سودانية تنال جائزة الإبداع والتميز الصحافي للأشخاص ذوي الإعاقة

الصحافية أماني شريف تقهر المستحيل وتقول لا إعاقة مع الإرادة

أماني شريف
أماني شريف
TT

سودانية تنال جائزة الإبداع والتميز الصحافي للأشخاص ذوي الإعاقة

أماني شريف
أماني شريف

تعد الصحافية أماني شريف مزمل واحدة من أيقونات (شارع) الصحافة السودانية، بمشيتها الهادئة، ولطف معشرها وحلو حديثها، ومهنيتها التي لا تجامل فيها، وبتخصصها الصحافي النادر الذي يحتاج لصبر طويل ودقة وتدقيق.
تحدت أماني ظروف الإعاقة وصنعت لها مكانة مرموقة في مجال الصحافة التوثيقية، مما دفع المؤسسة السودانية للأشخاص ذوي الإعاقة – ويترأس مجلس إدارتها النائب الأول السابق للرئيس علي عثمان محمد طه – لمنحها جائزة الإبداع والتميز لذوي الإعاقة الخميس الماضي، وذلك استمرارًا للاحتفال باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي تقيمه الأمم المتحدة ويوافق الثالث من ديسمبر (كانون الأول) سنويًا.
نالت الصحافية أماني بكالوريوس الاقتصاد في جامعة النيلين، وكانت خلال دراستها من المتفوقات في (اللغة العربية) وموهوبة في الكتابة والإنشاء، ما حدا بمعلمتها للتنبؤ لها بشأن عظيم. بعد التخرج عملت في عدة صحف منها: («ألوان»، «الحرة»، «الأهرام اليوم»، «حكايات»، وتعمل الآن في «اليوم التالي»).
تقول أماني إن بيت الشعر: «يا ترى ماذا أصير حين أغدو كبيرًا.. أترى أغدو زعيما، أم ترى أغدو أديبا، طبيبا، أم صحافيا شهيرًا»، كان مهمازًا شحذ عزيمتها لتكون صحافية شهيرة، وتضيف: «كنت متفوقة في اللغة العربية وكتابة الإنشاء، وكانت المعلمة تضطر لمنحي الدرجة الكاملة في الإنشاء، وهو أمر غير متعارف عليه وقتها في تصحيح امتحانات الإنشاء».
تعرضت أماني لحادث سقوط أثناء دراستها وهي في أول مراحلها التعليمية، تسبب في إعاقتها، تقول: «تعرضت لحادثة السقوط في سن مبكرة، وتعذر علاجي فجعلني معاقة، لكني قبلت إرادة المولى وابتلاءه عن رضي. واجهت إعاقتي بتحدٍ وصمود وإرادة قوية، فلم تفلح الإعاقة في دفعي للانزواء أو الانكفاء على ذاتي، فقد هزمتها ولم أسمح بهزيمتي، وبحمد الله أثبت ذاتي وكينونتي، كما أثبت أن المعاق ليس كمًا مهملاً، بل يمكنه الفعل والتفوق، وألا إعاقة مع الإرادة».
وتطل أماني ببسمتها التي لا تفارق وجهها رائحة وغادية، تجمع مادتها الأرشيفية والوثائقية بهمة ونشاط لافتين، وهو اختصاص صحافي يعجز عنه الأصحاء بدنيًا، تقول: «كتب أحد زملائي كلمة حق مناصرا مسيرتي الصحافية، أننا نخجل حين تحصل أماني على مواد صحافية نعجز نحن الرجال الأصحاء عن الإتيان بها، فنشعر بأننا المعاقون وهي المعافاة».
حصلت أماني على السجل الصحافي الذي يتيح لها احتراف العمل الصحافي، وبعدها عملت محررة بصحيفة «ألوان» المستقلة، تقول: «اتجهت للعمل الاحترافي محررة لصفحة توثيقية وأرشيفية بعنوان (أيام زمان)، وهي فكرة ألهمها لي رئيس تحرير الصحيفة حسين خوجلي لترسم فيما بعد خطواتي في الصحافة الأرشيفية، ولتنقلني بعدها لدنيا الشهرة الصحافية، ومن هناك تنقلت في عدة صحف لأستقر حاليا في صحيفة «اليوم التالي»».
وكانت المؤسسة السودانية للأشخاص ذوي الإعاقة قد أطلقت جائزة باسم الراحلين: (محجوب عبد الحفيظ، فيصل محمد مكي) للإبداع والتميز لذوي الإعاقة، وأطلقت عليها اسميهما تكريمًا لدورهما وجهودهما تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة. وتشمل الجائزة مجالات (الثقافة، الفن، الرياضة، الصحافة والإعلام).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».