«سوريا الديمقراطية» تطعّم صفوفها بالمقاتلين العرب عشية معركة الرقة

الاعتماد الرئيسي على الأكراد يمنحهم «نفوذًا كبيرًا» ضمن التجمع

مقاتلون في «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن قرب تلة السمان بريف الرقة الشمالي في 17 من الشهر الحالي في سياق معركة «غضب الصحراء» لاستعادة المدينة من تنظيم داعش (إ.ب)
مقاتلون في «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن قرب تلة السمان بريف الرقة الشمالي في 17 من الشهر الحالي في سياق معركة «غضب الصحراء» لاستعادة المدينة من تنظيم داعش (إ.ب)
TT

«سوريا الديمقراطية» تطعّم صفوفها بالمقاتلين العرب عشية معركة الرقة

مقاتلون في «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن قرب تلة السمان بريف الرقة الشمالي في 17 من الشهر الحالي في سياق معركة «غضب الصحراء» لاستعادة المدينة من تنظيم داعش (إ.ب)
مقاتلون في «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن قرب تلة السمان بريف الرقة الشمالي في 17 من الشهر الحالي في سياق معركة «غضب الصحراء» لاستعادة المدينة من تنظيم داعش (إ.ب)

مع انطلاق عملية «غضب الفرات» التي تسعى من خلالها «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية لتحرير مدينة الرقة الواقعة في الشمال السوري من تنظيم داعش، تفعّلت مساع «تطعيم» هذه القوات بالمقاتلين العرب والسريان والتركمان نزولا عند رغبة واشنطن التي زادت في الآونة الأخيرة من حجم مساعداتها لحلفائها الأكراد على الأصعدة كافة، وهو ما جعلهم يستبشرون خيرا بالمرحلة الانتقالية للإدارة الأميركية وما سيليها بعد تسلم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مقاليد الحكم، خاصة مع إعلانه أن أولويته محاربة «داعش» لا النظام السوري.
وبعدما تركزت المساعدات الأميركية للمقاتلين الأكراد في السنوات الـ4 الماضية على مدهم بالذخيرة والسلاح الخفيف وببعض الخبرات التي حملها مستشارون أميركيون وأوروبيون إلى شمال سوريا، شهد الميدان هناك تحولا كبيرا بعد قرار واشنطن إرسال عناصر من جيشها للقتال جنبا إلى جنب «قوات سوريا الديمقراطية» في المعارك المحتدمة في ريف الرقة بوجه عناصر «داعش»، كما كشفت «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم السبت الماضي.
وإذا كان قياديون أكراد يتحدثون عن «تحالف مصلحة» مع الأميركيين، ويؤكدون أنّهم «لا يضعون كل بيضهم في سلة طرف واحد»، تبدو قيادات المعارضة السورية مطمئنة لاستخدام واشنطن قوات الكردية كـ«أداة تكتيكية» ينتهي دورها مع إتمام مهمتها المتمثلة وبشكل أساسي في محاربة تنظيم داعش.
وتُشكل تركيبة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تأسست في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، في محافظة الحسكة، في شمال شرقي سوريا، بهدف «طرد تنظيمي داعش وجبهة النصرة من منطقة الجزيرة السورية، وبناء سوريا ديمقراطية علمانية»، مادة سجال دائم بين الأكراد وفصائل المعارضة التي تؤكد أن لا وجود حقيقي وفعّال للعناصر العربية بإطار هذه القوات وأن دورها يقتصر على «التمويه»، في وقت تؤكد القيادات الكردية سعيها لتوسيع مشاركة العناصر العربية والتركمانية والسريانية وانضمام المئات أخيرا إلى صفوفها عشية انطلاق معركة «غضب الفرات».
وبحسب دراسة حديثة أعدها «معهد دراسة الحرب» فإن «تركيبة وسلوك القوات المناط بها استعادة مدينة الرقة، مسألة سيجري وفقًا لها تحديد مدى النجاح بعيد المدى للحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سوريا». وتتطرق الدراسة لتكوين «قوات سوريا الديمقراطية» لافتة إلى أنها تجمّع من مجموعات كردية وعربية وسريانية مسيحية وتركمانية أسّسته الولايات المتحدة في أواخر عام 2015 عبر تجنيد «التحالف العربي السوري» للقتال جنبًا إلى جنب مع وحدات حماية الشعب وميليشيات محلية أخرى.
