«داعش».. تشعل حرب المياه في العراق

استولت على «سدة الفلوجة».. وتصوب أنظارها إلى سد الموصل

«داعش».. تشعل حرب المياه في العراق
TT

«داعش».. تشعل حرب المياه في العراق

«داعش».. تشعل حرب المياه في العراق

شكل استيلاء «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف اختصارا باسم «داعش»، على مدينة الفلوجة خلال الأيام الماضية، مفاجأة ربما غير متوقعة في سياق الحرب بينه وبين الحكومة العراقية. فبالإضافة إلى البعد المعنوي لمثل هذا الأمر، فإنه وضع حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في زاوية حرجة، لا سيما أن التنظيم أعلن الفلوجة إمارة إسلامية.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الحرب بين «داعش» ومن تحالف معها من ثوار العشائر والمجلس العسكري من جهة، والأجهزة الأمنية الحكومية ومن يقف معها من أبناء العشائر سواء على مستوى قوات «الصحوة» أو «مجالس الإنقاذ» و«أبناء العراق»، دون أن يتحقق حسم عسكري واضح لأحد الطرفين، فإن مفاجأة «داعش» التي لم يتوقعها أحد هي الإعلان عن قيام مسلحيها بقطع مياه نهر الفرات بعد سيطرتهم على «سدة الفلوجة».
هذا التطور المفاجئ في سياق المواجهة العسكرية جعل مسار الحرب يتخذ أكثر أبعاده خطورة، لا سيما البعد الطائفي، خصوصا أن التحكم في السدة سيؤدي إلى شح كبير في المياه بمحافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية.
ولم تتضح على نحو واضح استراتيجية «داعش» وراء غلق وفتح السدة بين فترة وأخرى، مما أدى بالفعل إلى غمر مناطق كثيرة غربي بغداد وصولا إلى حزامها فضلا عن القرى والنواحي المحيطة بالفلوجة.
ومن الأخبار التي تواترت أن المسلحين المنتمين إلى «داعش» بدأوا يصوبون نظرهم إلى سد الموصل الواقع على نهر دجلة، وهو أكبر سدود العراق. وفي حال إغلاق هذا السد، فإن المياه ستحجب عن محافظات عديدة تقع على النهر، من أهمها العاصمة بغداد، فضلا عن تكريت وواسط والعمارة جنوبا.
وإذا كانت الخطوة من الناحية التكتيكية ضد «داعش» لأن هذا الأمر من شأنه أن يوحد المواقف السياسية والاجتماعية ضدها، إلا أنها تراهن استراتيجيا على مسألتين مهمتين؛ الأولى إثارة العنف والصراع الطائفي بين السنة والشيعة باعتبار أن «داعش» محسوبة على السنة، والثانية إظهار ضعف الحكومة العراقية وعجزها عن فرض سيطرتها وسيادتها حتى على المياه التي هي جزء لا يتجزأ من سيادة أي دولة.
ولعل من أكثر المفارقات على صعيد حرب المياه التي أشعلتها «داعش»، هو أن الحكومة العراقية وجدت نفسها أمام معركة مياه جديدة تضاف إلى سابقتها مع دول الجوار. فقد فشلت الحكومات المتعاقبة في بغداد في التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم المياه منذ تأسيس الدولة العراقية حتى الآن، مع دول الجوار، وهو ما جعلها تقع تحت الضغط التركي تارة، والإيراني تارة أخرى. لكنها اليوم تقع تحت ضغط داخلي جديد غير مسبوق عندما وجدت نفسها تخوض «حرب مياه» من طراز مختلف تماما، فلأول مرة ربما في العالم كله تخوض دولة حرب مياه مع مسلحين تمكنوا من السيطرة على بعض مصادر المياه.
هذا التحول في الحرب يتزامن مع انتخابات مصيرية على الأبواب، مما يجعل الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات.. فتكتيك «داعش» الجديد يقوم، بالإضافة إلى استخدامها المياه عامل ضغط على الحكومة العراقية بما في ذلك تشتيت الجهد العسكري، على توسيع رقعة انتشارها الجغرافي لتشمل بابل جنوبا وديالى وكركوك وصلاح الدين شمالا. كما أن هذا التنظيم الذي ولد من رحم «القاعدة» وتمرد عليه، لم يكتف بالدفاع عن «الإمارة» التي شكلها بالفلوجة، بل بات يهدد مناطق حزام بغداد، وهو ما حمل الحكومة العراقية على غلق سجن أبو غريب غربي العاصمة خشية هجوم مسلح عليه يؤدي إلى إطلاق سراح ما تبقى من نزلائه الخطرين بعد أن نجح التنظيم في يوليو (تموز) الماضي في تهريب أكثر من 600 سجين من بينهم «أمراء» في تنظيم القاعدة من ذلك السجن.
وبينما بدأت «داعش» تقترب من بغداد، حيث غمرت المياه مناطق قريبة من العاصمة، فإن احتمال سيطرتها على سد الموصل بات أحد الاحتمالات الواردة، وهو ما يمكن أن يعرض تكريت وسامراء ومدنا أخرى تمتد إلى بغداد إلى مخاطر جمة. وبقدر ما تعكس هذه التطورات مدى القدرات والخبرات العسكرية التي يتمتع بها هذا التنظيم، فإنه من وجهة نظر بعض داعمي الحكومة العراقية من زعماء الصحوات الجديدة، يبدو مختلفا إلى حد كبير.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور فارس إبراهيم، الأستاذ في جامعة الأنبار وعضو المجلس التأسيسي لـ«أبناء العراق»، لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة لا تكمن في قدرات التنظيم بقدر ما تكمن في عدم وجود جدية لدى الحكومة في التعامل مع هذا الملف بطريقة حازمة». ويؤيد إبراهيم «عمليات عسكرية واسعة النطاق في الفلوجة وغيرها، لأن هذا هو الدواء الوحيد القادر على لجم هؤلاء»، بينما الحكومة العراقية، وعلى لسان القيادي في ائتلاف دولة القانون عدنان السراج، ترى أنها «أخذت على عاتقها المضي من خلال مسارين؛ الأول هو العمليات العسكرية التي أدت حتى الآن إلى تحرير الرمادي مع محاصرة الفلوجة. والثاني هو إبقاء الباب مفتوحا أمام الحلول السلمية بما في ذلك إعطاء فرصة لشيوخ العشائر لإيجاد حل سلمي لتجنب إسالة المزيد من الدماء». لكن الأمر بالنسبة لـ«داعش» يختلف. فبعد أن بدأت تتحكم في سدة الفلوجة، فإن الماء اختلط بالدم فنتج عن الاثنين لون ثالث أكثر قتامة.

