الجزائر تبحث العودة إلى الاستدانة الخارجية

القرار فرضته أزمة حادة في الموارد المالية

الجزائر تبحث العودة إلى الاستدانة الخارجية
TT

الجزائر تبحث العودة إلى الاستدانة الخارجية

الجزائر تبحث العودة إلى الاستدانة الخارجية

أعلن وزير الدولة الجزائري أحمد أويحيى، تراجع السلطات عن قرار عدم الاستدانة من الهيئات المالية الدولية، لمواجهة العجز الخطير الذي تعاني منه موازنة البلاد، بسبب تراجع مداخيل بيع النفط. ويترقب الجزائريون ظروفا اقتصادية صعبة العام المقبل، بسبب خطة التقشف التي بدأت الحكومة بتنفيذها.
وقال أويحيى أمس بالعاصمة في اجتماع لكوادر الحزب الذي يقوده، «التجمع الوطني الديمقراطي»، إن «رفض اللجوء إلى الدين الخارجي لا يزال قائمًا في الوقت الحالي، ولكن قد نضطر إلى مراجعة هذا الخيار في الأيام المقبلة. قد نضطر إلى اختيار استثناءات في بعض الأحيان». وفهم أعضاء «المجلس الوطني» لـ«التجمع»، تصريح أويحيى على أنه قرار من أعلى السلطات بالعودة إلى الدين الخارجي، الذي يعد شبحًا بالنسبة لعالم الشغل في البلاد، يعيد إلى الأذهان أزمة تسريح آلاف العمال مطلع تسعينات القرن الماضي، على إثر شروط فرضها «صندوق النقد الدولي» على الجزائر، نظير اقتراضها مليارات الدولارات في ذلك الوقت. وتم حل مئات الشركات الحكومية تنفيذا لهذه الشروط.
وذكر أويحيى: «لدينا تجربة مريرة مع المؤسسات المصرفية الدولية في مجال الاقتراض، واللجوء إليها من جديد يعيدنا سنوات إلى الوراء». وترك أويحيى، وهو أيضًا مدير الديوان بالرئاسة، انطباعًا قويًا بأن الحكومة لا تجد حلاً آخر للأزمة المالية الخانقة، غير الدين الخارجي الذي تخلصت منه نهائيًا عام 2005، عندما سددت مبكرًا ما عليها تجاه «صندوق النقد الدولي». وأويحيى كان دائمًا معارضًا لهذا الخيار، لكن يبدو أن العودة إليه قرار اتخذه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شخصيًا. يشار إلى أن أويحيى ترأس الحكومة لسنوات طويلة، واشتهر بما يعرف «حادثة اقتطاع الحكومة من أجور العمال» عام 1997، بسبب اشتداد الأزمة المالية. وحزبه «التجمع» يدعم بقوة سياسات الرئيس بوتفليقة.
ودافع أويحيى في الاجتماع، بشدة، على «حق الدولة في حماية اقتصادها»، في إشارة إلى إجراءات بدأت الحكومة بتنفيذها منها الحد من استيراد السيارات، وفرض رخص على استيراد عدد كبير من المنتجات والمواد الغذائية، سيتم منحها لعدد محدود من المستوردين. وصرح رئيس الوزراء عبد المالك سلال، منتصف العام الحالي، بأن الحكومة لا تتوقع ارتفاعًا في الأسعار إلا بحلول 2017. ودعا إلى «إنعاش الاقتصاد بأية طريقة، وإلا ستضطر الدولة إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي». هذا التوجه حذَر منه وزير الدولة أويحيى، عدة مرات، قائلا بأن البلاد «ستفقد سيادتها إن رمت بنفسها في أحضان المؤسسة المصرفية الدولية».
وتفيد الإحصاءات الرسمية إلى أن المداخيل من بيع النفط والغاز، انتقلت من 55 مليار دولار عام 2014 إلى أقل من 10 مليارات دولار خلال السدس الأول من عام 2016. وهو ما ترتكز عليه الحكومة في تبرير سياسة التقشف التي أطلقتها، والتي تتخوف منها الفئات الهشة التي يقل دخلها عن 400 دولار شهريا. وفيما ترى «أحزاب الموالاة» أن الدفع المبكَر للمديونية الخارجية قبل 11 سنة، «من أكبر حسنات الرئيس بوتفليقة»، ترى المعارضة أن فشله في إنهاء تبعية الاقتصاد لريع المحروقات، «دليل عجز مفضوح عن بناء اقتصاد حقيقي مبني على النمو والإنتاج». ومما زاد الطين بلَة، حسب محللين اقتصاديين، تدهور قيمة الدينار أمام الدولار واليورو. ويتفق غالبية المحللين على أن الأزمة المتولدة عن شحَ الموراد المالية، سببها سياسات اقتصادية «عرجاء» أفرزت سوء توزيع ريوع النفط على الجزائريين. فقد ضخت الدولة في آلة الاقتصاد، مئات المليارات من الدولارات منذ مجيء بوتفليقة إلى الحكم قبل 17 سنة، ومع ذلك ما زال الاقتصاد يعاني من تبعية شبه كلية لعائدات النفط والغاز. وتقول الحكومة إن الإنفاق الحكومي يتوزع على 3 برامج كبرى هي: 80 مليار دولار (2001 - 2004). و150 مليار دولار (2005 – 2009) و286 مليار دولار (2010 - 2017).



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.