الملكة إليزابيث تغيب عن احتفالات الميلاد

«نزلة برد» تحرمها من الحضور لأول مرة منذ 30 عاما

الملكة إليزابيث الثانية أثناء إلقاء كلمتها بمناسبة أعياد الميلاد أمس (أ.ب) - أبناء الملكة إليزابيث تشارلز وزوجته كاميلا وآن وأندرو وإدوارد والأمير هاري يحضرون القداس (رويترز) - الأمير ويليام يقضي عيد الميلاد مع والدي زوجته كيت (أ.ب)
الملكة إليزابيث الثانية أثناء إلقاء كلمتها بمناسبة أعياد الميلاد أمس (أ.ب) - أبناء الملكة إليزابيث تشارلز وزوجته كاميلا وآن وأندرو وإدوارد والأمير هاري يحضرون القداس (رويترز) - الأمير ويليام يقضي عيد الميلاد مع والدي زوجته كيت (أ.ب)
TT

الملكة إليزابيث تغيب عن احتفالات الميلاد

الملكة إليزابيث الثانية أثناء إلقاء كلمتها بمناسبة أعياد الميلاد أمس (أ.ب) - أبناء الملكة إليزابيث تشارلز وزوجته كاميلا وآن وأندرو وإدوارد والأمير هاري يحضرون القداس (رويترز) - الأمير ويليام يقضي عيد الميلاد مع والدي زوجته كيت (أ.ب)
الملكة إليزابيث الثانية أثناء إلقاء كلمتها بمناسبة أعياد الميلاد أمس (أ.ب) - أبناء الملكة إليزابيث تشارلز وزوجته كاميلا وآن وأندرو وإدوارد والأمير هاري يحضرون القداس (رويترز) - الأمير ويليام يقضي عيد الميلاد مع والدي زوجته كيت (أ.ب)

