في حي إيزار في مدينة ميونيخ جنوب ألمانيا الساعة الآن الثانية والنصف ليلاً، درجة الحرارة 5 تحت الصفر، يبدأ عمل اللاجئ عثمان محمد نسيم في مبنى وكالة التشغيل الألمانية في شارع كابوتسين في ميونيخ، حيث ينقل كل من عثمان ولاجئين آخرين حزمًا من الصحف من إحدى السيارات إلى مقطورة صغيرة ملحقة بدراجاتهم.
بدأت صحيفة «زود دويتشه تسايتونج» العام الماضي مثلها مثل صحف ألمانية أخرى تشغيل لاجئين كموزعين للصحف، «حيث جاء إلينا بعض اللاجئين الخريف الماضي وسألوا عن عمل»، حسبما أوضح يوهان ترامبوش، مسؤول خدمة التوزيع الخاصة بالصحيفة «ثم تناقل اللاجئون الخبر فيما بينهم وجاء إلينا المزيد من اللاجئين تباعًا، لدرجة أنه كانت لدينا في بعض الأوقات قائمة انتظار من اللاجئين الذين يريدون عملا».
أصبح لدى دار نشر «زود دويتشه تسايتونج» الآن 54 لاجئًا يعملون في التوزيع معظمهم من أفغانستان وباكستان.
عثمان أحد هؤلاء اللاجئين. كان عثمان يعمل في وطنه باكستان في مصنع يمتلكه أبوه: «حيث كنا ننتج أطباقًا جميلة جدًا وكان لدينا منزل كبير، كبير مثل هذا المنزل»، مشيرا في ذلك إلى مبنى وكالة التشغيل. يحب عثمان البالغ من العمر 27 عامًا العمل في حي إيزار بمدينة ميونيخ حتى وإن كان الأمر شاقًا بالنسبة له: «فهنا الكثير من المباني القديمة، وغالبًا لا يكون هناك مصعد كهربائي، وأضطر لصعود السلم حتى الطابق العاشر من أجل توزيع الصحيفة. هناك أربع جولات تنتظر عثمان أثناء عمله هذه الليلة التي سيوزع فيها أكثر من 300 صحيفة وضعها في مقطورته الصغيرة».
يعرف عثمان سوق الصحف الألمانية حق المعرفة: «حيث أوزع صحيفة زود دويتشه تسايتونج»، وصحيفة «مونشنر ميركور»، وصحيفة «بيلد»، وصحيفة «أبند تسايتونج»، المسائية، وصحيفة «تاتس»، وصحيفة «دي فيلت»، وصحيفة «هاندلزبلات»، حسبما قال
في لهجة ألمانية مكسرة.
تتولى خدمة توزيع الصحف في منطقة ميونيخ توزيع جميع الصحف الشائعة. لا يجد عثمان وقتًا لقراءة الصحف أثناء العمل، حيث يجب عليه أن ينتهي من التوزيع حتى الساعة السادسة والنصف كأقصى تقدير.
انطلق عثمان بدراجته ومقطورتها مرتديًا شالاً اشتراه قبل بضعة أسابيع. يقول عثمان إن الكثير من طالبي اللجوء في ألمانيا لديهم مثله مشكلة مع درجات الحرارة المنخفضة في الشتاء، «فالأفارقة على سبيل المثال يعانون كثيرًا من هذا البرد ولا يستطيعون العمل أثناء درجات الحرارة تحت الصفر».
أما عثمان فيعرق بعد نصف ساعة من بدء العمل، حيث يهرول من منزل لآخر. أصبح يعرف عن ظهر قلب أي صحيفة يجب وضعها في أي صندوق بريد، ومَن من القراء لا يريد سوى العدد الأسبوعي للصحيفة. لم يعد عثمان بحاجة لمذكرته التي سجل بها عناوين المشتركين في الصحف، حيث يتنقل بين بيوت الحي ست ليال في الأسبوع، من الاثنين وحتى السبت. ويحصل على نحو 800 يورو في الشهر مقابل هذا العمل، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
يتم دمج اللاجئين في سوق العمل الألمانية بخطى متثاقلة حتى الآن، حيث أفاد معهد سوق العمل وأبحاثه في تقريره السنوي منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي بأن بضع عشرات الآلاف من مئات الآلاف من اللاجئين من سوريا والعراق ودول أخرى هم الذين وجدوا عملاً.
كيّفت خدمة صحيفة «زود دويتشه تسايتونج» لتوزيع الصحف نفسها منذ خريف عام 2015 مع عامليها الجدد: «فلم نكن نعرف في البداية ما الذي تجب مراعاته عند التعاون مع اللاجئين، وما هي الوثائق المطلوبة عند تشغيلهم وما هو تصريح العمل المطلوب منهم لمزاولة العمل... كل هذه الأشياء كانت جديدة بالنسبة لنا»، حسبما أوضح ترامبوش الذي أشار إلى أن المهم بالنسبة له هو أن اللاجئين يستطيعون التفاهم بالألمانية أو الإنجليزية، «ولا بد أن يكون لديهم بالطبع سكن في منطقة ميونيخ وأجوارها... حيث إذا ما تقدم لاجئ من مأوى جماعي في برلين للعمل في الخدمة، سيكون السفر اليومي بالطبع صعبًا».
يسكن عثمان في مسكن جماعي في مدينة إيردينغ على بعد نحو 36 كيلومترًا شمال شرقي مدينة ميونيخ جنوب ألمانيا.
يبدأ عثمان طريق العودة لمدينته بعد الساعة السادسة صباحًا بقليل، ثم ينام ليستيقظ ظهرًا من أجل الذهاب لتعلم الألمانية ضمن إحدى الدورات التعليمية. الكلمة الألمانية المفضلة لدى عثمان هي «صحيفة» حسبما قال، مضيفًا: «أريد قريبًا أن أقرأ الصحيفة التي أوزعها وبالتحديد بنفسي».
عثمان لاجئ بألمانيا يحكي قصة عمله في توزيع الصحف
يتنقل بين بيوت الحي ست ليالٍ في الأسبوع لتوصيلها
عثمان لاجئ بألمانيا يحكي قصة عمله في توزيع الصحف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة