«شارع المعز» التاريخي بالقاهرة في حلة جديدة

متحف طبيعي للآثار الإسلامية في عهود مختلفة

شارع المعز لدين الله الفاطمي  -  قوات الأمن تشرف على تركيب البوابات الإلكترونية  في الشارع («الشرق الأوسط»)
شارع المعز لدين الله الفاطمي - قوات الأمن تشرف على تركيب البوابات الإلكترونية في الشارع («الشرق الأوسط»)
TT

«شارع المعز» التاريخي بالقاهرة في حلة جديدة

شارع المعز لدين الله الفاطمي  -  قوات الأمن تشرف على تركيب البوابات الإلكترونية  في الشارع («الشرق الأوسط»)
شارع المعز لدين الله الفاطمي - قوات الأمن تشرف على تركيب البوابات الإلكترونية في الشارع («الشرق الأوسط»)

«أول قرار هو منع دخول السيارات، وتخصيصه للمشاة فقط، لأنه في الحقيقة متحف مفتوح». هكذا يقول المسؤولون في محافظة القاهرة وهم يشرفون على عمليات التطوير، منذ عدة أيام، لـ«شارع المعز» التاريخي الشهير بالقاهرة الفاطمية القديمة، شرق العاصمة المصرية، في محاولة لإعادته إلى صورته العريقة التي عرف بها دائما بعد أن ضربته الفوضى التي لحقت بالمناطق المحيطة به، بسبب الفراغ الأمني الذي عانته البلاد في أعقاب ثورة 25 من يناير (كانون الثاني) عام 2011.
«مدرستي جميلة نظيفة متطورة»، شعار كانت تتزين به حوائط المدارس الحكومية المصرية، في محاولة لتربية النشء على قيم النظافة والتطور والجمال. ويبدو أن هذا الشعار يعود وبقوة هذه الأيام من خلال محافظة القاهرة والأجهزة الحكومية التي بدأت تتخذ مبدأ النظافة والتطور شعارا للمرحلة، وذلك من خلال حملة تقوم بها المحافظة الآن لتطوير المناطق الأثرية المهمة التي تشمل مناطق «مصر القديمة» و«الأهرام».
يقول خالد مصطفي، المتحدث الإعلامي باسم محافظة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت منذ أيام عمليات التطوير بشارع المعز الشهير التي تشمل عمليات رفع الكفاءة بالشارع؛ مثل: تجديد شبكات المياه والصرف الصحي، وتزويد الشارع بشبكات بالوعات الأمطار، مع تحديث وزيادة أعداد حنفيات الحريق لمواجهة أي طارئ.. هذا إلى جانب إزالة الإشغالات من الباعة الجائلين وتطوير وحدات الإضاءة الخاصة بالشارع التي كانت تنتهج نظام الصوت والضوء المتبع في أهرام الجيزة، بقرار من وزير الآثار».
ويعد شارع المعز لدين الله الفاطمي (شارع الأعظم، سابقا) أحد أهم الشوارع التاريخية في البلاد، حيث يمتد عمره لأكثر من 1300 سنة ويضم الكثير من الآثار الإسلامية البالغ عددها نحو 33 أثرا ما بين مساجد وأسبلة ومدارس ترجع لحقب إسلامية مختلفة، مثل جامع الأقمر وقصر الأمير بشتاك وجامع الحاكم بأمر الله وجامع السلطان قلاوون، وغيرها من الآثار.
وكانت وزارة الثقافة قد قامت بترميم الآثار الموجودة في شارع المعز بميزانية بلغت نحو 300 مليون جنيه (الدولار يساوي نحو سبعة جنيهات) لتحويل الشارع إلى متحف مفتوح ومزار سياحي مهم لزائريه من أجانب ورواد المنطقة، الذين يعدونه مزارا سياحيا وليس شارعا عاديا، كما أن للشارع أهمية تجارية كبيرة أيضا كونه يضم الكثير من الدكاكين والأسواق الممتدة من منطقة باب الفتوح حتى باب زويلة والبالغ عددها نحو 1200 محل تبيع مختلف البضائع والسلع التي يغلب عليها التحف والمشغولات القديمة.
ويضيف مصطفى أن محافظ القاهرة الدكتور جلال السعيد، أمر بوضع بوابات إلكترونية على مداخل ومخارج الشارع الشهير لتحول دون دخول السيارات الخاصة التي كانت تتسبب في ازدحام الشارع وتوقف حركة المارة به مع السماح بدخول السيارات في الحالات الطارئة فقط. ويتابع قائلا: «انتهينا بالفعل حتى الآن من وضع خمس بوابات على المداخل والمخارج المتفرعة للشارع». ويوضح: «نحن ننظر للشارع باعتباره متحفا مفتوحا وليس شارعا عاديا، وذلك كونه يضم الكثير من الآثار الإسلامية بحقبها المختلفة والأماكن الأثرية القديمة التي تجعلنا نهتم به كونه مصدرا مهما للسياحة التي علينا أن نهتم بعودتها مرة أخرى».
وتأتي أعمال التطوير في الشارع الشهير ضمن خطة موضوعة من محافظة القاهرة ووزارات الثقافة والسياحة والإعلام والآثار بجانب مديرية أمن العاصمة لتطوير الأماكن الأثرية وعودتها إلى سابق عهدها كمنطقة أثرية مغلقة مع مراعاة حقوق قاطني المنطقة، وأصحاب المحال المرخصة الموجودين بها.
كما يضيف مصطفى قائلا: «بالنسبة للبوابات الإلكترونية، فقد جرى تخصيص أوقات معينة يكون فيها الشارع للمشاة فقط وهي الفترة من الساعة التاسعة صباحا وحتى العاشرة مساء، مع السماح للسيارات بالدخول في أوقات معينة أثناء الليل بالاتفاق والتنسيق مع الإدارة العامة المرور، على ألا تفتح البوابات للسيارات في غير تلك الأوقات إلا في حالات الطوارئ الخاصة بمستشفى قلاوون الذي يقع بالمنطقة، مع توفير سيارات كهربائية لنقل المشاة وكبار السن داخل الشارع».
وتقوم المحافظة بأعمال النظافة والإنارة وغيرها بينما تتولى شركة «المقاولون العرب» تركيب البوابات الإلكترونية بالشارع، ومن المتوقع الانتهاء من كافة أعمال التطوير خلال أسبوعين على الأكثر من الآن.
ويقول محمد أشرف، أحد البائعين في المنطقة التاريخية بشارع المعز: «نحن نقدر دور المحافظة ووزارة الآثار في الاهتمام بهذا المعلم التاريخي، فـالشارع يمتلئ بالتحف الأثرية من العصور القديمة ومن العصر المملوكي بالذات، كما أن الاهتمام به كمعلم سياحي يعود علينا نحن كتجار بالنفع حيث إن عمليات التنظيف وإعادة الإنارة والرصف، كلها تشجع السائح العربي والأجنبي على العودة للنزول إلى هذا الشارع وقضاء وقت مع الأسرة وشراء ما يحتاج من تحف ومقتنيات تحمل عبق التاريخ».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».