الإعلان عن المتوجين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة بالمغرب

الجائزة التقديرية عادت للصحافيين محمد الأشهب ومحمد أديب السلاوي

ابن كيران يتوسط الفائزين بجائزة الصحافة 2016 («الشرق الأوسط»)
ابن كيران يتوسط الفائزين بجائزة الصحافة 2016 («الشرق الأوسط»)
TT

الإعلان عن المتوجين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة بالمغرب

ابن كيران يتوسط الفائزين بجائزة الصحافة 2016 («الشرق الأوسط»)
ابن كيران يتوسط الفائزين بجائزة الصحافة 2016 («الشرق الأوسط»)

أعلنت لجنة تحكيم الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة بالمغرب في حفل نظم، مساء الأربعاء (أول من أمس) بالرباط، عن أسماء الفائزين برسم دورتها الرابعة عشرة، بحضور رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، وعدد من الوزراء وشخصيات من عالم الصحافة والفن والأدب والسياسة.
وتم خلال هذا الحفل الذي ترأسته وزيرة الاتصال (الإعلام) الناطقة الرسمية باسم الحكومة، بالنيابة، بسيمة الحقاوي، الإعلان عن أسماء الفائزين بالجائزة التقديرية، إلى جانب الفائزين في مجالات التلفزيون والإذاعة والوكالة والصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية والإنتاج الصحافي الأمازيغي والإنتاج الصحافي الحساني وكذا الصورة.
وبلغ العدد الإجمالي للترشيحات 142 ترشيحا توزعت بين 21 في مجال التلفزيون، و30 في مجال الإذاعة، و15 في الوكالة، و38 في الصحافة المكتوبة، و16 في الصحافة الرقمية، و13 في الإنتاج الصحافي الأمازيغي، إضافة إلى 8 في مجالات الصورة وترشيح واحد عن الإنتاج الصحافي الحساني.
وعادت الجائزة التقديرية لهذه الدورة إلى كل من الصحافيين محمد الأشهب ومحمد أديب السلاوي.
أما جائزة التلفزيون في مجال التحقيق الوثائقي، فنالها مناصفة كل من عادل بوخيمة من القناة الثانية عن وثائقي «سوريي المغرب»، وفتيحة كريش من القناة الأولى عن وثائقي بعنوان «تافراوت.. جوهرة الأطلس».
ومنحت جائزة الإذاعة مناصفة أيضا لكل من عادل سند وفريدة الرحماني من الإذاعة الوطنية، فيما توجت سناء القويطي عن جريدة «التجديد» في صنف الصحافة المكتوبة عن ريبورتاج بعنوان «في قاعة الانتظار.. مرضى يترقبون موتا يهبهم أملا في الحياة»، وجواد التويول في صنف صحافة الوكالة عن بورتريه بعنوان «بوبكار سانغو.. من جحيم حرب شمال مالي إلى اندماج سلس بالمغرب».
ونال جائزة الإنتاج الصحافي الأمازيغي مناصفة كل من محمد جاري من القناة الأمازيغية، ونجمة بوبل عن الإذاعة الأمازيغية، بينما حاز الحافظ محضار من قناة العيون على جائزة الإنتاج الصحافي الحساني عن برنامج «ملتقى الرحل.. بين صون الهوية وتحقيق التنمية»، ونور الدين بلحسين من رسالة الأمة على جائزة الصورة عن شغب الملاعب.
وقال رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، إن المغرب «بحاجة إلى أناس يعملون بصبر وإصرار وصمود، فلا شيء يقوم مقام الجودة والجدية التي تحتاجها بلادنا».
ودعا رئيس الحكومة الشباب إلى «أخذ العبرة من الأجيال السابقة التي صبرت وناضلت»، مبرزا أن «الوطن لا يقوم إلا على تضحيات أبنائه، الذين يحتفظ التاريخ بمنجزاتهم، كما أنه دائم الاعتراف بمزيد من العمل والعطاء والجدية».
من جهتها، قالت وزيرة الاتصال الناطقة الرسمية باسم الحكومة بسيمة الحقاوي، إن هذه الجائزة مناسبة سنوية لإظهار الاعتراف والتقدير للصحافيات والصحافيين المغاربة على جهودهم الفردية والجماعية، وموعد قار لتشجيعهم على مزيد من البذل والعطاء من أجل خدمة إعلامية مهنية، جادة ومسؤولة، ولتكريم شخصيات إعلامية أسدت خدمات جليلة للمهنة، وأسهمت على نحو متميز في تطوير الممارسة الإعلامية، وتعزيز التمسك بقيمها النبيلة
وأبرزت الوزيرة حقاوي، أن الجائزة وفرت واجهة فكرية مهمة للتباري بين النساء والرجال، من أجل العطاء المهني الأفضل، ومن أجل المساهمة في إمداد المنتج الصحافي بعناصر الجودة والإبداع والتميز، مضيفة أنها تؤكد في دورتها الحالية استمرار الحضور النسائي في التنافس على مختلف أجناسها، بنسبة 35.2 في المائة من مجموع الترشيحات.
وأكدت أن الغاية من استعراض هذه الأرقام والمعطيات هي للدلالة على أن التوجه نحو إعمال مقاربة النوع، بشكل إيجابي وبناء ومسؤول، هو توجه ثابت ويتقدم خطوات إلى الأمام في قطاع الإعلام والاتصال بالمغرب، رغم كل الإكراهات والصعوبات، في إطار من التكامل والتعاون والتلاحم بين نساء ورجال هذا القطاع الحيوي.
أما رئيسة لجنة تحكيم هذه الدورة ماريا لطيفي، فدعت المؤسسات الإعلامية إلى المساهمة بدورها في اقتراح إنتاجاتها الإعلامية، وتهييء الأعمال التي تنوي اقتراحها لنيل الجائزة قبل الإعلان عن موعد الترشيحات.
وأوصت أيضا بتوفير الإمكانيات التقنية واللوجيستية للفرق الإعلامية، والرفع من مستويات التكوين والتأهيل لأطرها الإعلامية، والتفكير في صيغة مؤسساتية جديدة للجائزة تكون بمثابة مؤسسة قائمة بذاتها منفتحة على أنشطة متنوعة، ودعم الأداء الإعلامي المتميز.
وضمت لجنة التحكيم التي ترأستها مديرة القناة الرابعة (الثقافية) ماريا لطيفي، كلا من لمياء ضاكة (وكالة المغرب العربي للأنباء)، وخديجة رشوق (القناة الأولى)، والسادة عبد الله البقالي (النقابة الوطنية للصحافة المغربية)، ومحتات الرقاص (بيان اليوم)، وإبراهيم الغربي (ميدي1)، وحسن نجيبي (مجلة فوطو نيوز)، ومحمد ليشير (القناة الثانية)، وعبد اللطيف بنصفية (المعهد العالي للإعلام والاتصال)، وبناصر خيجي (القناة الأمازيغية)، وماء العينين عبد الله (قناة العيون).



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)