سوريا: التدخل الروسي و«الفراغ الأميركي» قلبا موازين القوى

الأنظار على عهد ترامب وخبراء يرجحون تكريس التقسيم انطلاقًا من «سوريا المفيدة»

التدخل العسكري الروسي كان له تأثير على مجرى الأحداث في سوريا، خصوصا مع الدعم الكبير لعمليات الطيران على مناطق المعارضة. وفي الصورة أربعة من طاقم طائرة حربية مخصصة لرمي القنابل عام 2016.
التدخل العسكري الروسي كان له تأثير على مجرى الأحداث في سوريا، خصوصا مع الدعم الكبير لعمليات الطيران على مناطق المعارضة. وفي الصورة أربعة من طاقم طائرة حربية مخصصة لرمي القنابل عام 2016.
TT

سوريا: التدخل الروسي و«الفراغ الأميركي» قلبا موازين القوى

التدخل العسكري الروسي كان له تأثير على مجرى الأحداث في سوريا، خصوصا مع الدعم الكبير لعمليات الطيران على مناطق المعارضة. وفي الصورة أربعة من طاقم طائرة حربية مخصصة لرمي القنابل عام 2016.
التدخل العسكري الروسي كان له تأثير على مجرى الأحداث في سوريا، خصوصا مع الدعم الكبير لعمليات الطيران على مناطق المعارضة. وفي الصورة أربعة من طاقم طائرة حربية مخصصة لرمي القنابل عام 2016.

