محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

غيّر انتماءاته الحزبية 5 مرات في 25 سنة من جمهوري إلى ديمقراطي مرورا بـ«الإصلاح»

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
TT

محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)

استوعبت النخب السياسية والمثقفة الأميركية والعالم صدمة فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وصوبوا تفكيرهم نحو توجّه سياسات واشنطن الداخلية والخارجية في عهده، ومدى التزامه بتطبيق وعوده الانتخابية، وبخاصة تلك التي قد تشكل قطيعة تامة مع عهد الرئيس الحالي باراك أوباما كتراجع الدعم الأميركي لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ومراجعة سياسات الهجرة. وفي مسعى لتصور السياسة الخارجية للسنوات الأربع المقبلة، يحاول الخبراء تحديد شخصية ترامب السياسية، رغم تاريخه القصير في المجال، ولا سبيل لذلك إلا عبر العودة إلى أبرز محطات حياته.
لم يعرف الأميركيون دونالد ترامب بتاريخه السياسي، بل بإمبراطوريته الاقتصادية وشركاته العقارية وملاعب الغولف ومشاريعه التي لم تكن دوما ناجحة، وبرنامج تلفزيون الواقع الشهير «دي إبرينتيس». فبعدما تخرج من كلية وارتون المرموقة لإدارة الأعمال التابعة لجامعة بنسلفانيا ببكالوريوس في إدارة الأعمال عام 1968. انضم إلى شركة والده فريدريك ترامب «مؤسسة ترامب»، وأعاد تسميتها «منظمة ترامب». ومن ثم انطلق في مسيرة التأسيس لإمبراطورية شملت فنادق ومنتجعات ترفيهية ونوادي ليلية وغيرها، التي تخللتها 6 حالات إفلاس معلنة بين 1991 و2009.
* لم يعلن ترامب عن انتماءاته الحزبية قبل عام 1987، فإن مقرّبين منه أشاروا إلى أنه كان معجبا بالرئيس الجمهوري رونالد ريغان وبسياساته.
* بين 1987 و1999، عرّف ترامب نفسه سياسيا بالانتماء إلى «الجمهوري»، قبل أن يغير آراءه وأن ينتسب إلى حزب الإصلاح الأميركي. وشارك رجل الأعمال الملياردير في الانتخابات التمهيدية للرئاسة عن حزبه، إلا أنه انسحب بعد ثلاث سنوات بسبب تدخّل اليمينيين المتشددين ديفيد ديوك وبات بيوكانان في «الإصلاح».
* في عام 2001 قرر ترامب الانضمام إلى الحزب الديمقراطي، متأثرا بمحيطه بعد أن انتقل إلى نيويورك. وبرّر الرئيس المنتخب انتسابه لهذا الحزب خلال حوار مع «سي. بي. إس» في 23 أغسطس (آب) من العام الماضي بقوله إن إقامته بمانهاتن، بوسط نيويورك، أثّرت على توجهاته، وقال: «كنت من منطقة كلها ديمقراطيون، وبصراحة، ومع مرور السنوات، زاد انخراطي في الحزب وتطوّرت».
* بعد مرور 7 سنوات، دعم ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين، وغادر الحزب الديمقراطي منتقلاً إلى منافسه الحزب الجمهوري عام 2009، ثم غادره خمسة أشهر عام 2011 وأصبح مستقلا، قبل أن يعود إلى حزب الجمهوريين ويعد بالبقاء فيه.
وإلى جانب انتماءات ترامب الحزبية «المتنقلة»، إذا صحّ التعبير، التي مكنته من اكتساب معرفة بهيكلة الحزبين الأميركيين الرئيسيين، فإنه عبّر عن طموحاته في الترشح للرئاسة في أكثر من مناسبة. ولعل أبرز اثنتين هما عام 2000 عندما طرح اسمه للانتخابات التمهيدية الداخلية في حزب الإصلاح وقبلها عام 1987 عندما نشر إعلانا على صفحة كاملة في عدد من الصحف الأميركية ينتقد فيه سياسة الدفاع الأميركية، كلفه مائة ألف دولار.
* لم يلمع نجم ترامب السياسي إلا في مسيرته السياسية الأخيرة التي انتهت بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وذلك بعدما اصطدمت حملته الانتخابية بتصريحاته الصادمة التي صورته مهرّجا في أحيان كثيرة. ونجح «المختل»، كما وصفه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، في التفوق على منافسته الديمقراطية والسياسية المخضرمة هيلاري كلينتون بعكس التوقعات، رغم سلسلة تصريحات مثيرة للجدل وعنصرية وداعية للكراهية.
