«فن السلام».. معرض باريسي يكشف أسرار وكنوز الدبلوماسية الفرنسية

يتضمن وثيقة «سايكس ـ بيكو» وعلاقة فرنسا بالمشرق العربي

بعض المعروضات في معرض {فن السلام{ - لوحة فيليبي شامباني التي رسمت عام 1942 وتصور الكاردينال ريشليو - معاهدة واستفاليا عام 1648
بعض المعروضات في معرض {فن السلام{ - لوحة فيليبي شامباني التي رسمت عام 1942 وتصور الكاردينال ريشليو - معاهدة واستفاليا عام 1648
TT

«فن السلام».. معرض باريسي يكشف أسرار وكنوز الدبلوماسية الفرنسية

بعض المعروضات في معرض {فن السلام{ - لوحة فيليبي شامباني التي رسمت عام 1942 وتصور الكاردينال ريشليو - معاهدة واستفاليا عام 1648
بعض المعروضات في معرض {فن السلام{ - لوحة فيليبي شامباني التي رسمت عام 1942 وتصور الكاردينال ريشليو - معاهدة واستفاليا عام 1648

يستضيف «القصر الصغير» في باريس القائم على بعد رمية حجر من جادة الشانزليزيه، معرضا استثنائيا يقيمه حتى 15 يناير (كانون الثاني) المقبل، بالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية تحت عنوان: «فن السلام». وأهمية المعرض أنه يضع بأيدي الزائر وثائق دبلوماسية أساسية كان لها دور في تاريخ فرنسا وأوروبا والعالم، وهي من محفوظات الأرشيف الوطني الفرنسي. المعرض، كما يدل عليه اسمه، يقوم على مبدأي الحرب والسلام ومن زاوية أن المعاهدات والاتفاقيات غرضها كبح الحروب وتوفير السلام.
ورغم أن المبدأ شيء والواقع شيء آخر، فإن المعرض يبسط أمام الزائر نحو مائة معاهدة ووثيقة تعرض للمرة الأولى، وتغطي مراحل تاريخية واسعة (نحو ألف سنة) تبدأ مع القرون الوسطى وتمتد إلى العصر الحديث. إنها مجموعة من الوثائق الاستثنائية (40 مخطوطة و60 وثيقة) تنقل إلينا صورة معاهدات واتفاقيات أبرمتها فرنسا مع دول خارجية.
وحتى لا يكون المعرض بالغ الصرامة، فقد أثريت بمجموعة من اللوحات والرسوم والمنحوتات التي وضعت لتمكن الزائر من الربط بين الوثائق والمعاهدات من جهة؛ والشخصيات التي كان لها دور في إبرامها من جهة أخرى. وبالطبع، كان للفنانين دور في «تخليد» هذه اللحظات التاريخية المهمة.
ربما سيكون الزائر العربي مشدودا للتمعن في الوثيقة التي تمثل اتفاقية «سايكس - بيكو» المبرمة في 9 مايو (أيار) من عام 1916؛ أي قبل عامين من انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي تقاسمت فرنسا وبريطانيا بموجبها إرث «الرجل المريض»؛ أي الإمبراطورية العثمانية المتحالفة مع دول المحور (ألمانيا والنمسا وبلغاريا).
وفيما يدور الحديث عن ترسيم جديد لإرث «سايكس - بيكو»؛ أي للدول التي ولدت عن التقاسم البريطاني الفرنسي (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين)، يبدو من المهم العودة إلى هذه الوثيقة والتمعن فيها، خصوصا أن تركيا مثلا تريد في 2016 أن تصحح ما يسميه بعض الأتراك «الخطأ التاريخي» الذي حرم بلادهم من نفط الموصل وشمال العراق، أو من الرقة وحتى من حلب.
ومن المفيد أيضا، بفضل المعرض في «القصر الصغير»، أن نتذكر أن مراسلات مارك سايكس البريطاني وفرنسوا بيكو الفرنسي استمرت لمدة سنة تقريبا، وانتهت في مايو 1916 بتوقيع صادق عليه وزير الخارجية الروسي سازونوف.
يذكر أن بريطانيا، أجرت في الوقت ذاته اتصالات مكثفة مع أمير مكة المكرمة الشريف حسين بن علي الذي كان يخطط للثورة العربية الكبرى وتأسيس مملكة الحجاز. ولذا، فالتساؤل الذي يطرح نفسه ويوحي به تأمل وثيقة «سايكس - بيكو» هو: هل نحن اليوم أمام «سايكس - بيكو» جديدة ستحدد مصير المنطقة لمائة عام إضافية؟
الطابع الرسمي لمعرض «فن السلام» لا ينفي قيمته الفنية والتاريخية؛ ففيه الوثائق التي تعرض لأول مرة لعامة الناس على مستوى العالم. ومن بين 25 ألف وثيقة توجد في خزينة المحفوظات الدبلوماسية الفرنسية، تم انتقاء معاهدات لا تقتصر فقط على فترات ازدهار فرنسا وانتصاراتها، بل على فترات الضعف والهزائم أيضا. كما أن الوثائق لم تتغافل عن الصورة الاستعمارية لفرنسا وعن رغبتها في إحلال السلام العالمي كما تتصوره في فترة لاحقة.
من الناحية المادية، وحتى عام 1945، كانت المعاهدات والاتفاقيات، إلى جانب قيمتها السياسية والدبلوماسية وما ترسمه بين الدول، ذات قيمة فنية نادرة؛ فهي تحمل توقيع الفنانين ولمساتهم.. فالمعاهدة مثلا تكتب بطريقة فنية على ورق من الذهب أو باستعمال أنسجة مطرزة ومواد راقية تضفي عليها مسحة جمالية أخاذة. ومن الأمثلة على ذلك، رسالة كتبها ملك فرنسا الشهير لويس الرابع عشر على ورق من الذهب موجهة لأحد أقرانه.
في علم الاستراتيجيا، ثمة مبدأ متعارف عليه فحواه أن الحرب استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى. ومعرض باريس يأتي بالبرهان على أن الدبلوماسية رغم التعقيدات، فإنها يمكن أن تكون سبيلا لتلافي الحروب وما تحمله من مآس وآلام.

من أبرز ما يتضمنه معرض «فن السلام» الاتفاقيات والوثائق التالية:
- وثيقة مؤتمر برلين 1885: التي عجل بموجبها الأوروبيون احتلال أفريقيا.
- معاهدة ميونيخ 1938: وتنص على قبول بريطانيا وفرنسا طلب ألمانيا بضم أحد أقاليم تشيكوسلوفاكيا.
- معاهدة الأراس 1482.
- كتاب القديس أغسطينوس (354 - 430) «مدينة الله»: وهو أحد أهم المؤلفات في تاريخ الفلسفة المسيحية.
- كتاب كريستين دو بيزان (1363 - 1430) المسمى «كتاب السلام».
- معاهدة ماسترخت 1992: هي المعاهدة التي تم بموجبها إنشاء الاتحاد الأوروبي.
- قسم ستراسبورغ: وهو أول معاهدة كتبت باللغة الفرنسية، ومن خلالها يتضح أن السلام مسألة كانت في البداية عائلية. وهذا القسم تم في عهد الملك شارلماني، وبموجبه قسمت التركة بين أبنائه الثلاثة بدلا من تفضيل الابن البكر.
- اتفاقية كريستوف كولمبوس: وقعت في 1492 مع الملوك الكاثوليك الإسبان، وجاء فيها أن كولمبوس «بصفته مكتشفا للجزر والقارات في البحر والمحيط» سيمنح رتبة أمير البحار والمحيطات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».