إعادة انطلاق الأوركسترا الإيرانية الوطنية

مدير جديد يقودها.. بعد توقفها عن العمل عدة مرات

هناك أنباء تفيد بأن الأوركسترا الإيرانية ستبصر النور من جديد (رويترز)
هناك أنباء تفيد بأن الأوركسترا الإيرانية ستبصر النور من جديد (رويترز)
TT

إعادة انطلاق الأوركسترا الإيرانية الوطنية

هناك أنباء تفيد بأن الأوركسترا الإيرانية ستبصر النور من جديد (رويترز)
هناك أنباء تفيد بأن الأوركسترا الإيرانية ستبصر النور من جديد (رويترز)

شهدت الأوركسترا الإيرانية الوطنية، خلال الأعوام الأخيرة، محطات صعود وهبوط عديدة اضطرت خلالها لإيقاف عملها عدة مرات، لكنها عادت اليوم إلى الساحة الموسيقية وهي تحمل طاقات كبيرة ممثلة بعازفين لهم خبرات واسعة في العزف على الأدوات الموسيقية الكلاسيكية وأيضا على دراية واسعة بالمقامات الموسيقية الإيرانية.
وخلال الأعوام الأخيرة تم تعليق عمل الأوركسترا الإيرانية الوطنية على غرار العديد من الفعاليات التي لقيت المصير نفسه، غير أن هناك أنباء تفيد بأن الأوركسترا ستبصر النور من جديد بعد أن تم تعيين مديرين جدد لها مثل بيروز أرجمند، والمايسترو فرهاد فخر الديني.
وفي عام 1998 قام فرهاد فخر الديني، وبدعم من مدير مكتب الموسيقى في وزارة الإرشاد (الثقافة) الإيرانية، بإنشاء «فرقة الأوركسترا الوطنية» أو «أوركسترا الموسيقى الوطنية». وباشرت الأوركسترا عملها بالعزف على آلات وترية إيرانية إلى جانب آلات الموسيقى الغربية - باستثناء الآلات الموسيقية النفخية - حتى لا تسبب الإخلال بالموسيقى الإيرانية، حسب رؤية الموسيقار الإيراني فخر الديني. وفي أول عروضها الذي أقيم في حديقة متحف جهلستون، قدمت الأوركسترا مقطوعات موسيقية من علي تجويدي وأداء محمد رضا شجريان.
ويقول عازف البيانو السابق في فرقة الأوركسترا الوطنية مازيار حيدري، حول الأوركسترا الوطنية الإيرانية «هذه الأوركسترا منقطعة النظير في العالم بسبب تركيب الآلات الموسيقية فيها. قد تكون هناك فرق أوركسترا يتم فيها مزج الأدوات الموسيقية المحلية والمعاصرة وفقا للمؤلف الموسيقي، غير أنني أستبعد أن تتمتع الدول المختلفة بأوركسترا بهذا الشكل الذي نراها حاليا في إيران. فعلى سبيل المثال تعزف الأوركسترا الوطنية في جمهورية أذربيجان على آلات موسيقية محلية وتغيب عنها الأدوات الكلاسيكية».
وتضم نشاطات قائد الأوركسترا فخر الديني الموسيقية في الأوركسترا الوطنية عدة عروض موسيقية مهمة، مثل العرض المشترك مع أوركسترا سويسرا في جنيف، وعروض موسیقیة مشتركة مع فنانين أمثال عازف الوتر الأذربيجاني «راميز قلي أوف»، ومغني الأوبرا الأذربيجاني «لطفيار إيمانوف».
وفي 2009 قدم فرهاد فخر الديني استقالته للأوركسترا الوطنية بعد عمل استمر لـ11 عاما، وجاء قرار الاستقالة بعد إلغاء حفل موسيقي كان من المقرر أن يشارك فيه «محمد رضا شجريان» بصفته مغنيا في الحفل. وعزا فخر الديني هذه الاستقالة بسبب تسييس الفن، وتجاهل حقوق العازفين على الأدوات الموسيقية.
وتولت «مؤسسة رودكي» إدارة الأوركسترا الوطنية بعد أن كان «مكتب الموسيقى» يتولى هذه المهمة، الأمر الذي أثار ردودا وانتقادات كثيرة في إيران، وأدت هذه التطورات إلى إغلاق الأوركسترا الوطني.
وعلى أثر استقالة فرهاد فخر الديني من الأوركسترا الوطنية، ورغم الجهود التي بذلها علي ترابي (مدير مكتب الموسيقى آنذاك) لإعادة فرهاد لمنصبه، أعيد نشاط الأوركسترا الوطنية بعد عامين وبهيئة جديدة بقيادة «برديا كيارس»، وتحت إشراف المجلس الفني التابع للأوركسترا الوطنية، والذي ضم «هوشنك ظريف»، و«أرسلان كامكار»، و«حسين علي زادة»، و«فردين خلعتبري». وقدم برديا كيارس في هذه الأثناء حفلات موسيقية مختلفة في طهران وشيراز بصفته قائدا للأوركسترا، من أهمها «أمسية كبار الموسيقى»، التي قدمت معزوفات من أعمال كبار الموسيقيين الإيرانيين. وأثارت هذه الحفلة الموسيقية انتقادات لأداء برديا كيارس بسبب أسلوبه في تركيب الأدوات الموسيقية، وإشراك عازفين قليلي الخبرة في هذا العرض الموسيقي. ورد كيارس قائلا بأنه يسعى للحفاظ وترويج الموسيقى الوطنية، وأنه يرى أنه يمكن أداء الموسيقى الوطنية الإيرانية من خلال العزف على الأدوات الموسيقية المختلفة.
ولم تستمر قيادة برديا كيارس للأوركسترا الوطنية لأسباب شخصية، وتم تعيين آرش كوران قائدا للأوركسترا الوطنية خلفا له. وتعرضت الأوركسترا الوطنية التي كانت تخضع لإشراف «مؤسسة الأوركسترات الإيرانية» لصعوبات أدت في النهاية لتعليق نشاطها.
وتفيد الأخبار هذه الأيام بعودة الأوركسترا الوطنية بقيادة المايسترو فرهاد فخر الديني، وذلك بعد تعيين علي مراد خاني وهو أحد مؤسسي الأوركسترا الوطنية في منصب مساعد وزير الإرشاد للشؤون الفنية. وقال فخر الديني لـ«الشرق الأوسط» معلقا على تسلمه قيادة الأوركسترا الوطنية مرة أخرى «يجب أن ننتظر ونرى كيف يتم التخطيط للأوركسترا التي هي بحاجة إلى تشكيل مجلس فني لها يتخذ القرارات بشأن برنامج حفل الافتتاح، والبرامج السنوية. جرى أخذ موافقتي بشأن إعادة تدشين الأوركسترا الوطنية، وسمعت خلال الأيام الأخيرة أن السيد أرجمند أعلن تعييني قائدا للأوركسترا، لكننا بانتظار انعقاد جلسات للتحدث واتخاذ القرارات بهذا الشأن».
ونحن كلنا بانتظار البرنامج الذي سيضعه فرهاد فخر الديني للأوركسترا الوطنية، فهل تتمكن الأوركسترا الوطنية الإيرانية من أن تستعيد أمجادها وتقدم عروضا مثل عرضها الأول الذي قدمته في جهلستون؟
* إعداد {الشرق الأوسط} بالفارسية {موقع «شرق بارسي»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».