عام 2017 في لبنان يبدأ من دون جريدة «السفير»

غياب «صوت من لا صوت لهم» بعد 42 سنة من المتاعب

جريدة «السفير» أعلنت توقفها عن الصدور بعد 42 سنة
جريدة «السفير» أعلنت توقفها عن الصدور بعد 42 سنة
TT

عام 2017 في لبنان يبدأ من دون جريدة «السفير»

جريدة «السفير» أعلنت توقفها عن الصدور بعد 42 سنة
جريدة «السفير» أعلنت توقفها عن الصدور بعد 42 سنة

ساد الوجوم الوسط الصحافي اللبناني، بعد أن أصبح خبر توقف جريدة «السفير» مؤكدًا، ويبدو أنه لا رجعة عنه، على الأقل، في المدى المنظور. وتوجهت الصحيفة بكلمة إلى قرائها جاء فيها:
«وكان لا بد أن تنتهي الرحلة في قلب الصعب، فالأزمة الخطيرة التي تهدد الصحافة في العالم أجمع، وفي الوطن العربي عمومًا، تعصف بالصحف المحلية، محدودة الموارد وضيقة السوق... وهي أزمة تمتد من أرقام التوزيع إلى الدخل الإعلاني (وهو الأساس) إلى إقفال الأسواق العربية عمومًا في وجه الصحافة اللبنانية». الخبر كان قد أبلغ به صحافيو «السفير» يوم الخميس في اجتماع دعا إليه الناشر طلال سلمان، أعلم خلاله الجميع أن سياسة تقليص أعداد المحررين لم تعد تجدي، وأن النهاية باتت محتومة.
لن تحتفظ السفير حتى بموقعها الإلكتروني، فيما ينتظر 120 موظفًا، يعملون حاليًا في الجريدة وينضمون في نهاية السنة إلى عشرات الصحافيين قبلهم الذين غادروا «السفير» وغيرها من الصحف تحت ضربات الأزمات المالية الوجودية، أن تحفظ حقوقهم، وتصلهم مستحقاتهم التي يمكن أن تخفف شيئا من أعبائهم.
وكانت «السفير» قد تعرضت لهزة أولى في شهر مارس (آذار) الماضي، أبلغ خلالها الموظفون عن الوضع المالي الصعب الذي تمر به جريدتهم، وانتهت تلك الأزمة بمغادرة أكثر من 15 موظفًا، لكن بدت الأمور تسير بصعوبة. ويقول أحد الصحافيين، الذي رفض ذكر اسمه: «كان الناشر طلال سلمان عصبيًا جدًا في السنتين الأخيرتين... وهو متعلق بالجريدة وتحديدًا بنسختها الورقية التي رعاها طوال 42 سنة وارتبط اسمه بها، وكان يتمنى أن تبقى، لكن يبدو أن الأمر دونه صعوبات».
الذين غادروا السفير في السنتين الماضيتين، يفضلون عدم التحدث بأسماء مكشوفة كي لا يبدو في الأمر تشفّ، والذين تلقوا الصدمة الأخيرة، يحاولون التزام الصمت بانتظار أن يتبين كيف ستتعامل الإدارة مع ملفاتهم. ابن الناشر طلال سلمان أحمد، لم يجب على الاتصالات المتكررة، لاستيضاحه حول القرار الذي لا يعني موظفي «السفير» وحدهم، إنما لبنان كله، الذي يرى أنه يفقد صحفه، واحدة بعد أخرى. بلغت الصحف اللبنانية عصرها الذهبي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وصلت طباعة أحد أعداد جريدة «النهار» في ذلك الوقت إلى ما يناهز مائة ألف نسخة، وقاربتها «السفير» في الرقم. كانت الصحف مع «تلفزيون لبنان» وبعض الإذاعات، هي المصدر الوحيد للأخبار. الآن تشير المعلومات إلى أن مبيع كل الصحف اللبنانية قد لا يتجاوز 10 آلاف نسخة. يبدو بحسب أحد المطلعين من داخل المؤسسة أن جريدة «السفير» لم تكن تتجاوز طباعتها في الفترة الأخيرة 4 آلاف نسخة، مع خسارة كبيرة في كل عدد لم تعد تغطيها الإعلانات التي انخفضت إلى حد كبير. دراسة أجرتها «السفير» منذ أربع سنوات، بينت أن العدد الواحد من الجريدة كلفته 4 آلاف ليرة، في حين مردوده على الجريدة نفسها لم يكن يتجاوز 650 ليرة. كل الاعتماد على الإعلانات التي لم تعد تجد في الصحف ما يغريها. يتحدث بعض الصحافيين في «السفير» عن فضيلة الناشر طلال سلمان الذي بقي يدفع رواتب موظفيه دون انقطاع، رغم الأزمة التي تعصف بأوضاع الجريدة، في وقت يرون فيه زملاءهم في الصحف الأخرى يعملون برواتب مؤجلة الدفع منذ أشهر طويلة. قالت «السفير»، أمس، في كلمتها لقرائها مسترجعة مسيرتها: «لقد اجتهدنا ما وسعنا الاجتهاد، وبذلنا من عرق التعب، وأحيانًا من الدم، فضلاً عن مطاردتنا بالتفجيرات، وصمدنا للاجتياح الإسرائيلي وللإقفال الظالم، بالقهر أو باستغلال القضاء لأغراض لا تتصل بدوره أو برسالته..». وأكملت الكلمة بالقول: «كان لا بد، في نهاية الأمر، أن نجلس إلى الزملاء في أسرة التحرير، الذين أعطوا من جهدهم وسهرهم واقتحامهم الصعاب وتأدية الرسالة المهنية بأمانة... وهكذا كان القرار بأن نكمل أيامنا الأخيرة، حتى أوائل يناير (كانون الثاني) المقبل في خدمة القارئ وستكون لنا عودة في رسالة الوداع بعد حين».
في انتظار الكلمة الوداعية التي ستخطها الجريدة لقرائها في اليوم الأخير من سنة 2016، ثمة 120 موظفًا بينهم عشرات الصحافيين، في غالبيتهم من أصحاب الخبرة والباع الطويل، منهم من لم يعرف غير «السفير» منبرًا حتى صارت بيته وأهله، سينضمون إلى زملاء لهم غادروا الصحافة إلى مهن مقاربة في دور نشر أو مراكز أبحاث، وغيرهم لا يزالون يبحثون عن فرصة. الصحف اللبنانية مهددة بالإغلاق واحدة بعد أخرى، ونعي «السفير» وغياب «صوت من لا صوت لهم» قد لا يكون سوى مقدمة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».