بسبب إصابتها بنزلة برد شديدة لم تحضر الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا لأول مرة قداسًا تقليديًا بمناسبة عيد الميلاد منذ نحو ثلاثين عامًا.
وتعاني إليزابيث (90 عاما)، أحد أطول ملوك العالم جلوسًا على العرش - وزوجها الأمير فيليب (95 عامًا)، مما وصفه القصر بنزلات برد شديدة، وهو ما تسبب في تأجيل سفرهما يومًا واحدًا إلى مقر إقامتهما الريفي في ساندرنغهام بشرق إنجلترا، حسب «رويترز».
وسافرا بدلا من ذلك بهليكوبتر يوم الخميس. وتحضر إليزابيث قداس عيد الميلاد سنويًا في كنيسة مريم المجدلية في ساندرنغهام منذ عام 1988.
وقبل ذلك كانت الأسرة تقضي عيد الميلاد في وندسور، حيث كانت الملكة تحضر القداس منذ منتصف الستينات. ولم يتضح متى كانت آخر مرة تخلفت فيها إليزابيث عن حضور قداس عيد الميلاد إن كان ذلك قد حدث من قبل.
وقال مصور من «رويترز» إن الأمير فيليب توجه بسيارة إلى الكنيسة في ساندرنغهام اليوم وترجل منها دون مساعدة فيما سار الأمير تشارلز ولي العهد إلى الكنيسة بصحبة زوجته كاميلا وأفراد آخرين من العائلة.
وقال متحدث باسم القصر الملكي: «ما زالت الملكة تتعافى من نزلة برد شديدة وستظل في مقر الإقامة للمساعدة في شفائها». وأضاف: «ستشارك الملكة العائلة الملكية في احتفالات عيد الميلاد خلال يوم أمس». وحضر القداس أبناء الملكة إليزابيث الآخرون آن وأندرو وإدوارد وكذلك الأمير هاري الابن الثاني لتشارلز أما الأمير ويليام فيقضي عيد الميلاد مع والدي زوجته كيت.
وبعد أكثر من ستة عقود على العرش قلصت الملكة رحلاتها الخارجية لكنها ما زالت تمارس مهامها الرسمية في أنحاء بريطانيا على الرغم من أنها أعلنت الثلاثاء الماضي أنها ستخفض هذه الزيارات.
وفي حين توفي والد إليزابيث الملك جورج السادس في سن السادسة والخمسين عاشت والدتها المعروفة بالملكة الأم حتى بلغت 101 عام وظلت تظهر علنا حتى وفاتها تقريبا في عام 2002. وساعدت الصحة الجيدة للملكة والأمير فيليب على استمرار ظهورهما علنًا رغم أعمارهما.
وحافظت إليزابيث على شعبية العرش رغم أعوام من التغير السياسي والاجتماعي والثقافي منذ أن أصبحت الملكة إليزابيث الثانية في السادس من فبراير (شباط) عام 1952 عندما كانت في الخامسة والعشرين من العمر. وقالت صحيفة الـ«تايمز» يوم الأربعاء إن الأمير فيليب قام بنشاطات عامة في العام الماضي أكثر مما فعل حفيداه ويليام وهاري وكيت زوجة ويليام مجتمعين.
وتشارك الملكة في مئات المناسبات سنويًا، وهي نادرًا ما تلغي التزاماتها لدواع صحية. لكنها ستخفف بعضًا من هذه الالتزامات متخلية عن رعاية 25 منظمة وجمعية خيرية (من أصل 600) وإيكال المهمة لأعضاء آخرين في العائلة الملكية في نهاية هذا العام.وفي سنة 2014، أجرت الملكة إليزابيث الثانية 393 زيارة رسمية و341 في عام 2015 وفق وسائل الإعلام البريطانية.
وتوجه الملكة في الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام رسالة إلى بريطانيا ودول الكومنولث، وذلك منذ توليها العرش في عام 1952، في خطاب يبثه التلفزيون منذ عام 1957، مواصلة بذلك تقليدًا أرساه جدها الملك جورج الخامس في عام 1932 مخاطبًا رعاياه عبر الإذاعة.
وفي رسالتها السنوية بمناسبة أعياد الميلاد، ركزت الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا على ما وصفته بقيمة فعل الأعمال الصغيرة بحب كبير، وذلك في رسالتها السنوية بمناسبة أعياد الميلاد، مشيرة إلى أمثلة ملهمة «لأشخاص عاديين يقومون بأعمال غير عادية».
وقالت الملكة: «من المفهوم أننا في بعض الأحيان نتصور أن مشاكل العالم أكبر من أن نفعل شيئًا لحلها». وأضافت: «بمفردنا لا يمكننا إنهاء الحروب أو القضاء على الظلم، لكن الأثر الجمعي للآلاف من أعمال الخير الصغيرة قد يكون أكبر من تصورنا».
وأشارت الملكة، وهي رئيسة كنيسة إنجلترا، إلى حياة المسيح، قائلة إنه رغم بداياته المتواضعة وما تعرض له من إهانات في حياته، فإن مليارات البشر يعتمدون الآن على تعاليمه ويستلهمون أعماله.
وحيت الملكة الرياضيين البريطانيين الذين شاركوا في دورة الألعاب الأولمبية في البرازيل وطاقم قاعدة الإسعاف الجوي في كمبردج التي يعمل بها حفيدها الأمير ويليام قائدًا لطائرة هليكوبتر.
وكانت الملكة إليزابيث تبلغ من العمر 25 عامًا عندما تولت العرش عام 1952 بعد أن علمت بوفاة والدها الملك جورج السادس أثناء وجودها في كينيا. وبعد ستة عقود عرضت المراحل الأولى من حياتها في مسلسل تلفزيوني هذا العام بعنوان «ذا كراون».
ويرجع تقليد توجيه رسالة ملكية في أعياد الميلاد إلى عهد الملك جورج الخامس في عام 1932 وعادة ما تكون مسجلة مسبقًا في مقر إقامة الملك بقصر باكنغهام في لندن.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)