* يمكن تلخيص الوعود التي كرّرها ترامب في تجمعاته الانتخابية الأخيرة في خمس نقاط رئيسية، هدفها «النهوض بأميركا من جديد»، وتشمل الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أميركا، وإصلاح المنظمة السياسية، وتغيير العلاقات التجارية مع الخارج، وإعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية، وتخفيض الالتزام الأميركي بسياسات الحفاظ على البيئة. وبالنسبة لترامب، فإن الانتقال من اقتراح إجراء تغييرات هائلة خلال فترة الحملة الانتخابية إلى مرحلة محاولة المرور بسلام عبر دهاليز الحكومة المعقدة، سيأتي بمثابة اختبار عصيب ومبكر لفترة وجوده داخل البيت الأبيض.
وهنا أبرز ملامح مشروعه السياسي كما عبر عنه:
* الهجرة غير الشرعية:
وعد دونالد ترامب أن يتخذ إجراءات لترحيل ما يصل إلى 11 مليون «مهاجر دون أوراق»، وغير شرعيين، بمجرد تسلمه السلطة. ويشكك خبراء في قابلية تحقيق هذه الوعود لأسباب عدة، تشمل صعوبة التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفيدرالية من جهة، والولايات المتحدة ودول هؤلاء المهاجرين الأصل من جهة أخرى. كما وعد ترامب أن يجعل آليات الموافقة على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة أكثر صرامة ودقة، وهو التزام أكثر واقعية وقابل للتحقيق، خصوصا فيما يتعلق باللاجئين إلى الولايات المتحدة من مناطق النزاع في الشرق الأوسط. وقال إن لديه حلولا تشمل بناء مخيمات ومدن للاجئين في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، بدلاً من ترحيل اللاجئين إلى الولايات المتحدة.
* إصلاح منظومة واشنطن السياسية:
كان أحد أهم شعارات دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية: «تنظيف المستنقع»، في إشارة منه إلى ضرورة تغيير المنظومة السياسية في واشنطن، إذ يعد حديث عهد بالسياسية ودخيلا على العاصمة الأميركية. وانتقد ترامب مرارا السياسيين في واشنطن، وقال إن الفساد سببه تقديم المصالح الشخصية. واقترح المرشح الفائز تعديلا دستوريا يضع قيودًا أكثر صرامة على الفترة الزمنية لأعضاء الكونغرس في مناصبهم، والحد من عدد مرات الترشح. كما وعد بوضع قيود تمنع أعضاء الكونغرس والسلطة التنفيذية من «التحزب»، والانضمام لجماعات ضغط، والمشاركة في «لوبيات» سياسية قبل مرور خمس سنوات من تركهم الوظيفة الحكومية. إلا أن سبل تحقيق هذه الوعود تبدو مستبعدة، وتحتاج المرور عبر الكونغرس.
* العلاقات التجارية مع الخارج:
يعتبر ترامب من أشدّ المعارضين لاتفاقية «نافتا»، وهي اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، التي تضم كلا من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وكان تم التوقيع على الاتفاقية في عهد الرئيس بيل كلينتون. كما أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادي (تي تي بي)، التي تضم أكثر من 12 دولة كانت أيضا محل انتقاد من طرفه، الذي وعد بإعادة مناقشة كل من الاتفاقيتين لتخدم التجارة الأميركية بشكل أكبر. ويبدو أنه باستطاعة ترامب الرئيس إعادة التفاوض بخصوص الاتفاقات التجارية، وهي خطوة من شأنها ترك تداعيات كارثية على أسواق الأسهم والاقتصاد.
* السياسة الخارجية الأميركية:
