«على حافة الزمن» فيلم وثائقي يلخص قصة «الجامعة الأميركية» في بيروت

شارك فيه 40 فردًا من أسرتها واستخدم 180 صورة من أرشيفها

ملصق فيلم «على حافة الزمن»
ملصق فيلم «على حافة الزمن»
TT

«على حافة الزمن» فيلم وثائقي يلخص قصة «الجامعة الأميركية» في بيروت

ملصق فيلم «على حافة الزمن»
ملصق فيلم «على حافة الزمن»

«على حافة الزمن» هو اسم الفيلم الوثائقي الذي يحكي قصة الجامعة الأميركية في بيروت على مدى مائة وخمسين عامًا. هذا العمل الذي أخرجه وأنتجه طوني أويري أستاذ مادة الصحافة في الجامعة شارك فيه 40 فردًا من عائلتها أجروا مقابلات حيّة مع 17 شخصية عايشوا تاريخها، فكانت لهم تجربتهم الخاصة.
ويتضمن الفيلم الذي جاء في سياق احتفالات الجامعة الأميركية في الذكرى الـ150 لتأسيسها أهم المراحل التي مرت بها أعرق الجامعات في بيروت منذ عام 1866 حتى اليوم. كما سلط الضوء على أهم الشخصيات التي تخرجت منها، إضافة إلى الدور الريادي الذي لعبته في المنطقة والتحولات التي شهدتها بفعل صمودها ضد كل الصعوبات التي عانت منها خلال فترة الحرب اللبنانية، فبقيت منارة المعرفة ومثلاً يحتذى به بين مختلف الجامعات اللبنانية والعربية.
استخدم في هذا العمل تقنية ثلاثيّة الأبعاد «بارالاكسينغ» التي تأخذ المشاهد في رحلة سمعية بصرية موثقة تحمل في طياتها كثيرًا من المواقف المؤثرة.
وأشار مخرج الفيلم طوني أويري إلى أنه وعلى الرغم من طابع التوثيق الذي يسود الفيلم منذ بدايته حتى نهايته، فإنه حاول أن يطعّمه بالفن السينمائي الانسيابي. وقال: «أردت أن آخذ المشاهد في رحلة عبر تاريخ الجامعة من منظار الأشخاص الذين ساهموا في تحويلها إلى ما هي عليه اليوم». وأضاف: «هي قصة جذابة للجميع، فأنا وكسينمائي أبحث دائمًا عن قصص فريدة من نوعها لأرويها بأسلوبي، وأعد قصة الجامعة الأميركية تحمل كل الفرادة المطلوبة».
وعن الأقسام التي تناولها الفيلم من ألفه إلى يائه، أشار المسؤول عن عملية المونتاج فيه، روي جمهوري، إلى أن الصعوبة في هذا العمل تكمن في كيفية معالجة قصة صرح ثقافي بأهمية الجامعة الأميركية واختصاره في 40 دقيقة، وهي المدة التي يستغرقها عرض الفيلم. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يستهل الفيلم بلمحة عن مرحلة تأسيس الجامعة الأميركية وعن التحولات التي شهدتها في عام 1880 إثر تبنيها نظرية تشارلز داروين عن تطور الإنسان وأصوله، مما أحدث أول أزمة حقيقية فيها، وعندما اضطر أساتذتها المتدينون يومها إلى مغادرتها كونهم يناهضون هذه النظرية، تركوا خلفهم فراغًا تعليميًا دفع بالجامعة إلى التعاقد مع أساتذة أجانب لإكمال مسيرتها. ومنذ تلك الفترة تحول المنهج الدراسي فيها من العربية إلى الإنجليزية، لأن غالبية الأساتذة الجدد كانوا أجانب ومن أميركا بالتحديد. وبعدها تكر السبحة لنتوقف عند مواقف أساسية واجهتها الجامعة على جميع الأصعدة، سياسية واقتصادية كانت أو اجتماعية وفنية وغيرها».
كما يتحدث الفيلم، الذي أطلقت عروضه في صالات سينما سيتي وسط بيروت أخيرًا، عن دخول العنصر النسائي الصفوف الدراسية في الجامعة، وذلك في عام 1920 فكانت بذلك من أوائل الجامعات في العالم التي تقوم بهذه الخطوة، مما شكّل سابقة لم تكن بعد معروفة في جامعات كبرينغستون وهارفارد. كما يمر الفيلم على اندلاع الحرب العالمية الأولى وليتوقف بعدها عند شخصيتين بارزتين من خريجيها، وهما قسنطنين زريق وشارل مالك، اللذان استطاعا أن يقدما إنجازات هامة على مستوى عالمي. فعرف الأول بمساندته للقضية الفلسطينية من خلال تناوله موضوع «النكبة» وتأثيرها على الشعب الفلسطيني فكان بمثابة المتحدث الرسمي عنها. فيما استطاع الثاني المساهمة مباشرة في تأسيس عصبة الأمم المتحدة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».