إردوغان يعيد جهود تطوير العلاقات مع مصر إلى المربع الأول

مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»: الخلافات السياسية بين القاهرة وأنقرة تنصب بالأساس على جماعة الإخوان

الرئيس التركي يتلقى نسخة من المصحف الشريف أهداها له رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو في مينسك أمس (أ. ب)
الرئيس التركي يتلقى نسخة من المصحف الشريف أهداها له رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو في مينسك أمس (أ. ب)
TT

إردوغان يعيد جهود تطوير العلاقات مع مصر إلى المربع الأول

الرئيس التركي يتلقى نسخة من المصحف الشريف أهداها له رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو في مينسك أمس (أ. ب)
الرئيس التركي يتلقى نسخة من المصحف الشريف أهداها له رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو في مينسك أمس (أ. ب)

أعاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان جهود تطوير العلاقات مع مصر إلى المربع الأول من جديد، باتهامه للقاهرة بدعم حركة الخدمة التي يتزعمها حليفه السابق الداعية فتح الله غولن، المقيم في أميركا، الذي يتهمه بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وظهرت إشارات إيجابية من جانب الحكومة التركية في الفترة الأخيرة بشأن تطوير العلاقات مع مصر في «المجالات الشعبية»، أي في مجالات الاقتصاد والتجارة والسياحة، وعقد لقاءات على المستوى الوزاري، بحسب ما صرح رئيس الوزراء بن علي يلدريم، الذي أكد أن أنقرة بحاجة إلى العلاقات مع مصر في مجالات معينة، بغض النظر عن مسألة اللقاء بين قيادتي البلدين. وفيما التقطت القاهرة هذه الإشارات على محمل جيد، وقالت مصادر قريبة للخارجية المصرية لـ«الشرق الأوسط» إن القاهرة تنظر إيجابيا إلى تصريحات يلدريم، جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التي أدلى بها لإحدى القنوات العربية، أول من أمس، لتخيم على الأجواء الإيجابية بين أنقرة وواشنطن، وتؤكد من جديد أن هناك عقبات قد يصعب تجاوزها بسبب إصرار إردوغان على مواقفه من القيادة المصرية، بحسب المصادر نفسها. وأشارت المصادر إلى أن كل الجهود التي بذلتها الحكومات التركية منذ عام 2013، سواء برئاسة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أو الحالي بن علي يلدريم، لتحسين العلاقات مع مصر اصطدمت في كل مرة بتصريحات من جانب الرئيس رجب طيب إردوغان. وكان إردوغان قال ردا على سؤال خلال المقابلة التلفزيونية بشأن ما إذا كانت هناك دول عربية تدعم ما يسميه بالكيان الموازي أو منظمة فتح الله غولن، في إشارة إلى حركة الخدمة: «مصر على سبيل المثال تقوم بدعم ومساندة هذه المنظمة» متابعا: «مصر تقوم بدعم الكيانات الموازية التي تتستر بالدين من أجل السيطرة على عدد من الدول العربية»، في إشارة إلى حركة الخدمة التي يتهمها إردوغان بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، مضيفا أنه يفرق بين الشعب المصري والإدارة المصرية «نحن نحب الشعب المصري وكأنه شعبنا، لذلك قدمنا كل الدعم للشعب المصري، إلا أننا ضد السلطة المصرية». وردا على هذه التصريحات، قال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية في بيان أمس: «إن هذه التصريحات غير المسؤولة وتجاوز الرئيس التركي في حق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تشكل استمرارا لمنهج التخبط وازدواجية المعايير الذي تتسم به السياسة التركية خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن الاستمرار في التحريض ضد مصر لزعزعة استقرارها».
وعبر المتحدث باسم الخارجية عن دهشته واستغرابه لتنصيب الرئيس التركي نفسه حارسا للديمقراطية وحاميا للحريات، في الوقت الذي تعتقل فيه حكومته مئات من أساتذة الجامعات والإعلاميين، وعشرات من نواب البرلمان، وتغلق عشرات الصحف، وتقصي عشرات الآلاف من الموظفين العموميين وضباط الجيش ورجال القضاء من وظائفهم، بحجة انخراطهم فيما يزعمونه مخطط الانقلاب على النظام.
ولمَّح المتحدث باسم الخارجية المصرية إلى التزامن بين تصريحات إردوغان والدعوات لاحتجاجات في مصر أمس الجمعة، حركتها جماعة الإخوان المسلمين عبر ما يسمى «حركة غلابة» بسبب ارتفاع أسعار بعض السلع في مصر، والقرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية لضبط الأداء الاقتصادي.
وبشأن ما إذا كانت تصريحات إردوغان تعكس توجها جديدا يخالف الخط الذي عبرت عنه حكومة بن علي يلدريم تجاه تطوير العلاقات مع مصر، كشفت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» عن وجود تباينات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهناك إدراك لضرورة وأهمية العلاقات مع مصر سياسيا واقتصاديا، لكن هناك ملفات معقدة أيضا تقف عقبة في طريق تطوير هذه العلاقات، ويتمسك بها الرئيس رجب طيب إردوغان بينما تعتبرها القاهرة تدخلا في شؤونها الداخلية.
ولفتت المصادر إلى أن الخلافات السياسية بين القاهرة وأنقرة تنصب بالأساس على جماعة الإخوان المسلمين، ومحاولات تركيا إعادتها إلى الساحة السياسية من جديد، كما أن حديث أنقرة المتكرر عن غياب الديمقراطية والإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين في مصر يؤدي إلى تفاقم المشكلة وتعقيد الجهود المبذولة للحل، على الرغم من وجود الرغبة في تطوير العلاقات مع إدراك أنقرة لأهمية العلاقات مع مصر باعتبارها قوة إقليمية رئيسية وفاعلة، على الرغم من الأزمة الاقتصادية الراهنة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».