خيارات ترامب

يواجه تحديات صعبة بسياسات غامضة.. وألحق أميركا بمعسكر «الفوضويين والقوميين»

خيارات ترامب
TT

خيارات ترامب

خيارات ترامب

على الرغم من مرور أيام على فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، فإن «الزلزال السياسي» الذي صنعه الحدث لا يزال قويًا، وتداعياته تتفاعل داخل الولايات المتحدة وخارجها.
تعهد ترامب في خطاب الفوز بتوحيد الأميركيين ووعد بتجنب الصراعات مع العالم، ثم التقى في اليوم التالي الرئيس باراك أوباما مدشنًا المرحلة الانتقالية بكلام دبلوماسي «جديد»، لكن كل ذلك لم يمنع الأميركيين من الاستمرار في الخروج إلى الشوارع مرددين أن الرئيس المنتخب «لا يمثلني». وعلى غرار هذه المخاوف الداخلية، فإن القلق الدولي إزاء السياسات المحتمل انتهاجها من قبل ترامب لم يخمد. ويجمع كثير من المتابعين للشأن السياسي في الغرب، على أن ترامب، بفوزه بالرئاسة بعد حملة مثيرة للجدل تضمنت أفكارًا غريبة عن القيم الديمقراطية المألوفة، قد ألحق بلاده بمعسكر بلدان أوروبية أخرى تعرف أصوات «الفوضويين» و«القوميين» فيها تصاعدًا لافتًا، بما فيها بريطانيا التي صوتت العام الحالي لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي تحت تأثير الأفكار الفوضوية والقومية.
يحذر محللون من تحد أكبر يواجهه ترامب عندما يبدأ فترته الرئاسية في يناير (كانون الثاني) المقبل، هو كيفية حكم بلد مقسم إلى حد غير مسبوق بفعل الانتخابات الرئاسية. وقالت كسينيا ويكيت مديرة برنامج الولايات المتحدة والأميركتين بمعهد «تشاتهام هاوس» في لندن، إن ترامب «فاز بالرئاسة في بلد مقسم وبعملية اقتراعية مثيرة للارتياب، مما يجعل من الصعب عليه جدًا أن يحكم بفعالية». وتضيف إن ترامب «سيرث، عندما يبدأ الحكم في 20 يناير، عبئًا ثقيلاً، والتحديات المتشعبة التي ستواجهه سيكون من الصعب تجاوزها». وترى ويكيت أن ترامب سيكون «الآن مطالبًا باختيار طريقه؛ إما الحفاظ على رؤيته بعزل (خصومه) وحكم أقل من نصف المجتمع بقليل، أو محاولة ردم الهوة ويحكم الجميع».
وأمام هذا الوضع الداخلي الصعب، ربما يجد ترامب من الأنسب المضي قدمًا في الشعار الذي رفعه خلال حملته الانتخابية «أميركا تأتي أولاً»، وكان وجَّه عبره، فيما يبدو، رسالة إلى الخارج. وفي حال مضي ترامب في هذا الطريق (أميركا أولاً) فإن سياسته ستعصف بكثير من العواصم الأجنبية، بما فيها الدول الحليفة تقليديًا لواشنطن. من الصعب في الوقت الراهن، التكهن بملامح السياسة الخارجية لترامب، بالنظر لافتقاره للخبرة الكافية في هذا المجال. ولكن الرهان الأرجح الآن أنه حال توليه الرئاسة سوف يسعى للالتزام بما وعد به خلال حملته الرئاسية من التغيير الجذري في منهج الولايات المتحدة الحالي إزاء كل من روسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا، وآسيا.
ويقول الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس في هذا الصدد، إن «الصورة التي أخذها كبار المسؤولين في أكثر من 12 بلدًا تشي بأن ترامب رجل عديم الخبرة وغير موثوق فيه، وقد يندفع إلى تقويض التزامات وتحالفات الولايات المتحدة التقليدية». ويضيف إغناتيوس: «السياسة الخارجية لترامب، استنادا إلى تصريحاته المعلنة، سوف تجلب التركيز المكثف الواقعي على المصالح الوطنية الأميركية والرفض التام للتفاعلات الأميركية الخارجية المكلفة».