* قصة «داعش»
* خلال السنة الأولى من مظاهرات الأنبار، التي امتدت إلى المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية كلها (صلاح الدين، وديالى، وكركوك، ونينوى) كان أحد أبرز الهتافات التي لفتت الأنظار وجرى تسويقها بوصفها دليل إدانة للمتظاهرين هو ذلك الهتاف الذي ردده القيادي في تنظيم القاعدة، شاكر وهيب: «نحن تنظيم اسمه (القاعدة).. نقطع الرأس ونقيم الحدود».
في هذا الهتاف جرى اختزال القصة كلها، ومنح رئيس الوزراء نوري المالكي نفسه أحقية وصف المظاهرات بأنها «نتنة» مرة، و«فقاعة» مرة أخرى. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل جرى اختزال وجود «القاعدة» وتنظيماتها بالأنبار في ساحة الاعتصام على الطريق الدولي السريع الرابط بين العراق وكل من الأردن وسوريا.
خلال معظم شهور السنة الأولى للمظاهرات (2013) لم تكن «داعش» قد ظهرت إلى الوجود، بل كانت التسمية الشائعة هي «القاعدة» ورمزها في ساحات الاعتصام شاكر وهيب صاحب الهتاف الشهير الذي بقيت قناة «العراقية»، وهي التلفزيون الرسمي، تردده في نشرات الأخبار بوصفه دليل إدانة للمتظاهرين ولساحات المظاهرات بدعوى أنها اختطفت من قبل تنظيم القاعدة. لكن تطورات الأوضاع في سوريا وتداعياتها خلقت أوضاعا مرتبكة في العراق حتى ظهر تنظيم «داعش» ليختزل عبارة «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وما هي إلا أشهر حتى بدأ التنسيق بين التنظيمين في كل من سوريا والعراق يؤتي أكله على صعيد التدريب والتجهيز والدعم والإسناد، وتساعد في ذلك الحدود شبه المفتوحة بين البلدين مع غياب الرؤية الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب طبقا لما يقوله لـ«الشرق الأوسط» الخبير الأمني ورئيس «المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية» الدكتور معتز محيي عبد الرحمن. ومن تجليات غياب هذه الرؤية إصرار الحكومة على رفع خيام الاعتصام من منطلق أن الحكومة حققت مطالب المتظاهرين المشروعة، ما عدا تلك التي تحتاج إلى تشريعات من قبل البرلمان، وهي حجة لا تقنع المتظاهرين لسببين؛ الأول هو أن المتظاهر غير معني بالتفريق بين الحكومة والبرلمان لأنه يشعر أن مطالبه موجهة إلى السلطة المسؤولة سواء كانت حكومة أم برلمانا. والثاني هو أن من يريد استغلال ذلك يجد فرصته سانحة في خلط الأوراق، وهو ما حصل عندما أصرت الحكومة على رفع الخيام على أساس أن هناك نحو 35 قياديا في تنظيم القاعدة متحصنون داخلها. وتزامن هذا الأمر مع بدء عملية عسكرية في «وادي حوران» غرب الرمادي كانت القوات العراقية قد حققت نجاحات فيها، مع عملية رفع الخيام التي سرعان ما فتحت باب المجهول أمام الجميع، إضافة إلى أن التطورات التي تلت ذلك فاجأت الجميع.

