شخصيات دولية تحضر افتتاح المقبرة المقلدة لتوت عنخ آمون في الأقصر

عملية «استنساخ للتاريخ» للحفاظ على معالمها الأثرية النادرة

مقبرة توت عنخ آمون
مقبرة توت عنخ آمون
TT

شخصيات دولية تحضر افتتاح المقبرة المقلدة لتوت عنخ آمون في الأقصر

مقبرة توت عنخ آمون
مقبرة توت عنخ آمون

تتجه أنظار عشاق الآثار المصرية من علماء المصريات وسائحين من أنحاء العالم إلى مدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر في الثلاثين من شهر أبريل (نيسان) الجاري، حيث يقوم وزير الدولة لشؤون الآثار، يرافقه عدد كبير من كبار المسؤولين بمصر وعدد من الشخصيات الدولية من المهتمين بعلوم المصريات في العالم، بافتتاح المقبرة المقلدة للفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون.
وتقام بالقرب من منزل مكتشف المقبرة المستكشف البريطاني هيوارد كارتر عند مدخل الطريق المؤدي إلى منطقة وادي الملوك الغنية بمقابر ملوك الفراعنة، حيث ترقد مومياء توت عنخ آمون داخل مقبرته الأصلية التي باتت معالمها مهددة بالاندثار نتيجة استقبالها قرابة ألف زائر يوميا، فتقرر إقامة نسخة مقلدة لها لتخفيف عدد زوارها والحفاظ على معالمها الأثرية النادرة التي تمثل تراثا فريدا للإنسانية.
وتأتي إقامة نموذج المقبرة فيما وصف بأنه عملية «استنساخ للتاريخ» من أجل الحفاظ على معالم تاريخية نادرة، حسب وكالة الأنباء الألمانية. وكما يقول اللواء طارق سعد الدين، محافظ الأقصر، فإن نموذج مقبرة الملك توت عنخ آمون وصل إلى الأقصر في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي قادما من أوروبا هدية من الاتحاد الأوروبي والجمعية السويسرية لمحبي المقابر الملكية المصرية ليجري تركيبه غرب الأقصر وليكون نسخة طبق الأصل من مقبرة توت عنخ آمون، الفرعون الذهبي الصغير الذي نقل مصر إلى العالم ونقل العالم إلى مصر عبر آثاره النادرة التي تجتذب عشرات الآلاف من السياح، وتحظى باهتمام العالم.
وكان وزير الدولة لشؤون الآثار بمصر الدكتور محمد إبراهيم تفقد أعمال تركيب المقبرة خلال زيارة له لمدينة الأقصر الشهر الماضي.
ويأتي افتتاح النسخة المقلدة من مقبرة توت عنخ آمون وسط تحذيرات أطلقها عالم المصريات الدكتور أحمد صالح عبد الله المتخصص في علوم المومياوات، والذي أكد أن مومياء توت عنخ آمون معرضة لأن تتحول إلى رماد خلال عشرين سنة نتيجة لعوامل التهوية والإضاءة وأعداد الزوار.
وتقع المقبرة المقلدة بالقرب من منزل البريطاني هيوارد كارتر مكتشف مقبرة وكنوز توت عنخ آمون الواقع فوق ربوة عند الطريق المؤدي لمقابر ملوك الفراعنة غرب الأقصر وتحول قبل سنوات إلى مزار سياحي يضم مقتنيات كارتر، ويحكي لزواره تاريخ اكتشاف المقبرة التي كانت الاكتشاف الأثري الأكثر شهرة في العالم.
يذكر أنه في يوم السبت الموافق الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1922 كان العالم على موعد مع كشف من أعظم الكشوف الأثرية في القرن العشرين، ففي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم وبينما كان المستكشف الإنجليزي كارتر (1873 - 1939) يقوم بمسح شامل لمنطقة وادي الملوك الأثرية غرب مدينة الأقصر موفدا من قبل اللورد هربرت إيرل كارنافون الخامس (1866 - 1923) عثر على أول عتبة حجرية توصل عبرها إلى مقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون وكنوزها الباهرة، حيث عثر على كنز توت عنخ آمون بكامل محتوياته دون أن تصل له يد اللصوص على مدار أكثر من ثلاثة آلاف سنة.
وحوى الكنز المخبأ مقاصير التوابيت وتماثيل الملك الصغير والمجوهرات الذهبية والأثاثات السحرية والعادية والمحاريب الذهبية والأواني المصنوعة من الخزف، وقد أعطت محتويات المقبرة لعلماء الآثار فرصة فريدة للتعمق في معرفة طبيعة الحياة في عصر الأسرة الثامنة عشرة التي تعد فترة ذات أهمية خاصة في تاريخ مصر القديمة.
أما مكتشف المقبرة كارتر فقد ولد بمدينة لندن بمقاطعة كينسينغتون، وقضى طفولته بشكل أساسي في سوافهام، نورفولك حيث عاش مع عماته، اشتهر بسبب اكتشافه لمقبرة توت عنخ آمون بوادي الملوك بالأقصر.
وفي عام 1891 وفي سن السابعة عشرة، بدأ كارتر دراسة النقش والرسم بمصر، عمل بالاكتشافات الأثرية ببني حسن مقر مقابر أمراء مصر الوسطى، 2000 ق.م، لاحقا أصبح تحت وصاية ويليام فليندر بيتري، واشتهر كارتر أيضا لأنه اكتشف آثارا تعود للملكة حتشبسوت في مقبرة بالدير البحري في عام 1899. عرضت وظيفة على كارتر من قبل المجلس الأعلى للآثار المصري، وما لبث أن استقال بسبب خلاف بين حراس موقع أثري مصري وبعض السائحين الفرنسيين عام 1905.
وفي عام 1907 بعد عدة سنوات، تعرف كارتر على اللورد كارنارفون، أحد الهواة المتحمسين الذي كان على استعداد لتمويل بعثاته الاستكشافية، وأصبح كارتر المسؤول عن كل أعمال التنقيب لكارنارفون، الذي قام بتمويل بحثه عن الفرعون المجهول سلفا توت عنخ آمون، والذي اكتشف من قبل كارتر. بعد عدة أشهر من التنقيب والبحث غير المثمر، أصبح اللورد كارنارفون غير راض عن النتائج وفشل استثماراته، وفي عام 1922 أعطى كارتر موسما واحدا أخيرا لإكمال أعمال التنقيب. وفي الرابع من نوفمبر عام 1922 بعد 15 سنة من البحث وجد كارتر مقبرة توت عنخ آمون (ك.ف62) حيث كانت أفضل مقبرة وجدت على مر التاريخ لم تمس من قبل بوادي الملوك، أرسل برقية للورد كارنارفون للمجيء، في 26 من نوفمبر عام 1922.
وفي ظل حضور كارنارفون وابنته، وآخرين، قام كارتر بعمل «الكسر الصغير» الشهير في الزاوية الشمال لمدخل المقبرة، وأصبحت بادية للعين بواسطة ضوء شمعة، حيث شوهدت الآثار الذهبية الخاصة بالمقبرة، بالإضافة إلى الكنوز الأثرية من خشب الأبنوس التي بقيت في مكانها منذ ذلك الوقت.
وحتى ذلك الحين لم يكن كارتر يعلم بعد هل هي «مقبرة أم مجرد مخبأ»، ولكنه تأكد عندما شاهد ختما واضحا بأحد الأبواب المحروسة بين تمثالين، عندما سـأله كارنارفون: «هل وجدت شيئا؟». قال: «نعم. أشياء مذهلة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».