من خلال التصريحات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية، يرجح خبراء كثيرون توجهه لانتهاج سياسة خارجية مختلفة عن إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما. وكل الأنظار الآن مركزة على ما سيقوم به الرئيس الأميركي إزاء الاتفاق النووي الذي أبرمه المجتمع الدولي مع إيران، علما بأن ترامب كان قد وعد في خطاب له أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية في مارس (آذار) الماضي، بأن أولويته الرئيسية ستكون «تفكيك الاتفاق الكارثي مع إيران»، إلا أن ذلك التهديد يتعارض مع تصريح آخر له قال فيه إن من الصعب تمزيق الاتفاق النووي من دون مساعدة أوروبية.
ويعتقد على نطاق واسع أن من التداعيات الكبرى لوصول ترامب إلى البيت الأبيض تغير السياسة الأميركية تجاه قضايا النزاع في منطقة الشرق الأوسط، وأهمها الآن الأزمة السورية. وكان ترامب قد ركز مرارًا على أن أولويته في هذا النزاع هو دحر تنظيم داعش، بما أوحى أن المضي في مسارات دبلوماسية وعسكرية لإنهاء الأزمة عبر مرحلة انتقالية تقود لتنحي الأسد، لن يكون من أولوياته. وتتقاطع رؤية ترامب لوضع محاربة «داعش» أولوية، مع تصريحاته بخصوص تحسين علاقات الولايات المتحدة مع روسيا، وهو أمر يلاقي قلقًا واسعًا لدى قادة أوروبا.
وإضافة إلى هذه التوجهات الجديدة، يتوقع الخبراء، بروز نزعة «انعزالية» لدى إدارة ترامب المرتقبة وربما تخليها عن التزاماتها مع حلفائها في الغرب. ويقول فابيان زوليغ من «مركز السياسة الأوروبية»، وهو معهد أبحاث في بروكسل، إن «إدارة ترامب ستعزز النزعات الانعزالية في الولايات المتحدة»، لافتًا إلى تراجع قوة واشنطن أصلا بسبب المنافسة من دول ناشئة على غرار الصين. ودليلاً على الصدمة، أدى الإعلان عن فوز ترامب، إلى سلسلة من ردود الفعل السريعة في أوروبا ضمنها تصريحات لرئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك الذي قال، من باب التمني فيما يبدو، إن واشنطن «ليس لديها بكل بساطة أي خيار آخر» سوى مواصلة التعاون بشكل وثيق مع أوروبا. وأضاف توسك وهو رئيس وزراء بولندي سابق: «لا أعتقد أن بإمكان أي بلد يزعم بأنه قوي البقاء معزولاً».
لكن كلام توسك لم يُخفِ وجود قلق إزاء التزامات إدارة ترامب المرتقبة بأمن أوروبا وربما حتى بالتزاماتها مع حلف شمال الأطلسي. ووسط هذا الغموض، يفضل البعض في الاتحاد الأوروبي (بينهم 22 من 28 دولة في الأطلسي) أن يرى فرصة للمضي قدما في النقاش الدائر حول أمن أوروبي أكثر استقلالية في مجال الدفاع والأمن. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الأربعاء، إن «الولايات المتحدة لن تتولى الاهتمام بأمننا، إنها مسؤولية أوروبا. نحن بحاجة إلى اتحاد أمني». وتعد برلين إحدى العواصم التي تجري نقاشًا بهذا الصدد مع باريس وروما ومدريد. ويشارك الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في هذا الرأي بوضوح، إذ قال أمس: «من المهم جدًا أن يكون الأوروبيون، في هذه الظروف الجديدة، واضحين في الرغبة للعمل معًا» وخصوصا من أجل السيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ومكافحة الإرهاب. وبدوره، قال دبلوماسي أوروبي، إن النتيجة المفاجئة للانتخابات الأميركية من شأنها أن تعمل على تطوير موقف الأكثر ترددا، في شرق أوروبا، حيال فكرة الدفاع الأوروبي.