* من الصحراء إلى قلب المدن
* الحرب انتقلت فجأة من وادي حوران إلى قلب مدينة الرمادي، في حين نجح المسلحون في الاستيلاء بالكامل على مدينة الفلوجة التي حظيت خلال عقد واحد من الزمن بأكبر قدر من الاهتمام العالمي بدءا بمعركتيها الأولى والثانية مع الأميركيين، وحتى الحرب الأخيرة التي تدور رحاها على أرضها بين «داعش» والحكومة.
وبعد أربعة أشهر من غموض الرؤيا، يقول الدكتور عبد الرحمن إن «الغموض لا يزال سيد الموقف؛ إذ لا يوجد ناطق عسكري رسمي يوضح سير العمليات وما انتهت إليه، بل ما نلاحظه هو أن هناك تهويلا إعلاميا في قنوات فضائية معينة، بينما ما يحتاج إليه المواطن هو توضيح الحقائق والتداعيات الخاصة بهذه المعركة».
وبشأن الحجة التي ساقتها الحكومة لرفع الخيام الذي أدى إلى كل هذه التداعيات التي وصلت أخيرا إلى استخدام المياه في الحرب، يقول عبد الرحمن إن «العمليات لم تسفر مثلا حتى الآن عن إلقاء القبض على رموز قيادات (القاعدة) ممن وزعت صورهم، والمعلومات تشير إلى أنهم تسربوا إلى مناطق أخرى؛ لأن (القاعدة) لا تتخذ معسكرات ثابتة وإنما تتنقل كأشباح، وهو ما يحتاج إلى حشد مجتمعي صحيح وتفادي التشكيك في هذا أو ذاك، وكذلك تجنب نقل المعركة إلى ساحات أخرى حتى لا تصبح ذريعة للبعض للتشكيك المضاد».
في السياق نفسه، وجزءا من التداعيات التي ترتبت على عملية نقل المعركة من وادي حوران إلى قلب المدن، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي شوان محمد طه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه «في حين يوجد إرهاب في العراق، وهو ما يتطلب تكاتف الجميع للقضاء عليه، فإن ما نلاحظه للأسف هو أن هناك عملية ترويج سياسي له». وأضاف طه أن «العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة ضد الإرهابيين يجب أن تدعم من قبل الجميع، لكن الإرهاب و(داعش) ليسا موجودين في صحراء الأنبار فقط، وإنما هناك مناطق كان يجب التحرك عليها منذ زمن طويل، وبالتالي، فإن الإجراءات تأخرت كثيرا». ودعا طه إلى «عدم خلط الأوراق بين ما هو سياسي وما هو أمني حتى في إطار ما بات يصرح به بعض أعضاء البرلمان بشأن نوع من التقسيم المجتمعي بين من يؤيد أو يعارض، وهو أمر غير صحيح».
وبشأن المعلومات حول دخول عناصر إرهابية إلى ساحة اعتصام الرمادي، مركز محافظة الأنبار، قال طه إن «هذا الأمر لو صح فإن الحكومة تتحمل مسؤوليته بسبب عدم تنفيذ المطالب المشروعة طوال عام كامل، مما أدى إلى حصول تداعيات على صعيد ساحات الاعتصام، وهو ما جعل الإرهابيين يتوغلون فيها واتخاذها ملاذا آمنا لهم».

