«عصر الظلال» يفتتح مهرجان الفيلم بمراكش اليوم

الدورة الـ 16 تكرم السينما الروسية.. والمغرب خارج المسابقة

الممثل المغربي عبد الرحيم التونسي - الممثلة الفرنسية إيزابيل أدجاني
الممثل المغربي عبد الرحيم التونسي - الممثلة الفرنسية إيزابيل أدجاني
TT

«عصر الظلال» يفتتح مهرجان الفيلم بمراكش اليوم

الممثل المغربي عبد الرحيم التونسي - الممثلة الفرنسية إيزابيل أدجاني
الممثل المغربي عبد الرحيم التونسي - الممثلة الفرنسية إيزابيل أدجاني

تنطلق اليوم فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ16، بمشاركة أفلام تمثل 28 دولة، تشمل فقرات «المسابقة الرسمية» و«خارج المسابقة» و«نبضة قلب».
وعلى غير العادة، تعرف دورة هذه السنة غياب السينما المغربية عن «المسابقة الرسمية»، الشيء الذي يمكن أن يجر على القائمين على الشأن السينمائي بالمغرب انتقادات وأسئلة، تهم، على الخصوص، عدم قدرة البلد المنظم على اقتراح فيلم يخوض به غمار المنافسة في مهرجان يعد واجهة سينمائية عالمية، رغم التشجيع والدعم المخصص للقطاع، في سبيل إشعاع الإنتاج السينمائي بالمغرب.
وتضم «المسابقة الرسمية»، لدورة هذه السنة، التي تنظم حتى العاشر من الشهر الجاري، 14 فيلما، بينها 7 أفلام، هي الأولى أو الثانية لمخرجيها. ومنحت تلك الأعمال - حسب بيان للمنظمين - الأولوية للمواهب الشابة، مع الاستمتاع بالإبداعات السينمائية، في تنوعها، من خلال أعمال قادمة من بلدان الشرق الأقصى، مثل اليابان وتايوان والصين، ومن تشيلي وجنوب أفريقيا، مرورًا بروسيا وأيسلندا وإيران ورومانيا والنمسا وألمانيا وفرنسا.
ومن الأفلام المشاركة، في هذه المسابقة، نجد «فجأة» لأسلي أوزكي من ألمانيا، فرنسا وهولندا؛ و«المسيح الأعمى» لكريستوفر موراي من فرنسا وتشيلي؛ و«المُتبرع» لزونك كيوو من الصين؛ و«النوبات» لروز هولمر من الولايات المتحدة؛ و«المراسل» لأدريان سيتارو من رومانيا وفرنسا؛ و«قلب من حجر» لكودموندور أرنار كودموندسون من الدنمارك وأيسلندا؛ و«قصة أم» لساندرين فايسي من فرنسا؛ و«ملك البلجيكيين» لبيتر بروسينس وجيسيكا وودوورت من بلجيكا، هولندا وبلغاريا؛ و«سكين في مياه صافية» لوانغ كسييبو من الصين؛ و«ميستر إينيفيرسو» لتيزا كوفي ورينر فريميل من النمسا وإيطاليا؛ و«الرحيل» لنويد محمودي من إيران وأفغانستان؛ و«الطريق إلى ماندالاي» لميدي ز. من تايوان، بورما، فرنسا وألمانيا؛ و«رعاة وجزارون» لأوليفر شميتز من جنوب أفريقيا، الولايات المتحدة وألمانيا؛ و«علم الحيوان» لإيفان تفيردوفسكي من روسيا، فرنسا وألمانيا.
فيما ستعرض «خارج المسابقة» عشرة أفلام، من توقيع مخرجين كبار، من قيمة الهولندي بول فيرهوفن، أو من إنجاز مواهب واعدة من قبيل المغربي نسيم عباسي، فيما يلعب فيها بعض أبرز نجوم السينما العالمية الأدوارَ الأولى، من قبيل إيزابيل هوبير وإيزابيل أدجاني.
وتفتتح الدورة بفيلم «عصر الظلال» لكيم جي وون (كوريا الجنوبية)، على أن تختتم بـ«وداعا برلين» لفاتح أكين (ألمانيا).
كما تشمل باقي الأفلام المشاركة، خارج المسابقة: «كارول ماتيوه» للويس جوليان بوتي من فرنسا؛ و«وقف إطلاق النار» لإيمانويل كوركول من فرنسا وبلجيكا؛ و«المبارز» لأليكسي ميزكيريف من روسيا؛ و«هي» لبول فيرهوفن من فرنسا وألمانيا؛ و«عمي» لنسيم عباسي من المغرب؛ و«اليتيمة» لأرنو دي بايير من فرنسا؛ و«ذكرى» لبافو دوفورن من بلجيكا، لوكسمبورغ وفرنسا. كما سيقدم المهرجان: «خارج المسابقة الرسمية»، العرض ما قبل الأول لـ«فيانا، أسطورة نهاية العالم» لرون كليمونتس وجون موسكر، من الولايات المتحدة.
أما فقرة «نبضة قلب» فستعرف برمجة ستة أفلام، ثلاثة منها أفلام هي الأولى لمخرجيها، تشمل «حفل زفاف» لستيفان ستريكر من بلجيكا، باكستان، لوكسمبورغ وفرنسا؛ و«صائدة النسور» لأوتو بيل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، منغوليا؛ و«من السماء» لوسام شرف من فرنسا ولبنان؛ و«ليلى م». لميكي دو يونك من هولندا، بلجيكا، ألمانيا والأردن؛ و«ميموزا» لأوليفر لاكس من إسبانيا، المغرب، قطر وفرنسا؛ و«وولو» لداودا كوليبالي من فرنسا، السنغال ومالي.
وكانت إدارة المهرجان المغربي قد أعلنت، في وقت سابق، عن لائحة المشاركين في فقرة «ماستر كلاس»، فضلا عن أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، التي سيرأسها المخرج المجري بيلا تار.
وتعتبر لحظات التكريم، التي دأبت عليها المظاهرة، منذ إطلاقها في 2001. من أقوى اللحظات التي تتخلل مهرجان مراكش، حيث تمثل، حسب المنظمين: «محطة لتوطيد العلاقة المتعددة الأوجه التي تربط المهرجان بالسينما».
واختار المهرجان المغربي أن يكرم أربعة من نجوم السينما، هم الممثلة الفرنسية إيزابيل أدجاني والممثل المغربي عبد الرحيم التونسي، المشهور بلقب «عبد الرؤوف» والمخرج والممثل ومدير التصوير وكاتب السيناريو الياباني شينيا تسوكاموتو والمخرج الهولندي بول فيرهوفن.
كما سبق للمنظمين أن أعلنوا تكريم السينما الروسية، مبررين ذلك بأن السينما الروسية تبقى «إحدى أكثر السينمات الأوروبية غنى وتنوعًا»، وأنها «سواء ما قبل الثورة أو إبان الحقبة السوفياتية أو فيما بعد البريسترويكا، كانت أحد الفاعلين الرئيسيين في السينما العالمية»؛ وأنه «إذا كانت السينما الروسية تعيش، منذ 25 سنة، مرحلة بحث عن الذات، فإنها، مع ذلك، قدمت أعمالاً كبيرة وأسماء جديدة جاءت لتخلف الكلاسيكيات الكبرى».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)