التزم الرئيس المنتخب شعار «أميركا أولا» في حديثه عن السياسة الخارجية الأميركية. وقال في أحد لقاءاته إن حلف شمال الأطلسي «ناتو» مجحف بحق الولايات المتحدة بحجة أنها أكثر من يساهم بالعدد والعدة وحماية الأعضاء في الحلف من دون مقابل يذكر. وأضاف أن أميركا لن تدافع بعد اليوم عن أي من الدول الأعضاء، ما لم تكن تلك الدولة قد قدمت كل ما عليها من التزامات لدول الحلف. أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، فقد كان من أكثر القضايا التي انتقدها ترامب وذكر أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من هذه الاتفاقية، إذ إنها سمحت لطهران بالحصول على أكثر من 1.7 مليار دولار من السيولة، وفي المقابل، الاتفاقية لا تضمن عدم إنتاج إيران قنبلة نووية. ووعد ترامب أن يتم إعادة مناقشة هذا الاتفاق. وبالنسبة للحرب على «داعش»، فإن الرئيس الجديد لم يكن واضحًا في مخططه، وقال إنه يجب ألا تكون خطوات أميركا في القضاء على «داعش» معلنة، بل «سرية». لكنه لم يتردد في تهديد التنظيم والقضاء عليه.
* السياسات البيئية:
لا يؤمن دونالد ترامب بنظريات الانحباس الحراري، واعتبرها في إحدى تغريداته «مؤامرة صينية لإجبار الولايات المتحدة على خفض إنتاجها».
وأثارت تصريحاته حول البيئة مخاوف خبراء التغيير المناخي، إذ وعد بإلغاء التبرع بمبلغ مليار دولار الذي أقرّه أوباما للمساهمة في البرنامج الأممي لتغيير المناخ. كما قال إنه سيستثمر هذا المبلغ في تطوير البنية التحتية للولايات المتحدة. وبشكل عام، هناك وعود أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية كنوع من المزايدة، ولا يعيرها الخبراء اهتماما يذكر لكونها مجرد شعارات انتخابية غير قابلة للتحقيق، وتهدف لتعزيز فرصه لدى مجموعة معينة من الناخبين. وأبرز هذه الوعود، بناء جدار فصل فعلي على امتداد الحدود الجنوبية للبلاد مع المكسيك يتطلب التزام الكونغرس بتوفير مئات المليارات من الدولارات لإنجازه. وبالمثل، لا يملك ترامب سلطة إجبار المكسيك على تحمل تكاليف بناء الجدار، مثلما تعهد مرارًا، وإن كان بإمكانه تهديد الحكومة المكسيكية بتقليص حجم التبادل التجاري بين الجانبين أو تقليص نشاطات فرض القانون المرتبطة بمكافحة الاتجار في المخدرات.
ولقد كشف التاريخ مرارًا من قبل عن أنه أحيانا يكون من الصعب تنفيذ وعود جرى إطلاقها بسهولة أمام حشود الجماهير المتحمسة. على سبيل المثال، رغم إصدار الرئيس أوباما فور توليه الرئاسة قرارًا بإغلاق السجن العسكري في خليج غوانتانامو في كوبا للإرهابيين المشتبه بهم، فإن أعضاء من الحزبين عارضوا الخطوة. وحتى الأشهر الأخيرة من رئاسة أوباما، لا يزال السجن مفتوحًا.
من ناحية أخرى، فإن فرض رقابة صارمة على المساجد داخل الولايات المتحدة على النحو الذي دعا له ترامب، يتطلب من المحاكم إعادة تفسير الحمايات والحقوق التي كفلها الدستور. وإذا ما رغب ترامب في المضي قدمًا في مقترحه بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي لم يعد يذكره خلال الأشهر الأخيرة من السباق الانتخابي وحذف أمس من موقعه الإلكتروني، فإن هذا القرار سيكون من السهل الطعن فيه فورًا أمام القضاء بوصفه غير دستوري أو يناقض القوانين الحالية، حسبما أكد خبراء قانونيون.
ومع ذلك، فإنه من المحتمل أن يتمكن ترامب من منع دخول مجموعة أضيق نطاقًا من المسلمين الذين يعيشون في أجزاء بعينها من بعض الدول التي يسيطر عليها إرهابيو تنظيم داعش لما تتيحه قوانين الهجرة من تقييد دخول بعض الأفراد بناءً على مخاوف تتعلق بالأمن الوطني.
إضافة لذلك، ثمة وعود أخرى أطلقها ترامب تتطلّب تبديل أولويات عمل الوكالات الوطنية، مثل حديثه عن أنه سيسعى لدفع الكونغرس نحو توفير مزيد من التمويل للبرامج الجاري تنفيذها، مثل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين أصحاب السجلات الجنائية، ووعوده الأوسع نطاقًا بـ«إصلاح الهيئة المعنية بشؤون المحاربين» و«الشروع في الاهتمام بمؤسستنا العسكرية».



موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.