«رؤية اللامرئي».. فرصة للاستمتاع بالفن لمن حرموا منه

متحف بوشكين ينظم معرض لوحات عالمية للأكفاء وضعيفي النظر

يستمر المعرض في متحف بوشكين بموسكو لغاية شهر فبراير المقبل - تصبح تفاصيل اللوحات نافرة كمجسمات كي يتمكن الأكفاء من قراءتها
يستمر المعرض في متحف بوشكين بموسكو لغاية شهر فبراير المقبل - تصبح تفاصيل اللوحات نافرة كمجسمات كي يتمكن الأكفاء من قراءتها
TT

«رؤية اللامرئي».. فرصة للاستمتاع بالفن لمن حرموا منه

يستمر المعرض في متحف بوشكين بموسكو لغاية شهر فبراير المقبل - تصبح تفاصيل اللوحات نافرة كمجسمات كي يتمكن الأكفاء من قراءتها
يستمر المعرض في متحف بوشكين بموسكو لغاية شهر فبراير المقبل - تصبح تفاصيل اللوحات نافرة كمجسمات كي يتمكن الأكفاء من قراءتها

قد لا نجد في العالم ما يصف أو يساوي فرحة كفيف برؤية لوحة فنية أو مشهد ما سمع عنه ويعرف تفاصيله المروية إلا أن فقدانه حاسة الرؤية حرمه من التعرف على الشكل «المرئي المحسوس» لتلك اللوحة أو ذاك المشهد. وقد حرم الأكفاء من نشاط ثقافي اعتاده الآخرون بزيارة معارض اللوحات الفنية والرسومات المختلفة، إلا أنه وانطلاقا من مبدأ «الحاجة أم الاختراع» وأنه لا مستحيل أمام إرادة الإنسان ورغباته، فإن «رؤية اللامرئي» تصبح أمرا ممكنا، بل وتصبح تلك العبارة عنوانا لمعرض لوحات فنية أقامه متحف بوشكين للفنون التشكيلية في العاصمة الروسية موسكو، خصيصا للأكفاء ومن يعانون من ضعف شديد بحاسة النظر.
واعتمد المعرض في تجربته هذه على ذات الآلية المعتمدة لتعليم الأكفاء القراءة والكتابة، باستخدام الأحرف المجسمة (البارزة). إذ اختار المنظمون مجموعة من اللوحات العالمية، وقاموا بنسخها بواسطة تقنيات «الطباعة المجسمة»، وحرصوا أثناء ذلك على «تجسيم» أدق التفاصيل في اللوحات المختارة، كي يتمكن زوار المعرض من ملامسة تلك التفاصيل لدرجة تمكنهم من الشعور بأنهم يرونها بأعينهم لا بأطراف أصابعهم. وكي يكون العرض بكامل روعة لوحاته حرص المنظمون على تأمين «مرافقة صوتية» لكل لوحة، تمكن الضيف والزائر من سماع التعليقات التعريفية باللوحة التي يشاهدها، وذلك عبر سماعات أذن خاصة تتفاعل تلقائيا مع كل لوحة عند الاقتراب منها. أما أشهر اللوحات التي سيتاح لهم «رؤيتها» فهناك لوحة «جاكوار يهاجم حصان»، للفنان الفرنسي الشهير هنري جولين فيلكس روسو، من مدرسة ما بعد الانطباعية والمعروف عنه اعتماده «البدائية» أو «البساطة» في رسم لوحاته، وكذلك لوحات لفنان فرنسي آخر هو جان باتيست سيميون شاردان، ولوحة «هل تغارين» للفنان بول غاغان، والكثير غيرها.
ومع أن اللوحات تم تحضيرها لتكون متاحة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتحديدا للأكفاء ومن يعانون ضعفا شديدا بحاسة النظر، إلا أنه بوسع أي إنسان لا يعاني من تلك الحالات أن يزور المعرض ويخوض تجربة مميزة، حيث سيجد عند المدخل نظارات خاصة بعدسات سوداء تحجب الرؤية، ما سيمكن الزائر من رؤية تلك اللوحات بأسلوب جديد مختلف، ويجعله يعيش في الوقت ذاته الحالة الحسية ومشاعر الأكفاء وهم يتلمسون اللوحات لرؤيتها بوضوح عبر أطراف أصابعهم.
ويستمر المعرض في متحف بوشكين في موسكو لغاية شهر فبراير (شباط)، ومن ثم ستبدأ لوحاته رحلتها عبر المدن الروسية كي يتمكن أكبر عدد من الأكفاء من «مشاهدتها». ولا تقتصر نشاطات متحف بوشكين في مجال تقديم الدعم لذوي الاحتياجات الخاصة على هذا المعرض للأكفاء، إذ يولي اهتمامه كذلك بمختلف الفئات، بما في ذلك الصم، الذين يجري تحضير معرض خاص لهم يترافق مع عرض مصور لسيرة كل لوحة وآراء النقاد فيها وما إلى ذلك من معلومات. وفي العام المنصرم نظم المتحف عروضا مميزة في إطار فعاليات خاصة بمن يعانون من مرض التوحد تحت عنوان «التوحد بيئة للمحبة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».