«العلاج بالموسيقى» أسلوب جديد تسعى تركيا لتعميمه في مستشفياتها

انطلق في أعقاب الحرب العالمية الثانية وانتشر في الدول العربية من مصر

مستشفيات تركية شرعت في تجربة العلاج بالموسيقى
مستشفيات تركية شرعت في تجربة العلاج بالموسيقى
TT

«العلاج بالموسيقى» أسلوب جديد تسعى تركيا لتعميمه في مستشفياتها

مستشفيات تركية شرعت في تجربة العلاج بالموسيقى
مستشفيات تركية شرعت في تجربة العلاج بالموسيقى

بات العلاج بالموسيقى أسلوبا جديدا ينتشر في الكثير من المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية في تركيا وهناك محاولات لإدخاله إلى المستشفيات التابعة للدولة أيضا. وينتشر العلاج بالموسيقى والرقص في بعض مراكز علاج ذوي الاحتياجات الخاصة والعلاج الطبيعي ومراكز علاج السكتة الدماغية بالاستعانة بآلات الموسيقى التقليدية مثل الناي أو باستخدام الآلات الحديثة والموسيقى الغربية.
وعقد متخصصو العلاج بالموسيقى في المدن التركية سلسلة اجتماعات في مسعى لإطلاق حملة توعية مجتمعية بتطبيق العلاج بالموسيقى في المستشفيات التركية وكذلك في المدارس وفي دورات خاصة بالعلاج بالموسيقى، في محاولة للتقليل من تعرض الناس للضغط العصبي وكيفية تحكمهم فيه، بالإضافة لعلاج الاضطرابات العصبية، ليساعدوا المواطنين على الاتصال بشكل أكثر وعيًا ودقة مع أنفسهم وكذلك مع من حولهم.
كما تشارك تركيا للمرة الأولى في الاحتفالية الدولية باليوم العالمي للعلاج بالموسيقى، والذي يشارك فيه الكثير من الدول مثل هولندا والمجر والسويد وروسيا ويقام خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وتشارك تركيا من خلال الجمعية الخاصة للعلاج بالموسيقى. كما بدأ بعض المراكز العلاجية في تركيا تطبيق أسلوب العلاج بالموسيقى على الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك على المصابين بالتوحد ولا يستثنى البالغون من دورات العلاج تلك.
ويتم التعامل بهذا الأسلوب مع حالات الاكتئاب والقلق المفرط، إلى جانب تجربة تأثير الموسيقى على حالات الأمراض الذهنية، ومنها الشلل الرعاش.
وأطلق بعض طلاب جامعتي إسطنبول وكوجالي غرب تركيا مشروع تدريب لعلاج المصابين بالشلل الدماغي ومرضى السكتة الدماغية في تركيا بالموسيقى والرقص بعد حصولهم على تدريب في بولندا على يد الخبير المتخصص مارتن بينوكوفيسكي.
وأطلت حملات دعاية عن جلسات العلاج بالموسيقى في كل من إسطنبول، أنقرة، إزمير وإسكيشهير من خلال جمعية العلاج بالموسيقى.
وعلى الرغم من سعي تركيا لأن تصبح رائدة منطقة الشرق الأوسط في العلاج بالموسيقى، فإنها ما زالت في حاجة إلى مزيد من المتخصصين في هذا المجال، الذي يتطلب شهادة جامعية بالإضافة إلى دراسات عليا، حيث لا يتطلب الأمر من الاختصاصي العمل في المجال الطبي فحسب، بل تنوي جمعية العلاج بالموسيقى تطبيق برامجها في المدارس والجامعات وجعله تخصصًا أكاديميًا مستقلاً بذاته. وبدأت جمعية العلاج بالموسيقى بالفعل دوراتها التدريبية للمواطنين العاديين على العلاج بالموسيقى، وبالأخص للأمهات اللاتي يخضن تجربة الأمومة وتربية الأطفال للمرة الأولى، حيث تنوي الجمعية تنشئة جيل حديث وتوعيته بأهمية الموسيقى في التربية وفي العلاج أيضا، كما ستبدأ الجمعية رحلتها الأكاديمية في كليات الطب في مدن مختلفة للتوعية بقسم العلاج بالموسيقى الجديد، ولتوجيه كثير من طلاب الطب النفسي للاهتمام بهذا المجال في مسيرتهم المهنية فيما بعد.
وتخطط جمعية العلاج بالموسيقى لضم الدورات التدريبية الخاصة باليوغا كذلك ضمن الدورات الخاصة بالعلاج بالموسيقى، بالإضافة إلى الدمج ما بين قسم الفلسفة والعلوم الإنسانية وقسم العلاج بالموسيقى المزمع افتتاحه قريبًا في المعاهد العليا والجامعات التركية، بالإضافة إلى توفير متخصصين في العلاج بالموسيقى داخل المدارس والعيادات الطبية، وبالأخص النفسية منها.
يذكر أنه بدأ تنظيم دورات خاصة للعلاج بالموسيقى في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأقيم أول برنامج للعمل بالعلاج الموسيقي عام 1944. في ولاية ميتشيغان الأميركية، وتم استخدامه في علاج أمراض عدة منها إدارة الجهد، تخفيف الألم، التعبير عن المشاعر، تقوية الذاكرة وتحسين مهارات التواصل.
وتم افتتاح أول مركز للعلاج بالموسيقى في المنطقة العربية في مصر عام 1950 حيث تأسست الجمعية الوطنية للعلاج بالموسيقى، ومن ثم في تونس وتأسيس المعهد الوطني لحماية الطفولة الذي قام باستخدام الموسيقى للعلاج والتربية، ثم مشروع مركز الشرق الأوسط للعلاج بالموسيقى في الأردن.
ورغم وجود مراكز عدة للعلاج بالموسيقى في المنطقة العربية، فإنها لا تلقى الترحيب الشعبي والمجتمعي أو الاعتراف بقدرتها على الشفاء من الأمراض، أو ضبط الاتزان النفسي أو العقلي.
وأثارت الموسيقى جدلا واسعا منذ القدم وأثارت الجدل بين الفلاسفة، فاعتبرها أفلاطون مؤثرًا قويًا على العواطف، ليعتبرها أحد المؤثرات على طبيعة النفس البشرية، أما أرسطو فاعتبرها وسيلة لتطهير المشاعر، وكان لابن سينا دراسات خاصة حول العلاج بالموسيقى، ليقوم بتصنيفها إلى مقامات، ولكل مقام وقته الخاص به خلال اليوم، منها مقام الرست يسمع عند الشروق ومقام النوى وقت العصر والمغرب ويسمع مقام عراق وذلك بسبب تقلب الإنسان من حالة إلى حالة نفسية أخرى خلال اليوم الواحد، حيث اشتهرت لابن سينا مقولة خاصة عن العلاج بالموسيقى وهي «خير تمارين العافية الغناء».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».