شكّل عام 2016 «منعطفا سلبيا» في الأزمة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري. وكان للتدخل الروسي الدور الأكبر في قلب موازين القوى على الأرض، ومن ثم تعطيل المفاوضات. وفي حين تتوجّه الأنظار اليوم إلى العهد الأميركي المقبل والسياسة الخارجية للرئيس الجديد الجمهوري دونالد ترامب، يرى الخبراء أن أحداث العام السادس للأزمة رسمت لسوريا مستقبلاً بدأت معالمه تتوضح عبر تكريس «التقسيم» انطلاقا من «سوريا المفيدة».
وهو ما عمل من أجله رئيس النظام بشار الأسد بدعم مباشر من روسيا وإيران، من خلال سياسة التهجير القسري في عدد من مناطق ريف دمشق وأخيرا في حلب شمالاً. في المقابل، لا تزال المعارضة السورية تعوّل على أن تأخذ الأحداث مسارًا مختلفًا لصالح الثورة الشعبية في العام المقبل، بعدما عملت على وضع استراتيجية جديدة، تبدأ برفع الغطاء السياسي والعسكري، عن «جبهة فتح الشام».
ويرى هشام مروة، النائب السابق لرئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، أنه في عام 2016، تعقّد المشهد السوري كثيرا، بحيث ظهرت بشكل واضح نتائج التدخل العسكري الروسي في نهاية عام 2015.
وفي حين يعتبر الباحث الاستراتيجي اللبناني الدكتور سامي نادر أن تقدم روسيا الذي كان على حساب القوى الداعمة للمعارضة وإيران كداعم أول للنظام السوري، أدى إلى التبدل الجذري للوضع في سوريا. وهو يعطي بالتالي مؤشرا لما قد يكون عليه مستقبل سوريا لجهة تكريس «سوريا المفيدة» أو «سايكس - بيكو مذهبي»، يعتبر مروة أن «سوريا المفيدة» هو «تجميد للأزمة في سوريا وليس حلا لها، بينما التقسيم الشامل، لن يكون في صالح الأسد، وطبعا لم ولن تقبل به المعارضة». وأوضح مروة: «التقسيم يفقد الأسد حاضنته الشعبية التي لطالما شكّل معارضته لها شعارا يرفعه أمام المؤيدين له». ومعلوم، أن الهدف من مخطط «سوريا المفيدة» إقامة منطقة علوية إلى جانب الأقليات تخضع لسيطرة النظام وتمتد من الساحل السوري شمالاً حتى حمص مرورًا بالحدود اللبنانية وجبال القلمون إلى العاصمة دمشق.
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال مروة: «التدخّل الروسي انعكس على الحل السياسي بعدما أبدى رئيس النظام بشار الأسد تعنتا أكبر وتمسكا بالحل العسكري متسلحا بحليفه القوي، بدءا من قرار مجلس الأمن رقم 2268 حول وقف إطلاق النار في فبراير (شباط) ووصولا إلى جولتي المفاوضات التي كان يناور خلالها ويترجم هروبه في لجوئه إلى الحل العسكري تحت عنوان محاربة الإرهاب في مختلف المناطق السورية، ما زاد الوضع الإنساني سوءا».
ويرى مروة أن الوضع العسكري «بقي إلى حد كبير متوازنًا حتى الشهر الأخير من العام، وتحديدا بعد انتخاب مرشّح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ومن ثم مرحلة الفراغ الرئاسي في أميركا. هذه المرحلة شكّلت فرصة استغلها حلفاء النظام، موسكو وطهران، لقلب موازين القوى عسكريا، تمهيدا للإمساك بورقة التفاوض، وذلك عبر التصعيد العسكري خاصة في حلب التي تمثّل قيمة معنوية بالنسبة له، وتعتبر العاصمة السورية الثانية، إلى أن أعادها إلى سيطرته بعد تدميرها وتهجير أهلها».
انقسامات المعارضة وخلافاتها
وبينما لا ينفي مروة أن انقسام وخلافات الفصائل العسكرية ساهمت ربّما في «الانتكاسة»، لكّنه يؤّكد أنه من الناحية السياسية، أثبتت المعارضة تماسكها، خلال عام 2016، بعدما كانت تّتهم بتشرذمها، وذلك عبر توحّدها في «الهيئة العليا للمفاوضات» التي شاركت موحّدة في «مفاوضات جنيف» وتمسّكت بمطلبها الأساسي وهو «رحيل الأسد عن السلطة»، كما تقديمها رؤية حلّ مشتركة للمرحلة الانتقالية إلى المبعوث الخاص إلى الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا.
ورغم هذا الواقع، لا يزال يأمل مروة أن تأخذ الأحداث مسارا لصالح الثورة، لا سيما في ضوء الخلافات التي بدأت تظهر بين حلفاء النظام، روسيا وإيران، وفي وقت بدأت فيه المعارضة، تعمل على إعادة ترتيب صفوفها وخطّتها، عبر وضع استراتيجية جديدة سياسية وعسكرية.
وتأتي في أولوية هذه الاستراتيجية، اعتبار «جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقًا) «منظمة إرهابية»، بعدما كانت الحجة التي يتمسك بها النظام وحلفاؤه لقصف المدنيين. وبينما يؤكد مروة أن الإعلان عن هذا الموضوع ينتظر فقط الظروف السياسية المناسبة، وسيتم في الأيام القليلة المقبلة تركيز استراتيجية «الائتلاف» التي كان قد أعلن عنها رئيسه أنس العبدة، بحسب ما يوضح مروة، على حماية المدنيين بالدرجة الأولى عبر إبقاء وجود الفصائل خارج مناطقهم خاصة في ظل الخوف من تكرار «سيناريو» حلب في إدلب، وإجراءات أخرى وصولا إلى إحياء المسار التفاوضي.
من جهته، يقول نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه خلال في عام 2016 ظهر تقدم الدور الروسي ودخول تركيا على ساحة الصراع بشكل مباشر، ما قلب موازين القوى بشكل جذري وخاصة في الشمال السوري. ويوضح: «تقدم روسيا كان على حساب القوى الداعمة للمعارضة وإيران كداعم أول للنظام السوري، أدى إلى التبدل الجذري للوضع في سوريا، وأعطي بالتالي مؤشرًا لما قد يكون عليه مستقبل سوريا، لا سيما، أن أكثر من طرف دولي بدأ يغمز من القناة الروسية، ما قد يمهّد لشراكة مقبلة بين روسيا وأميركا وفرنسا لتكريس أمر واقع على الأرض من خلال الفيدرالية التي سبق لروسيا أن طرحتها عند دخولها سوريا».
ويرى نادر أن موسكو لن تتمدد في سوريا أكثر مما حققته، قائلا: «الأسطول البحري بات في البحر المتوسط، وأسقطت حلب، وهي المعركة التي لطالما كانت توصف بالأهم. وهكذا، رسمت الخطوط العريضة لأي (حل) في سوريا بينما يبقى توضيح تفاصيل الصورة أكثر والتي ستتركز على الفيدرالية».
أما فيما يتعلق بالمفاوضات السياسية فهو لا يتوقع استئنافها قريبا قائلا: «من المبكر الكلام عن العودة إلى المباحثات، إذ إن الخطوة الأولى اليوم لا بد أن تكون وقف إطلاق النار الشامل، بحيث لم يعد بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إضافة إلى توضيح مستقبل الرقة والباب بعدما حسمت معركة حلب مستبعدا في الوقت عينه فتح معركة إدلب»، معتبرا أنها لن تكون سهلة بل مكلفة.



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.