«أضفني إلى المائدة»... الخرطوم تعد عشاءها من روما

وجبات بمذاق إيطالي تطبخها فتيات معاقات سودانيات

وجبة سودانية
وجبة سودانية
TT

«أضفني إلى المائدة»... الخرطوم تعد عشاءها من روما

وجبة سودانية
وجبة سودانية

أعلنت السفارة الإيطالية بالخرطوم دبلوماسية شعبية جديدة للتعامل مع المجتمع السوداني أسمتها «الدبلوماسية التضامنية»، التي أطلقتها بداية بـ«أسبوع المطبخ الإيطالي»، وتطورت لتلد مبادرة «أضفني إلى المائدة»، وتهدف إلى تدريب الفتيات من ذوات الإعاقة على صناعة أصناف جديدة من الطعام، يمتزج فيها المذاق الشهي للطعام، والتواصل الاجتماعي بين الأشخاص ذوي الإعاقة، ونظم البرنامج بالتعاون بين الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي والسفارة الإيطالية.
وأقامت السفارة الإيطالية بالخرطوم والوكالة الإيطالية للتعاون والتنمية، استمرارًا لمبادرة الدبلوماسية التضامنية الخيرية، مشروع «تعزيز وحماية حقوق الأطفال الأيتام المعاقين في الخرطوم»، ويهدف إلى تعزيز الاندماج الاجتماعي والمساواة لهؤلاء الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وتيسير حقهم في الحصول على السلع والخدمات، مع إيلاء اهتمام خاص للأطفال الأيتام المعاقين.
يذكر أن الوجبة الإيطالية الشهيرة «البيتزا» تسللت خلسة إلى موائد الطعام السودانية، بعدما كانت لا تعرفها، فيما وتسيدت رصيفتها «الباستا»، المعكرونة، ذائقة الطعام عند أهل المدن السودانية، وانتشرت محال إعدادها وبيعها. يقول عمر أحمد ابن السابعة عشرة: «البيتزا وجبة شهية، وأفضّلها على غيرها من الأطعمة متى كان ذلك متاحًا»، لكن كل ذلك حدث قبل الاهتمام الدبلوماسي بنشر ثقافة الطعام الإيطالي في السودان.
وبعد أن أنهت دورات تدريبية خلال أسبوع المطبخ الإيطالي الشهر الماضي، نظمت سفارة روما سلسلة من الدروس في مطبخ منزل السفير الإيطالي للفتيات لتعليم أساسيات الطعام الجيد، ولتجربة إعداد وصفات إيطالية تقليدية. وبنهاية البرنامج، أقام السفير وجبة عشاء بمنزله قدمت خلالها المأكولات والأطباق الإيطالية التي أعدتها الفتيات المتدربات، فلقيت ترحيبًا من ضيوف السفير من مجتمع الخرطوم وذواقة الطعام. وقال السفير: «تم إعداد الوجبات بفرح كبير من قبل الفتيات أنفسهن». وتهدف مبادرة «أضفني إلى المائدة» لتوفير أرضية مشتركة تحقق الاندماج الاجتماعي، باستخدام مذاق الطعام الشهي، وتشمل تنظيم ورش تدريبية للفتيات العاملات في الفنادق والشركات المحلية، وتمليكهن القدرة على الاستفادة من التميز الإيطالي في صناعة الطعام.
واشترك في المبادرة القطاعان العام الإيطاليين: «السفارة الإيطالية والوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي»، والخاص؛ ما أثمر جهدا متكاملاً مع محاولات مؤسسية لتطوير مسار التنمية البشرية الاجتماعية.
وحسب بيان صادر عن سفارة روما في الخرطوم، فإن السلسلة لقيت استجابة وحماسا كبيرا من قبل المؤسسات والمجتمع السوداني، باعتبارها عملاً مبدعا ومهمًا من (النظام الإيطالي)، الذي يهدف إلى رفع الوعي وتعزيز التكامل، وتحقيق الاندماج الاجتماعي لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة في السودان.
ودعا السفير الإيطالي فابريزيو لوباسو رصفاءه الدبلوماسيين من الدول الأخرى لتبني المشروع وتكرار المبادرة، وأضاف: «نأمل أن تكرر سفارات أخرى في السودان المبادرة بعد أن قمنا بتوعيتها، وتلقينا بالفعل إشارات ممتازة في هذا الاتجاه؛ فالتضامن هو بالفعل فيروس معدٍ رائع».
وكانت ولادة مبادرة «أضفني إلى المائدة» قد بدأت بمشاركة أربع فتيات من ذوات الإعاقة، تم اختيارهن من دار الأيتام للبنات في الخرطوم، في دورات نظمت بمناسبة أسبوع المطبخ الإيطالي في السودان، دربتهن خلالها الطباخة الشهير فلافيا بانتاليو قبل بضعة أسابيع.
ولا يكاد يخلو شارع من شوارع الخرطوم الشهيرة من محل لتقديم وجبة البيتزا، بل يحرضون زبائنهم على تناول، بوضع لافتات كبيرة على مداخلها تثبت أن المقدمة بيتزا إيطالية، بل إن مطاعم سمت نفسها بالاسم مثل محال «إتلي بيتزا» الشهيرة.
وعادة ما يفضل الشباب والتلاميذ في كثير أحياء الخرطوم تناول وجبة بيتزا في نهاية الأسبوع، وإن اضطروا لتوفير ثمنها من مصروفهم المدرسي، بعد أن كانوا يكتفون في أزمان سابقة بتناول وجبة الفول السوداني الشهيرة باسم (البوش) كعشاء لنهاية الأسبوع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».