داعش يهاجم قرى علوية بريف حمص الشرقي مفتتحًا معركة جديدة في البادية لإرباك النظام

بثينة شعبان تتحدر من إحداها

داعش يهاجم قرى علوية بريف حمص الشرقي مفتتحًا معركة جديدة في البادية لإرباك النظام
TT

داعش يهاجم قرى علوية بريف حمص الشرقي مفتتحًا معركة جديدة في البادية لإرباك النظام

داعش يهاجم قرى علوية بريف حمص الشرقي مفتتحًا معركة جديدة في البادية لإرباك النظام

وسّع تنظيم داعش الإرهابي المتطرف نطاق عملياته في البادية السورية، مستهدفًا مجموعة من القرى العلوية التي تشكل «خط الدفاع الأول» عن تلك القرى بريف محافظة حمص الشرقي، محاولا إرباك قوات النظام التي تحاول التصدي للتنظيم في منطقة تدمر، وغرب مطار «التي فور» العسكري في المنطقة.
التنظيم شن هجمات على قرى علوية محاذية للبادية، انطلاقًا من مواقع تمركزه في ريف محافظة حماه الشرقي قرب مدينة سلمية - ذات الغالبية الإسماعيلية -وتحديدًا من منطقة جروح القريبة من عقيربات معقل التنظيم في ريف حماه الشرقي. واستهدفت هجمات «داعش» محاور مكسر الحصان وجب الجراح وخطاب والمسعودية في البادية الشرقية لحمص، علما بأنه لم يصل إلى جب الجراح التي تعتبر مركز ناحية وتضم 21 قرية يسكنها العلويون، بحسب ما قال مالك الخولي، مدير «المكتب الإعلامي في تجمع ثوار سوريا» في حمص لـ«الشرق الأوسط».
وتابع خولي «استطاع التنظيم السيطرة على قريتي خطاب والمزار وبعض حواجز النظام في محيط بلدة الجراح»، مشيرًا إلى أن التنظيم «وسع المعركة إلى هذه المنطقة للمرة الأولى في تاريخه»، بعدما كان يطلق عملياته في محيط تدمر، انطلاقًا من دير الزور ومناطق البادية الشرقية الغنية بآبار النفط والغاز.
وراهنًا التنظيم يسيطر على مجموعة من المناطق الصحراوية في البادية السورية تربط أرياف محافظات الرقة وحماه وحمص ودير الزور. وتتموضع منطقة جب الجراح على أطراف البادية الشرقية لمحافظة حمص، وقريبة من منطقة سلمية أكثر من منطقة تدمر أو حمص. وشرح خولي أن هذه المناطق «من السهل على التنظيم مهاجمتها والانسحاب بسرعة منها»، لافتًا إلى أن التنظيم «لا يستطيع الثبات فيها، بالنظر إلى أنها مكشوفة، وتعتبر حاضنة شعبية للنظام ويصعب اختراقها، فضلاً عن أنها مناطق ينتشر فيها مسلحون تابعون للنظام».
وحسب خولي، تتشكل المنطقة من مجموعة من القرى الصغيرة، ومركز ناحية، ويسكنها بضعة آلاف من العلويين وخط الدفاع الأول عن القرى العلوية في ريف حمص الشرقي. وبينما لم يخرقها التنظيم في وقت سابق، إلا أن تنظيم «جبهة النصرة» كان قد اخترقها في العام 2013. وارتكب مجزرة في منطقة مكسر الحصان، أسفرت عن مقتل العشرات. وللعلم، تتحدر المستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري بثينة شعبان، من قرية المسعودية، إحدى تلك القرى في ريف حمص الشرقي.
على صعيد آخر، تحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بدوره عن معارك عنيفة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف، وتنظيم داعش من طرف آخر في محاور مكسر الحصان وجب الجراح وخطاب والمسعودية، إثر هجوم عنيف نفذه التنظيم على هذه المناطق والقرى. وأشار إلى أن المعارك العنيفة ترافقت مع قصف مكثف بين الجانبين، وسط مخاوف من تنفيذ التنظيم لإعدامات بحق مواطنين من أبناء هذه القرى، لإرسال رسالة للنظام وللمجتمع الدولي بأنه لا يزال موجودًا وقويًا ويمكنه تنفيذ هجوم على أي منطقة يريدها وأن يتقدم فيها ويسيطر.
من جانبها، تحدثت وسائل إعلام مقربة من النظام عن تراجع وتيرة الاشتباكات في محاور جب الجراح وأبو العلايا والمسعودية ومكسر الحصان، مشيرة إلى «استمرار الاستهدافات البعيدة المدى والتي ينفذها عناصر جيش النظام بمؤازرة الدفاع الوطني لمواقع تنظيم داعش». كما تحدثت عن استعادة السيطرة على مواقع خسرتها إثر هجوم «داعش». ولقد تزامنت المعركة مع معارك أخرى اندلعت غرب مطار «التي فور»، وهو أكبر المطارات العسكرية التابعة للنظام في ريف حمص الشرقي قرب تدمر. وفي غضون ذلك، قال ناشطون إن طائرات النظام الحربية شنت أمس غارات على بلدات في المنطقة، ما أسفر عن سقوط ضحايا وجرحى مدنيين، كما شنت عناصر من «داعش» هجوما على محيط المطار حيث دارت اشتباكات بين التنظيم وقوات النظام. وقال ناشطون ميدانيون، إن 12 مدنيًا بينهم نساء وأطفال قضوا وأصيب أكثر من عشرين آخرين، إثر القصف الجوي الذي طال قرى غوزيلة وغنيمان والهبا. وأضاف الناشطون أن الجرحى تم نقلهم إلى عدة مستشفيات ونقاط طبية في مدينة الرقة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.