وتشير آخر المعلومات إلى قيام «قوات سوريا الديمقراطية» في الفترة التي سبقت انطلاق العمليات ضد «داعش» في محافظة الرقة، بـ«تجنيد» أعضاء من «اتحاد الضباط الأحرار» في أكتوبر 2016، قالت مصادر كردية لـ«الشرق الأوسط» إنّها «مجموعة تضم الكثير من كبار المنشقين عن الجيش السوري، تُعرف بمجموعة العميد حسام الدين العواك». ورغم الجهود المتزايدة للولايات المتحدة لتنويع تجمع «قوات سوريا الديمقراطية» وتجنيد مقاتلين عرب إضافيين، لا يزال الاعتماد وبشكل رئيسي على «وحدات حماية الشعب» الكردية في اللوجستيات والخبرات القتالية، ما يمنحها «نفوذًا كبيرًا» ضمن التجمع.
وتعتبر الدراسة السابق ذكرها أن تعاطي تركيا مع «وحدات حماية الشعب» كـ«منظمة إرهابية» نظرًا لصلاتها بحزب «العمال الكردستاني»، وضعها تلقائيا في مواجهة مباشرة «قوات سوريا الديمقراطية»، كما معارضة السكان المحليين العرب والتركمان في شمال سوريا لوحدات حماية الشعب متهمين إياها بالتطهير العرقي والتهجير القسري للمجتمعات المحلية، أضف إلى كل ذلك، أن دفع الوحدات الكردية باتجاه إنشاء منطقة فيدرالية ذات حكم ذاتي في شمال سوريا، «يهدد بتفاقم التوترات وزيادة معدلات العنف العربي - الكردي والصراع الكردي - الكردي في المنطقة».
ويعتبر محمد سرميني، مدير مركز «جسور للدراسات»، أن «قوات حماية الشعب» لطالما استخدمت «قوات سوريا الديمقراطية» كـ«واجهة تعمل من خلالها على تنفيذ مشاريعها وأجندتها الخاصة، باعتبار أنه ومنذ اليوم الأول لاطلاعنا على مكونات وفصائل هذه القوات تبين لنا أنه يتم استخدام أسماء بعض المجموعات العربية لمجرد التمويه»، لافتا إلى أن «صناعة القرار تتم عبر قيادات حزب (الاتحاد الديمقراطي)، وهو ما أبلغنا به الدوائر الأميركية التي طمأنتنا في وقتها إلى أن لا علاقة أو تحالف استراتيجي مع الوحدات الكردية بل علاقة تكتيكية بحتة».
ولا تُقلق «الفيدرالية» التي ينادي بها الأكراد شمال سوريا وما يُحكى عن هدف غير معلن باقة دولتهم هناك، قيادات المعارضة السورية، «من منطلق وجود جبهة معارضة كبيرة لكل ذلك تضم إلى جانب النظام السوري، روسيا وإيران وتركيا»، بحسب ما يقول سرميني، لافتا إلى أن مواجهة فصائل المعارضة مع «القوات الكردية الانفصالية» انطلقت بالفعل في ريف حلب الشرقي. ويضيف: «عدا كل ذلك، فهناك قدرة أكبر مما نتصور بكثير لدى النظام السوري على إدارة وتحريك القوات الكردية»، متحدثا عن «معلومات تفيد بتوجه لتسليم (قوات سوريا الديمقراطية) مناطق خاضعة لسيطرتها لقوات النظام إن كان في الحسكة أو منبج، أو حتى الرقة بعد تحريرها من (داعش) رضوخا لضغوط دولية متعددة».
وبينما يتحدث مركز «جسور» عن سيطرة الأكراد على ما يزيد عن 16.44 في المائة من مساحة سوريا الإجمالية، يعتبر رئيس «المركز الكردي للدراسات» نواف خليل أنه لا إمكانية للحسم في هذا المجال، لافتا إلى أن حجم الأراضي التي حررتها «قوات سوريا الديمقراطية» تخطت أخيرا الـ30 ألف كيلومتر مربع. ويستهجن خليل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إصرار فصائل المعارضة على التصويب على تركيبة «قوات سوريا الديمقراطية» ومحاولة تصوير الوجود العربي فيها كـ«شكلي»، مؤكدا أن «35 في المائة من هذه القوات هم من العرب والسريان والتركمان».
ويشير خليل إلى أن عدوين رئيسيين تقاتلهما «قوات سوريا الديمقراطية» حاليا في سوريا وهما «داعش» والقوات التركية والفصائل السورية التي تدعمها، لافتا إلى «ضغط أنقرة لعرقلة معركة الرقة بكل ما أوتيت من قوة». وعن الدور الأميركي بدعمهم، يقول خليل: «كمّ الأسلحة الذي تم تسليمها أخيرا لقوات سوريا الديمقراطية يؤكد انتهاء حالة تردد الجانب الأميركي ووضع كل إمكاناته وجهوده لقتال تنظيم داعش، وهو ما عبّر عنه صراحة الرئيس الأميركي الجديد حين قال إن الأولوية لمواجهة التنظيم وليس النظام السوري».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم