهالي الفوعة وكفريا منها ونزوحهم إلى حلب». وهذا، مع أن مصدرًا معارضًا، من حلب أيضًا، قلل من أهمية بيع المنازل، موضحًا لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه «إن حصلت عمليات بيع لأسباب اقتصادية فسيبقى تأثيرها محدودًا، ولا يمكن القول إنها قد تؤثر على التغيير الديموغرافي في منطقة معروفة بطابعها الطائفي المعين، بحيث الوجود فيها يظل للطائفة السنّية».
في أي حال، لا يبدو أن واقع حلب الشرقية قابل للتغير ما لم تحسم القضية السورية بأكملها، وهو ما يشير إليه علاّف، معتبرا أن «بقاء المشهد في المدينة المدمرة وأسواقها القديمة ومحلاتها كما هو، رغم وعود النظام بالعمل على تحسينه، يهدف إلى تسول الأموال من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بحجة إعادة الأعمار».
تقول «أم خالد»، التي تتواصل مع أحد أقاربها هناك، لموقع «عنب بلدي» المعارض إن المناطق الشرقية لا تزال مناطق عسكرية، تنتشر فيها دوريات روسية وأخرى تابعة لميليشيات من إيران و«اللجان الشعبية»، وهم يضايقون المدنيين هناك، دون معرفة السبب. ولا يمكن حتى اليوم أن يصل أحد إلى بيته ومعرفة وضع ممتلكاتهم هناك.
وحقًا، تعيش هذه الأحياء منذ نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي تحت قبضة الميليشيات العسكرية النظامية والمتعددة الجنسيات، وخاصة الشيعية والإيرانية ومنها «لواء القدس»، إضافة إلى القوات الروسية. ويشير علاّف إلى أن اشتباكات سجّلت في الفترة الأولى من دخول هذه الميليشيات إلى حلب الشرقية، أدت إلى سقوط قتلى، وتحديدا بين حزب الله أو قوات النظام من جهة والروس من جهة أخرى. ويضيف: «حاول الروس تسيير دوريات لمراقبة ومنع قوات النظام التي تقوم بعمليات سرقة وتعفيش في المنازل إضافة إلى فرض سيطرتهم على المنطقة، ما أدى إلى مواجهات بين الطرفين، ما أدى بالروس إلى الانسحاب إلى المطار الدولي على حدود المدينة الشرقية».
وفي هذا الإطار، كان موقع «آرا نيوز» للأخبار قد أشار الأسبوع الماضي إلى تجدد الاشتباكات بين مجموعات تابعة لفرق «الدفاع الوطني» (الميليشيات) الموالية لقوات النظام وبين الشرطة العسكرية الروسية في عدة مناطق شرقي حلب، شمالي سوريا. وقال الناشط الميداني، وائل محمد، من حلب للموقع إن «اشتباكات جديدة اندلعت بين مجموعات من ما يسمى «الدفاع الوطني» يعتقد أنها من «لواء الباقر» الموالي لقوات النظام وبين الشرطة العسكرية الروسية داخل حيي الشعار والميسر تبادل خلالها الطرفان القنص لتتطور إلى اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وذلك على خلفية قيام الشرطة العسكرية الروسية بمنع هذه المجموعات من «الشبي» التي تعمل على تعفيش وسرقة ممتلكات المدنيين الذين تم تهجيرهم من أحياء حلب الشرقية نحو مدينة إدلب.
ولفت محمد إلى أن «الاشتباكات وقعت رغم انتشار قوات النظام وشنها عمليات دهم واعتقال في تلك الأحياء بحثًا عن المطلوبين الذين يهاجمون الشرطة الروسية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.