فنانة سويسرية تطل بلوحاتها المصرية في معرض استيعادي

33 لوحة تجسد حياة الريف والصحاري بحس تعبيري

لوحات مارغو فيون تمثل توثيقًا للحياة المصرية في القرن العشرين - مارغو فيون عاصرت التشكيلي المصري الكبير راغب عياد  - تنبض اللوحات بإيقاع الحياة المصرية
لوحات مارغو فيون تمثل توثيقًا للحياة المصرية في القرن العشرين - مارغو فيون عاصرت التشكيلي المصري الكبير راغب عياد - تنبض اللوحات بإيقاع الحياة المصرية
TT

فنانة سويسرية تطل بلوحاتها المصرية في معرض استيعادي

لوحات مارغو فيون تمثل توثيقًا للحياة المصرية في القرن العشرين - مارغو فيون عاصرت التشكيلي المصري الكبير راغب عياد  - تنبض اللوحات بإيقاع الحياة المصرية
لوحات مارغو فيون تمثل توثيقًا للحياة المصرية في القرن العشرين - مارغو فيون عاصرت التشكيلي المصري الكبير راغب عياد - تنبض اللوحات بإيقاع الحياة المصرية

لوحات تنبض بإيقاع الحياة في بر مصر خلال القرن العشرين، تجسد الحياة الريفية والصحاري المصرية وحياة أهل النوبة بحس تعبيري يمزج أسلوب المدرسة التشخيصية بالسريالية... إنها لوحات الفنانة المصرية السويسرية الراحلة مارغو فيون (1907 - 2003)، التي يحتضنها معرض استيعادي بالنادي السويسري بالقاهرة.
يضم المعرض 33 لوحة للفنانة تمثل مراحل رحلتها الفنية التي تنقلت فيها بين أقطار وبلدان شرقية وغربية متنوعة، وعبرت بريشتها عن كثير من مظاهرها الثقافية والطبيعية التي تفاعلت معها واستطاعت أن تقدم مصر برؤية فنية خاصة، وصلت من خلالها إلى العالمية، وتتنافس لوحاتها في المزادات الفنية في شتى الدول.
ولدت الفنانة مارغو فيون في مصر، وتعتبر من رموز الفن التشكيلي في القرن العشرين. وللأسف لا يعرفها كثير من المصريين، رغم وجود مذكراتها ولوحاتها ومخطوطاتها في متحف دائم بالجامعة الأميركية في القاهرة.
وكان لها مرسم شهير في ضاحية المعادي، كان قبلة لجيل من الفنانين التشكيليين، من بينهم الفنانة الشهيرة إنجي أفلاطون التي تعلمت أصول الرسم الأكاديمي في أحضان ذلك المرسم.
وكانت لفيون نشاطات متنوعة وإسهامات في إثراء الحركة التشكيلية المصرية، فقد شاركت مع الفنانين المصريين محمد ناجي ومحمد لبيب ونحميا سعد في إعداد لوحات الكتاب السياحي التذكاري «مصر أرض الرحالة» الذي صدر بمناسبة معرض باريس الدولي 1937.
تعلمت فيون في المدارس المصرية، وسافرت إلى باريس في مقتبل شبابها تقريبا في أوائل العشرينات من عمرها لمدة ثلاثة أعوام، صقلت فيها موهبتها في الرسم ثم عادت إلى مصر مجددًا، لتكمل مشوارها الفني، حيث تتلمذت على يد الفنان الكبير راغب عياد في بداية حياتها‏، وصورت الحياة المصرية وعايشتها‏، فصورت الفلاحين في الحقول والعمال والموالد الشعبية بما فيها من صور تضج بالحياة والمرح، وفي المقابل ملامح الفلاحين المكافحين التي يعلوها الأسى والإجهاد والحزن‏، كما كانت إحدى أهم فنانات العصر، ‏ حيث عرضت أعمالها في إنجلترا وفرنسا وسويسرا.
يذكر أن للفنانة دورا مهما في تخليد المعالم الأثرية التي كانت موجودة في منطقة النوبة خلال رحلتها التي قامت بها إلى منطقة في مصر وشمال السودان، برفقة مصور محترف قبل الانتهاء من بناء سد أسوان، وقد تم عرض هذه الصور والوثائق في لندن عام 1994. وقد كان للصحاري المصرية بأبعادها الرمزية والطبيعية تأثير مهم ظهر في أعمالها وأثراها بالأشكال والألوان الساحرة.
وعن أهمية المعرض، قال محمود أبو العينين، منظم المعرض: «تعتبر الفنانة مارغو فيون من رواد الحركة التشكيلية المصرية والعالمية، ولحسن حظي أنني أقتني أكثر من مائة لوحة لها تجسد مراحل مختلفة من مسيرتها الفنية، وتوضح براعتها في تصوير مصر بشكل مميز عن باقي الفنانين من جيلها، وكانت لها مكانة خاصة في المجتمع المصري فقد كانت صديقة مقربة من الملك فاروق والزعيم الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل أنور السادات والسيدة جيهان السادات».
ويستطيع المتلقي أن يرصد ولع مارغو فيون بمصر وباستخدامها الألوان الرملية التي تعكس ارتباطها بمصر، كما لو كانت تنتمي إلى الطبقات الكادحة من الفلاحين وأهل الصعيد. ويشير أبو العينين إلى إحدى اللوحات قائلا: «تأثرت مارغو فيون بكل ما حولها، وكانت تخرج في رحلات في شتى ربوع مصر من مدن الدلتا وحتى النوبة والفيوم، وتقوم برسم مشاهدتها، سواء ما يتعلق بالطبيعة أو بوجوه المصريين أو طقوسهم في المأكل والمشرب، فهنا لوحة تمثل حصاد القطن، وأخرى لحارس عقار وأخرى لسيدة مصرية ترتدي الزي الفلاحي، وأخرى لمائدة عامرة تجسد عبر أطباق المأكولات بساطة وجمال المائدة المصرية». ولا يعتبر أبو العينين ذلك المعرض مغامرة في ظل ركود سوق الفن التشكيلي في مصر، قائلا: «هذا المعرض يعتبر حدثا كبيرا في حد ذاته ويختلف، كونها فنانة لها ثقل عالمي، وتباع لوحاتها في كل أرجاء العالم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».