ومن الأمور المقلقة حقًا لبعض حلفاء الولايات المتحدة في العالم ما هدد به ترامب خلال حملته الانتخابية بعدم الدفاع عن هذه الدول الحليفة بشكل تلقائي. وتبدو دول البلطيق في مقدمة هذه الدول التي ينتابها القلق في حال تعرضت لهجوم روسي على غرار الضم الروسي لمنطقة القرم (غير البعيدة عنها) قبل عامين. وكان ترامب قد قال في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز» في يوليو (تموز) الماضي إنه لن يكون ملزمًا في حال وصل إلى الرئاسة بمساعدة ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا إلا إذا قدمت إسهامات مالية كافية لحلف شمال الأطلسي. وهدد ترامب أيضًا، بإغلاق كثير من القواعد العسكرية غير الضرورية، قائلاً إنه يطالب الدول التي تحتضن قواعد عسكرية أميركية أن تدفع أموالا مقابل حمايتها، مثل اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية. كما وعد ترامب بخفض الالتزام الأميركي في حلف شمال الأطلسي، وقال إنه سيطلب من الأوروبيين مضاعفة مساهماتهم في ميزانية الأطلسي.
ويبدي ترامب، من خلال تصريحاته خلال الحملة، سياسة عدوانية تجاه الصين، فهو يعتقد أن الصين هي عدو الولايات المتحدة الأول، وتسلب منها مليارات الدولارات وليس روسيا. كما أنه يطالب الصين بوضع حد لتهور الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بحكم الروابط القوية بين بكين وبيونغ يانغ.
وتبقى رؤية ترامب لمنظمة الأمم المتحدة، في صلب المخاوف الدولية من سياسات جديدة سيقدم عليها الساكن الجديد في البيت الأبيض، ويهدد بها النظام الدولي الحالي. وكان ترامب قد وصف، خلال كلمته الشهيرة في مارس الماضي، الأمم المتحدة، بأنها هيئة ضعيفة لا تتمتع بالكفاءة، واعتبر أن هذه المنظمة «ليست صديقة للديمقراطية ولا للحرية ولا حتى للولايات المتحدة الأميركية». وهدد حينها بالانسحاب من الاتفاق الدولي لمكافحة تغير المناخ، وهو حجر زاوية في إنجازات الأمين العام الحالي للأمم المتحدة بان كي مون. وعلق بان بعد فوز ترامب قائلاً، إن «الناس في كل مكان يتطلعون إلى الولايات المتحدة لاستخدام قوتها الكبيرة للإسهام في الرقي بالإنسانية والعمل من أجل الصالح العام». وقال دبلوماسي كبير في مجلس الأمن الدولي، طلب عدم نشر اسمه، إن سياسة ترامب الخارجية حتى الآن «ليست متماسكة» وإن انتصاره لا يبشر بالخير فيما يتعلق بكفاءة المجلس في المستقبل. وقال الدبلوماسي: «الافتراض هو أن (إدارة ترامب) ستكون أقل تواصلا مع الأمم المتحدة من إدارة (الرئيس باراك) أوباما والتي كانت أكثر التزاما بالعمل للتوصل لحلول جماعية من إدارات أميركية أخرى».
وتحدث عدد من دبلوماسيي الأمم المتحدة عن افتقار ترامب للوضوح بشأن سياسته الخارجية. وحذر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين الشهر الماضي من أن العالم سيكون في خطر إذا انتُخب ترامب رئيسا. وقال المتحدث باسمه إن الأمير زيد سيواصل التحدث بصوت مرتفع بشأن أي سياسات أو ممارسات لترامب تقوض أو تنتهك حقوق الإنسان. ولخص دبلوماسي غربي، طلب عدم نشر اسمه، تأثير فوز ترامب على الأمم المتحدة بقوله: «أعتقد أن التأثير سيستمر لفترة طويلة».



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».