رحيل ميشيل مورغان صاحبة أجمل عينين عرفتهما الشاشة الفرنسية

شكّلت ثنائيًا تاريخيًا مع العملاق جان غابان

الممثلة التي بنت شهرتها على نظرة
الممثلة التي بنت شهرتها على نظرة
TT

رحيل ميشيل مورغان صاحبة أجمل عينين عرفتهما الشاشة الفرنسية

الممثلة التي بنت شهرتها على نظرة
الممثلة التي بنت شهرتها على نظرة

منذ إعلان خبر وفاتها، مساء أول من أمس، لم تتوقف قنوات التلفزيون الفرنسية عن تكرار بث ذلك المشهد الشهير من فيلم «رصيف الضباب»، حين ترفع عينيها الزرقاوين الصافيتين إلى زميلها الممثل جان غابان فيقول لها: «إن لك عينين جميلتين... هل تعرفين»؟ وترد عليه: «عانقني». ثم تعترف، فيما بعد، أنها فوجئت لأنه عانقها بشكل حقيقي ولم تكن مجرد قبلة سينمائية في الفيلم الذي أخرجه مارسيل كارنيه عام 1938.
إنها ميشيل مورغان، الممثلة التي كانت من أعمدة السينما الفرنسية في القرن الماضي، وصاحبة لقب أجمل عينين على الشاشة، وهي قد أغمضتهما للمرة الأخيرة، صباح الثلاثاء الماضي، ورحلت عن 96 عامًا، حسبما أعلنت أسرتها. وحال إذاعة الخبر، انهمرت عبارات النعي وشهادات الذكريات من شخصيات ثقافية ومن ممثلين وممثلات كانت عميدتهم وسفيرتهم والنموذج الذي يضرب به المثل في الذوق الباريسي الرفيع. وقال المخرج كلود لولوش، الذي منحها واحدًا من أواخر أدوارها على الشاشة إنه كان يحلم بالعمل مع ميشيل مورغان وقد تحققت أمنيته في فيلم «القطة والفأر».
في عام 1946، كانت مورغان، واسمها الأصلي سيمون روسيل، أول ممثلة تنال سعفة مهرجان «كان» الذهبية كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم «سيمفونية الرعاة» للمخرج جان دولانوي والمأخوذ عن رواية للأديب أندريه جيد. وفيما بعد، اختارها الجمهور الفرنسي، لعشر سنوات متتالية، لتحوز لقب أكثر الممثلات شعبية. ووصفها النقاد بأنها الفنانة التي بنت كل مهنتها على نظرة من عينيها. ورغم أن العيون الزرقاء والواسعة كثيرة في السينما الأوروبية، فإن ميشيل مورغان تمتعت بذلك الصفاء الذي يجعل من نظرتها بحيرة بلا قرار. ولهذا، فإنها عندما نشرت مذكراتها، عام 1977، اختار الناشر «لافون» لها عنوان: «بهاتين العينين...».
في كل مقابلاتها، كانت تقول إن حبها للممثلة السويدية الأصل غريتا غاربو هو الذي دفعها لأن تعمل في السينما لكي تصبح مثلها. وهكذا هربت وهي في الرابعة عشرة، من بيت عائلتها غرب فرنسا وقصدت باريس لتقيم في منزل جدتها وتتابع دروسًا على يد الفنان المعروف، آنذاك، رينيه سيمون. وقد أتيح لها الظهور في أدوار بسيطة، في الثلاثينات، واختارت لقب مورغان على أمل أن يكون مقبولاً في هوليوود. وبفضل جمالها وملامحها المتناسقة، تتابعت أدوارها، بعد ذلك، وقدمت أنواعا مختلفة من الشخصيات التي تراوحت ما بين الطيبة والإجرام. لكنها ظلت محتفظة بتلك الكبرياء الباردة التي لازمتها طيلة مسيرتها.
حصلت النجمة الكبيرة على كثير من الأوسمة والتكريمات. وعاشت حياة عاطفية قليلة الصخب. وبعد نجاح «رصيف الضباب» شكلت ثنائيًا شهيرًا مع زميلها جان غابان الذي ارتبطت معه بقصة حب لم تستمر طويلاً، إذ نشبت الحرب العالمية الثانية وتطوّع غابان للقتال في صفوف «قوات فرنسا الحرة». أما مورغان فسافرت عام 1942 إلى الولايات المتحدة الأميركية لكي تتزوج بالممثل والمخرج وليام مارشال وتنجب منه ولدها الوحيد مايك. وبعد طلاقهما ربطتها صداقة حميمة مع الممثل هنري فيدال الذي مثلت معه عدة أفلام، وبعد وفاته ارتبطت بالمخرج جيرار أوري الذي شاركته حياته لعدة عقود حتى رحيله.
بعد تقاعدها، تفرغت ميشيل مورغان للرسم وقالت إنها تتمنى لو يذكرها الناس، بعد وفاتها، بأنها كانت رسامة. وبانطفاء صاحبة السبعين فيلمًا، يغيب واحد من آخر الوجوه التي صنعت مجد السينما الفرنسية في زمن عزها. وبحسب أسرتها فإن جثمانها سيوارى الثرى، غدًا، في مقبرة «مونبارناس».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».