معركة قانونية بين الممثل روبرت دي نيرو وسكان جزيرة حول منتجع ديانا

المكان المفضل للأميرة الراحلة أصبح مهملاً لمدة 15 عامًا

معركة قانونية بين الممثل روبرت دي نيرو وسكان جزيرة حول منتجع ديانا
TT

معركة قانونية بين الممثل روبرت دي نيرو وسكان جزيرة حول منتجع ديانا

معركة قانونية بين الممثل روبرت دي نيرو وسكان جزيرة حول منتجع ديانا

لقد كان يومًا ما المكان المفضل، الذي تقصده الأميرة ديانا، أميرة الويلز، لقضاء إجازة، حيث كانت تصطحب معها الأميرين الصغيرين ويليام، وهاري للاستمتاع براحة البال خلال فصل الشتاء. واليوم تمرّ السفن أثناء رحلاتها البحرية بها حتى يتمكن الركّاب من التقاط صور لشاطئ الأميرة ديانا. مع ذلك منذ وفاة الأميرة، انقلبت حظوظ «نادي كيه» على جزيرة باربودا في البحر الكاريبي، حيث أغلق أبوابه منذ اثني عشر عامًا. ويواجه المنتجع، الذي كان فخمًا ذات يوم، معركة استثنائية يشارك فيها أسطورة هوليوود روبرت دي نيرو مع بعض سكان الجزيرة قليلي العدد. اشترى دي نيرو، مع شريكه في التجارة جيمس باكر، المدة الباقية من إيجار الأرض من مالكها السابق، وحصل على تصريح لتجديد «نادي كيه»، وعمل توسعات به، وإعادة فتح أبوابه. مع ذلك وقّع أكثر من 300 من سكان الجزيرة البالغ عددهم 1500 على عريضة تعبر عن احتجاجهم على هذا التطور، الذي يرون أنه يمثل تجاوزًا وانتهاكًا، وغير قانوني.
ويقول سكان الجزيرة إنهم سوف يعرضون القضية على مجلس بريفي «مجلس الملك الخاص» في لندن، وهو محكمة استئناف باربودا. وقال ماكينزي فرانك، قائد المجموعة المحتجة التي تحمل اسم «حركة شعب باربودا»: «لا أحد يعترض على إعادة فتح (كيه كلاب)، لكنهم يريدون قطعة أرض إضافية كبيرة. هناك كثير من الأمور الخطيرة على المحك».
وبدأت أحداث هذه القصة المعقدة عندما أغلقت ماريوتشا مانديللي، «الأم الروحية للموضة الإيطالية»، ومؤسسة العلامة التجارية «كريزيا»، منتجع «ندي كيه»، الذي يمتد على مساحة 251 فدانًا، بعد 15 عامًا من بنائها له.
كان المنتجع، الذي كان يومًا ما ثاني أكبر مصدر لعائدات الجزيرة، قبل أن يصبح خاويًا، ومهملاً، في حالة بائسة إلى أن اشترى دي نيرو، الذي لديه استثمارات عقارية في مختلف أنحاء العالم، المدة الباقية من الإيجار بالاشتراك مع باكر، ابن قطب الإعلام الأسترالي، كيري باكر.
إنهم يريدون استثمار 250 مليون دولار، أي ما يعادل نحو 204 جنيهات إسترليني، في المشروع على مدى 10 سنوات، لكن شريطة أن يتمكنوا من استئجار قطعة أرض أخرى مساحتها 300 فدان تحيط بالموقع.
خلال عام 2014، وافقت حكومة أنتيغوا وباربودا، على إيجار 555 فدانًا من الأراضي في باربودا لشركة «بارادايس فاوند»، التي أسسها كل من دي نيرو وباكر. وجعل غاستون براون، رئيس وزراء أنتيغوا، الذي أحرج الأمير هاري خلال زيارته الشهر الماضي بدعوته لاصطحاب ميغان ماركل في شهر العسل إلى الجزيرة، دي نيور مبعوثًا اقتصاديًا خاصًا للجزيرة، وأثنى عليه ووصفه بأنه يتمتع بالرؤية نظرًا لعمله في تطوير الفنادق.
وعلى الشركة دفع 6.2 مليون دولار، مقابل استئجار المكان لمدة 198 عامًا، أي دفع ربع سنت لكل قدم مربع في العام. ويصف فرانك هذا الاتفاق بأنه «أكبر تنازل حدث على الإطلاق». طبقًا لقانون باربودا، يمتلك سكان الجزيرة الأراضي بالكامل والتي تبلغ مساحتها 62 ميلاً مربعًا. وفي فبراير (شباط) 2015، عقد الناس اجتماعًا دعموا فيه خطط دي نيرو، لكنّ فرانك وآخرين اعترضوا واحتجوا على تلك النتيجة، وردت عليهم حكومة أنتيغوا وباربودا بإصدار قانون يؤيد اقتراح دي نيرو.
يقول فرانك إن القانون الخاص بـ«باراديس فاوند» غير دستوري، وسيطعن عليه في المحاكم المحلية. على الجانب الآخر، قال دي نيرو خلال زيارة له إلى باربودا العام الماضي: «أنا آتي إلى أنتيغوا وباربودا منذ كنت في بداية العشرينات من العمر. الأمر يتعلق برغبتي في أن أجعل هذا المكان متميزًا جدًا جدًا». وأضاف قائلا: «لهذا السبب نرعاها ونهتم بها نحرص على أن نقوم بذلك بالطريقة الصحيحة. لولا أنني أشعر أنها الطريقة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف لما كنت قد فعلتها». وقال براون عن حركة شعب باربودا: «نحن نحترم حقهم في الاحتجاج، وبالمثل عليهم أن يحترموا حقنا في جذب الاستثمارات الجيدة الناجحة، التي تعزز النمو الاقتصادي، وتعيد الناس إلى العمل».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)