رسائل سياسية مربكة حملتها «جائزة إبداع» فتاة العربة في مصر

3 لقطات جعلتها رمزًا لتبادل رسائل مشفرة بين السلطة وجمهور مواقع التواصل الاجتماعي

رسائل سياسية مربكة حملتها «جائزة إبداع» فتاة العربة في مصر
TT

رسائل سياسية مربكة حملتها «جائزة إبداع» فتاة العربة في مصر

رسائل سياسية مربكة حملتها «جائزة إبداع» فتاة العربة في مصر

دخلت الفتاة المصرية منى السيد بدر، دون أن تدري حتى، إلى المسرح السياسي في البلاد عبر البوابة الزرقاء، لموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قبل أسابيع، لكن إيقاعه اللاهث لم يطوها بسرعته المعهودة. وعبر ثلاث لقطات فوتوغرافية أصبحت منى رمزا مشفرا لرسائل متبادلة بين القيادة السياسية وجمهور «مشاغب» على مواقع التواصل الاجتماعي.
لقطة الميلاد جاءت مع انتشار سريع لصورة الفتاة الهزيلة وهي تجر متعبة عربة محملة بالبضائع في أحد شوارع مدينة الإسكندرية. وهي صورة كثفت إلى حد بعيد معاناة المهمشين في بلد يعاني صعوبات اقتصادية عميقة.
لكن الدلالات السلبية التي حملتها الصورة الأولى لمنى، أخذت منعطفا مغايرا مع استقبال رئاسي مفاجئ لصاحبة الصورة الأولى في القصر الرئاسي، الشهر الماضي، وضعها على قائمة اهتمام وسائل الإعلام المصرية.
وظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام بوابة القصر الرئاسي منحنيا قليلا وهو يودع فتاة العربة، ويفتح لها باب السيارة التي كانت تتأهب لتقلها إلى الإسكندرية عقب اللقاء الذي وضعها على الصفحات الأولى لعدد من الصحف المصرية.
تقول الدكتورة نجوى خليل، عضو المجلس القومي للمرأة في مصر لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الفتاة أصبحت نموذجا مصريا للكفاح والجلد والصبر.. لقد بدا أن هناك من يرغب في أن ينتصر لهذه الفئة من المصريين».
المبادرة الرئاسية خلصت الصورة الأولى لفتاة العربة من حمولة النقد المبطن، وبدت الرئاسة التي طالما طالبت المصريين بالصبر والعمل لتجاوز أوضاع اجتماعية واقتصادية فاقمت صعوبتها إجراءات حكومية قاسية بتحرير سعر صرف العملة المحلية ورفع جزئي لدعم عن سلع أساسية وخدمية، وقد نجحت في عكس شفرة الصورة الأولى.
وقال بيان للرئاسة صدر عقب استقبال الرئيس السيسي فتاة العربة، إن السيسي أكد خلال اللقاء أن مني بدر تعد نموذجا مشرفا لشباب مصر كافة، وقدوة عظيمة لجميع المصريين في ضوء إعلائها لقيم العمل والعطاء والصبر.
وجاءت الصورة الثالثة لفتاة العربة لتربك المشهد، حيث ظهرت منى أمس، إلى جانب الرئيس السيسي خلال افتتاح اللقاء الشهري مع الشباب، حيث تظهر هذه المرة بطلة تكرم بمنحها جائزة الإبداع السنوي للشباب.
وتقول الكاتبة والسياسية اليسارية فريدة النقاش: «إن التكريم بدا رسالة إيجابية، لكنها شكلية لأن أوضاع منى وكل المواطنين الذين يشبهونها بائسة جدا».
وتضيف أن «قيمة المثابرة والاجتهاد من القيم الإيجابية بالطبع لكن تكريم هذه المفاهيم في شخص فتاة العربة ليس حلا لأزماتها في ظل أوضاع تدفع بها وبمن هم على شاكلتها إلى المزيد من المعاناة».
وتعمل منى في نقل البضائع عبر شوارع الإسكندرية على عربة تجرها من الثامنة صباحا وحتى حلول المساء. وخلال اللقاءات التي أجريت معها عقب الاستقبال الرئاسي بدت فتاة العربة فخورة بجلدها وقدرتها على إعالة نفسها رغم صعوبة أوضاعها.
وقدمت الحكومة المصرية خطة قالت إنها المخرج الوحيد لإنقاذ اقتصاد أنهكته سنوات من الاضطرابات السياسية والعمليات الإرهابية التي أدت إلى تراجع مداخيل البلاد من العملات الأجنبية في بلد يعتمد بشكل أساسي على الاستيراد.
وبخلاف النقاش، تؤيد الدكتورة نجوى خليل، منح الفتاة جائزة الإبداع باعتبارها تكريما لأخلاقيات غابت عن الواقع المصري منذ السبعينات بحسب تقديرها، مع بدء سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اعتمدها الرئيس الراحل أنور السادات.
وتقول خليل إن «بعض المعترضين على الجائزة ينظرون إلى القضية من منظور ضيق، ويتعاملون مع مفهوم الإبداع بشكل مباشر، لكن رمزية المشهد هي ما يجب أن نلتفت إليه جميعا».
ودشن الرئيس السيسي خلال المؤتمر الأول للشباب الذي عقد مؤخرا في منتجع شرم الشيخ بجنوب سيناء جائزة للإبداع السنوي للشباب وكانت جائزة الإبداع الأولى في المؤتمر الوطني من نصيب المخرج محمد شاكر خضير عن الأعمال الدرامية، والثانية للطالبة مريم أحمد بيومي.
وكرم السيسي أيضا، الباحث في علم الصيدلة الدكتور جون مجدي، وفاطمة أحمد سعيد السوبرانو، والفنان والمخرج محمد محمود مكي، والبطل الأوليمبي إبراهيم حمدتو، قبل أن يمنح أمس فتاة العربة الجائزة بشكل استثنائي.
ويعارض القيادي الناصري أمين إسكندر منح منى جائزة الإبداع، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «التحايل على الرزق وهو أمر يجب أن نحترمه، لا يستحق جائزة الإبداع.. ما يجب أن يكرم الأفكار والتجارب التي تسمو بحياتنا لا تلك التي تدعونا لتأييد الواقع الحالي بمجرد احتماله».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.