أول تحديات الرئيس المنتخب.. تشكيل فريق حكومي متين

الذين شغلوا مناصب مهمة في الإدارة الفيدرالية ويدعمونه ليسوا كثرًا

نيوت غينغريتش الرئيس السابق لمجلس النواب يطرح اسمه لمنصب وزير الخارجية (أ.ب)
نيوت غينغريتش الرئيس السابق لمجلس النواب يطرح اسمه لمنصب وزير الخارجية (أ.ب)
TT

أول تحديات الرئيس المنتخب.. تشكيل فريق حكومي متين

نيوت غينغريتش الرئيس السابق لمجلس النواب يطرح اسمه لمنصب وزير الخارجية (أ.ب)
نيوت غينغريتش الرئيس السابق لمجلس النواب يطرح اسمه لمنصب وزير الخارجية (أ.ب)

لم يشغل ترامب أي منصب سياسي من قبل، بل عمل طوال حملته مع فريق بعيدا عن النخب السياسية والحكومية الحالية. الاعتقاد السائد، وهو نقطة ضعف ترامب على الأرجح، أن المسؤولين المحنكين في العمل الحكومي الذين شغلوا مناصب مهمة في الإدارة الفيدرالية ويدعمونه، ليسوا كثرا. وهذه تبقى من النقاط المجهولة في الرئاسة المقبلة، أي قدرته على تشكيل فريق قادر على إقناع الأميركيين بأن يثقوا في إدارته.
من الشخصيات المطروحة ابنته إيفانكا ترامب (35 عاما) التي يملك معها واحدة من الفرص النادرة لإشراك نساء وشباب في فريقه الذي يغلب عليه الرجال من عمر محدد.
فيما يأتي لائحة بأبرز داعميه وحلفائه والوظائف التي قد يشغلونها:
- كريس كريستي (54 عاما): حاكم نيوجيرسي، هو مبدئيا رئيس الفريق الانتقالي لرجل الأعمال الثري المكلف بالإعداد لتسلمه السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) 2017، لكن موقفه قد يضعف بعد إدانة اثنين من القريبين منه في نيوجيرسي يشتبه بأنهما تسببا باختناقات هائلة في حركة السير لمعاقبة رئيس بلدية يعد خصما سياسيا.
- رودي جولياني (72 عاما): رئيس بلدية نيويورك السابق (1994 - 2001)، يعرف رجل الأعمال منذ عقود وقدم له دعما كبيرا وثابتا بما في ذلك أسوأ أوقات الحملة. كان جولياني مدعيا فدراليا مكلفا بمكافحة المافيا واشتهر بنجاحه في خفض معدلات الجريمة في نيويورك، ويرد اسمه بين المرشحين لمنصب وزير العدل.
- نيوت غينغريتش (73 عاما): الرئيس السابق لمجلس النواب والشخصية المهمة في الحزب الجمهوري، يطرح اسمه لمنصب وزير الخارجية. شغل مقعدا في مجلس النواب من 1979 إلى 1999. ذكي جدا وغني بالأفكار. يعرف الجميع في واشنطن لكنه مثل ترامب، يتمتع بشخصية حادة.
- في بداية حملته، قال ترامب إنه يريد تعيين رجل المال كارل إيكان (80 عاما) وزيرا للخزانة، لكن يبدو أنه سيعهد بهذا المنصب على الأرجح إلى ستيف منوشين الذي كان في الماضي يعمل في مجموعة «غولدمان ساكس» وقدم له الدعم.
- لحقيبة التجارة، طرح اسم رئيس مجلس إدارة مجموعة الصناعات الحديدية «نيوكور» دانيال ديميكو. كما طرح اسمه لمنصب ممثل التجارة المكلف بالتفاوض حول الاتفاقات التجارية الدولية للولايات المتحدة. وهذا المنصب حيوي بسبب نيات ترامب في هذا المجال، وقد رشح أستاذ الاقتصاد بيتر نافارو لشغله أيضا.
- هارولد هام (70 عاما) رئيس مجلس إدارة مجموعة إنتاج النفط «كونتينتال ريسورسز» رشح ليكون وزيرا للنفط. وهام ملياردير من أوكلاهوما (جنوب) وصديق ترامب منذ فترة طويلة وله تأثير كبير على سياسته في مجال الطاقة. كما طرح اسم الخبير المالي روبرت غرادي للمنصب أيضا.
- السيناتور عن تينيسي (جنوب) بوب كوركر (64 عاما)، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ على لائحة المرشحين لوزارة الخارجية.
- السيناتور عن ألاباما (جنوب) جيف سيشنز (69 عاما) عضو لجنة القوات المسلحة يدعم الرئيس الجديد بلا شروط. وهو مرشح ليكون وزيرا للدفاع، مثل السيناتور السابق عن ميسوري (وسط) جيم تالنت (60 عاما).
- النائب عن كاليفورنيا دانكان هانتر (39 عاما) قد يكون له دور في فريق الأمن القومي.
- الجنرال مايك فلين (58 عاما)، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الأميركية، يمكن أن يتم اختياره ليكون وزيرا للدفاع لكنه ترك ذكرى مثيرة للجدل في البنتاغون. كما يطرح اسم ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي السابق في عهد جورج بوش الابن.
- ويفكر ترامب في تعيين جون بولتون (67 عاما)، أحد صقور المحافظين الجدد وسفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة في عهد بوش، في منصب وزير الخارجية.
- أما روبرت لايتيزر، مساعد الممثل السابق للتجارة في عهد رونالد ريغان، فقد يصبح وزيرا للتجارة.
وعبر بعض الكوادر الحاليين الكبار في جلسات خاصة عن دعمهم ترامب، على أمل أن ينجح رئيس مجموعة كبيرة في إنعاش الآلة الحكومية الأميركية الهائلة. لكن حجم هذا المعسكر غير معروف.
ولا يذكر ستيفن بانون (62 عاما) الذي يتمتع بنفوذ كبير والمدير العام لفريق الحملة، ولا كيليان كونواي (49 عاما) مديرة الحملة، بين المرشحين لمناصب في فريق إدارة ترامب.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