وودي ألن: ليست مثيرة قصّة حب بلا أزمات

وودي ألن
وودي ألن
TT

وودي ألن: ليست مثيرة قصّة حب بلا أزمات

وودي ألن
وودي ألن

> أحد العناصر الرئيسة التي تتكرر في كتاباتك، وبالتالي في أفلامك، الخطوط المتعارضة للعلاقات العاطفية؛ هي دائمًا موجودة كما لو أن المرغوب قوله أن لا وجود لحب واحد دائم بين البشر.. هل هذا صحيح؟
- صحيح، هناك أشياء يؤمن بها بعض الناس، لكني لا أومن بها. مثلاً، أن الحب الأول هو الأصدق، أو أن هناك حبًا واحدًا صادقًا في حياة المرء فقط. أنا لست من هؤلاء، وأعتقد أن الحب يتجدد بصورة طبيعية. المرأة التي قد تحبها وأنت في العشرين ليست هي المرأة التي ستقع في حبها بعد عشر سنوات، بل ستقع في حب امرأة أخرى؛ هذا هو الأقرب إلى المنطق.
> إنما هناك أيضًا حقيقة أن هؤلاء العشاق يخونون من ارتبطوا بهم؛ المتزوّجون يخونون زوجاتهم.. وفي بعض أفلامك، تفعل النساء الأمر ذات.
- سينمائيًا، هذا أفضل للفيلم. أفلامي كوميدية، غالبًا، لكنها تحتاج كأي كوميديا إلى الدراما، ولو أن شيئًا كهذا لم يقع في الفيلم، فإن حكايته لن تنتج للمشاهد ما يمكن أن يثيره؛ ليس مثيرًا وقوع امرأة ورجل في علاقة حب تستمر حتى نهاية الفيلم من دون أحداث أو أزمات.
> في سن الثمانين، ما زلت تحقق فيلمًا كل سنة. هناك مخرجون أصغر سنًا بكثير لا يستطيعون مجاراتك في عدد الأفلام التي يحققونها.. هل تهرب إلى الأمام؟
- (يضحك) ربما. هذا السؤال جديد عليّ؛ معظم المخرجين ممن أعرف، وأعتقد معظم المخرجين في كل الأحوال، يجدون أنفسهم مطالبين بالبحث عن التمويل بأنفسهم؛ عليهم عقد اجتماعات كثيرة لا يثمر معظمها عن أي تقدّم، وهذا لا يحدث معي. أكتب وأخرج على نحو متواصل لأن لدي تمويلاً مستقلاً وجاهزًا، ولا أحتاج لأن أعقد اجتماعات مع ممثلين وممثلات على أمل الاستحواذ على موافقاتهم.
> أفلامك قليلة التكلفة، وهذا يساعدك على أن تبقى مستقلاً.
- تمامًا. أفلامي قليلة التكلفة دائمًا. عندما أتطلع حولي لأجد أن إنجاز فيلم أميركي واحد يقتضي تخصيص ميزانية تفوق 150 مليونًا، أدرك كم أنا محظوظ أنني خارج هذه الدائرة، حتى عندما يخسر فيلمي، فإنه يخسر القليل.
> ماذا عن «كافيه سوسيتي»، هل صحيح أنك تبرعت بأجرك كاملاً؟
- نعم.
> هل يعود ذلك لأن ميزانية هذا الفيلم تحديدًا هي أعلى من ميزانية أفلامك السابقة؟
- نعم. وضعت راتبي بالكامل، وكان علي أن أفعل ذلك لأنه كما ذكرت أعلى كلفة من أفلامي السابقة.
> بلغت ميزانيته 30 مليون دولار، وهو أقل من ربع ميزانية أي فيلم من أفلام الصيف، لكن لماذا ارتفعت كلفة هذا الفيلم أكثر من سواه؟
- إنه فيلم ذو مرحلة تاريخية (الثلاثينات)، مما يعني أن عليه أن يبني ديكورات، ويستعين بإكسسوارات مختلفة. أيضًا التصوير تم في لوس أنجليس لبعض الوقت، وفي نيويورك لبعض الوقت، وهذا تطلب التعامل مع شركتين مختلفتين.
> لماذا لا تعلن عن عناوين أفلامك قبل نهاية التصوير؟
- أحيانا لأني لست واثقًا من أنني اهتديت إلى العنوان الذي أريده؛ إنه من الأفضل أن لا تقوم باختيار عنوان عن أن تختار عنوانًا وتغيره لاحقًا.
> تعني أن الدافع ليس إبقاء الفيلم سرًا؟
- لم تعد هناك أسرار يمكن حمايتها (يضحك)، لكن أفضل ألا أعلن عن عنوان الفيلم حتى يصبح جاهزًا، و - نعم - ما تقوله صحيح، هذا يضمن له مزيدًا من الكتمان.
> فيلمك المقبل، الذي لا يزال من دون عنوان، يجمع بين كايت وينسلت وجونو تمبل وجيم بَلوشي وجوستن تمبرلايك.. هل كان «الكاستينغ» هينًا عليك؟
- هو دائمًا هيّن للأسباب التي ذكرتها. كنت أريد أن أسند لوينسلت بطولة «ماتش بوينت» (2005)، لكنها اضطرت للانسحاب لأسباب خاصة. هذه المرة كانت مرّة ثانية على رأس قائمتي، كانت أول من اتصلت به من الممثلين، ثم اتصلت بفتاة شابة اسمها جونو تمبل، وبالممثل جيم بَلوشي، واخترت جوستين تمبرلايك بعد أن شاهدته في «سوشيال نتوورك».
> لكن ذلك الفيلم يعود إلى ست سنوات مضت.. هل شاهدته في أفلام أخرى بعد ذلك؟
- نعم، لكن ذلك الفيلم كان أول فيلم أشاهده له. لم أتذكر اسمه عندما بدأت التحضير، لكن صورته من ذلك الفيلم بقيت في بالي، وعندما أخذت أفكر في «الكاستينغ»، عادت صورته إليّ. تقابلنا في نيويورك، وبعد دقيقتين كنا قد اتفقنا على كل شيء.
> ماذا عن جيم بَلوشي؟ أعتقد أنه ممثل جيد يستحق أكثر مما يسند إليه في الأعوام الأخيرة.
- صحيح. في فيلمي الجديد، لم أر من هو أكثر منه ملاءمة للدور.
> عندما التقينا في «كان»، ذكرت لي كم يعني لك المهرجان، لكني كنت أود أن أسألك عن المهرجانات الأخرى؛ هناك مهرجانات جيدة غير «كان».
- بالتأكيد. هناك برلين وفنيسيا وسواها، لكن «كان» مثل الجوهرة اللامعة طوال الوقت. حين أكون في «كان»، استغرق في المقابلات، ولا يتاح لي التمتع به، لكني أحبه وأحب أن الجمهور هناك متفان في حب السينما.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».