* صحوات قديمة وأخرى جديدة
* جاء استيلاء «داعش» على الفلوجة ليشكل مفاجأة ربما غير متوقعة في سياق الحرب بينها وبين الحكومة العراقية؛ فبالإضافة إلى البعد المعنوي لمثل هذا الأمر، فإنه وضع حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في زاوية حرجة، لا سيما أن التنظيم أعلن الفلوجة إمارة إسلامية. وظهر الشيخ أحمد أبو ريشة الذي كان طوال عام كامل أحد أبرز خصوم المالكي خلال قيادته مع شخصيات سياسية وعشائرية أخرى المظاهرات، ظهر ليقول إن تنظيم «داعش» أصدر عملة له. وجاء التحول لدى أبو ريشة إلى جانب المالكي بعد أن اضطر المالكي إلى محاباته لإعادة «الصحوات» القديمة التي كان قد شكلها أخوه الراحل عبد الستار أبو ريشة عام 2006 والتي كان لها بمساعدة الأميركيين على عهد الجنرال ديفيد بترايوس، الدور الأبرز في إقصاء وطرد تنظيم القاعدة من مدن محافظة الأنبار. وكان المالكي قد شكل صحوات بديلة لصحوات أبو ريشة أواخر عام 2013 بزعامة الشيخ وسام الحردان بعد انضمام أبو ريشة إلى المظاهرات مع كل من وزير المالية السابق رافع العيساوي والشيخ علي حاتم السليمان الذي يقود الآن تنظيم «ثوار العشائر»، وهو أحد الفصائل التي تقاتل القوات المسلحة العراقية، والنائب أحمد العلواني الذي اعتقل من قبل قوات «سوات» التي تعد من أشد الأجهزة العسكرية موالاة للمالكي.
وبين الصحوات القديمة، التي كان لأبو ريشة الدور الأبرز فيها، وصحوات الحردان ومجلس أبناء العراق بزعامة الشيخ محمد الهايس شقيق الشيخ حميد الهايس رئيس مجلس إنقاذ الأنبار، جرى مسار المواجهة في الأنبار بطرق بدت غير واضحة المعالم أدت فيما أدت إليه إلى نوع من الانقسام العشائري، وهو ما راهنت عليه الحكومة في إضعاف شوكة «القاعدة» التي أصبح اسمها الرسمي الآن «داعش».
ومع «داعش» تغير التكتيك والاستراتيجية معا، وهو أخطر ما يمكن حسابه في مجرى الحرب الذي لم يجد له صدى واضحا في الخطط والأساليب العسكرية المتبعة. وفي هذا السياق، يقول الدكتور عبد الرحمن إن «هناك مسائل أساسية لا بد من حسابها في المعارك، وهي المعلومات الاستخباراتية والتدريب والتجهيز، وهي كلها مما ينقص قواتنا المسلحة، وهو ما يجعل زمام المبادرة بأيدي المسلحين والإرهابيين إلى حد كبير، بالإضافة إلى غياب مبدأ الثواب والعقاب لمن يقوم بعمله من جهة، ويقصر من جهة أخرى». ويلفت عبد الرحمن النظر إلى مسألة مهمة هي أنه «في الوقت الذي يعمد فيه المسلحون إلى تغيير تكتيكاتهم هنا وهناك، نجد أن هناك ثباتا في الخطط لدى الأجهزة الأمنية مهما كانت الصدمات التي تتعرض لها، لا سيما على صعيد العمليات النوعية التي تقوم بها الجماعات المسلحة بين الحين والآخر».
وفي سياق تبديل الخطط والأساليب، فإن الشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي، وهو أحد الشيوخ النافذين في محافظة الأنبار، الذي انضم إلى الحكومة لمقاتلة «داعش»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، ردا على سؤال بشأن قدرة العشائر في الرمادي عامي 2006 و2007 على طرد تنظيم القاعدة من مدن المحافظة وعجزها الآن على الرغم من دخول الجيش العراقي في حالة حرب ضروس مع التنظيم، قال إن «في المسألة جانبين مهمين؛ الأول يتعلق بالخطط والأساليب العسكرية التي لسنا معنيين بالحكم عليها، لكننا، ومن ملاحظاتنا البسيطة، نجد أن هناك خللا وقصورا في هذا الجانب، وهو ما استغلته التنظيمات الإرهابية إلى حد كبير. والثاني أن التكتيك الذي يتبعه تنظيم (داعش) اليوم يعمد إلى محاولة كسب السكان والاختفاء بينهم بطرق معينة، بالإضافة إلى استغلالهم معاناة الناس جراء عدم قيام الحكومة بتنفيذ المطالب المشروعة لهم، وهو ما يعني أنهم تمكنوا من استثمار المظاهرات لصالحهم بطريقة مبتكرة جدا، الأمر الذي جعل الفرز صعبا بين من هو إرهابي ينتمي إلى (داعش)، ومن هو من ثوار العشائر أو جهة أخرى تريد أن تسوق خطابا مفاده أنها ليست مع تنظيم القاعدة».

* مفاجأة المياه
* وفي الوقت الذي تستمر فيه الحرب بين «داعش» والأجهزة الأمنية الحكومية، دون أن يتحقق حسم عسكري واضح لأحد الطرفين، فإن المفاجأة التي لم يتوقعها أحد هي الإعلان عن قيام مسلحي «داعش» بقطع مياه نهر الفرات بعد سيطرتهم على «سدة الفلوجة». هذا التطور المفاجئ في سياق المواجهة العسكرية جعل مسار الحرب يتخذ أكثر أبعاده خطورة، لا سيما البعد الطائفي، خصوصا أن التحكم في السدة يؤدي إلى شح كبير في المياه بمحافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية. وبالفعل، فقد ارتفعت أصوات عديدة بهذا الاتجاه إلى الحد الذي جرى فيه إطلاق تسميات «معسكر يزيد» و«معسكر الحسين» في إحالة تاريخية إلى وقائع معركة وقعت عام 61 للهجرة. لكن غلق السدة، أدى، من بين ما أدى إليه، إلى غرق المناطق الغربية ذات الأغلبية السنية. ولم تتضح على نحو واضح استراتيجية «داعش» من غلق وفتح السدة بين فترة وأخرى، سوى أنها كشفت من وجهة نظر الخبراء والمتخصصين هشاشة أخرى لدى السلطات العراقية ليس على مستوى الأمن فقط، وإنما على مستوى لا يقل خطورة، وهو الضعف والتراخي الخطير في توفير الحماية المطلوبة للسدود والنواظم المنتشرة في العراق على نهري دجلة والفرات.
* السدود والنواظم في العراق
* على مدى عقود طويلة بقي التهديد المائي الأكبر بالنسبة للعراق هو إقدام تركيا على إقامة السدود على نهري دجلة والفرات وبالذات مشروع «غاب» الشهير على نهر الفرات الذي سيؤدي إلى خسارة العراق نحو 40 في المائة من أراضيه الزراعية. فبحسب تقديرات الخبراء والمختصين، فإن الحاجة الحقيقية للعراق من نهر الفرات لا تقل عن 500م3/ثا، في حين أن ما يحصل عليه حاليا لا يتعدى الـ200م3/ثا. أما المشروع التركي الآخر، وهو سد «أليسو» على نهر دجلة، فسيهبط بحصة العراق من النهر إلى 7.9 مليار متر مكعب سنويا، علما بأن منسوب المياه الفعلي عند الحدود 20.93 مليار متر مكعب!! ومع أن العراق خلال عهود الحكم الملكية والجمهورية أقام العديد من السدود والنواظم وعددها «25» سدا وناظما في عموم العراق، أبرزها الثرثار والموصل والحبانية وحديثة والورار والفلوجة وسد العظيم والكوت وبادوش ودربنديخان ودوكان وديالى وحمرين، فإن الخبراء والمختصين يشددون على أهمية البدء في إنشاء سدود ونواظم جديدة؛ إذ إن القسم الأعظم منها شُيد ضمن خطة مشاريع مجلس الإعمار في عقد الخمسينات من القرن الماضي. وإذا كان الكلام في الماضي ينصب على أهمية السدود والنواظم بالنسبة للزراعة والصناعة وتوليد الطاقة الكهربائية، فإن التكتيكات الأخيرة لتنظيم «داعش» حولت الاهتمام إلى كيفية حماية هذه المنشآت بطريقة تجعل من الصعب التحكم فيها من أي جهة كانت عدا الدولة.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.