حزب الله يراكم الخبرات في سوريا.. ومقاتلوه يتدربون على الأسلحة الثقيلة في إيران

نحو خمسة آلاف مقاتل ينتشرون قرب الحدود السورية.. وثلاثة أرباع المتطوعين يستسلمون باكرا

مقاتلون من حزب الله خلال مهمة ببلدة القصر اللبنانية الحدودية مع سوريا (أ.ب)
مقاتلون من حزب الله خلال مهمة ببلدة القصر اللبنانية الحدودية مع سوريا (أ.ب)
TT

حزب الله يراكم الخبرات في سوريا.. ومقاتلوه يتدربون على الأسلحة الثقيلة في إيران

مقاتلون من حزب الله خلال مهمة ببلدة القصر اللبنانية الحدودية مع سوريا (أ.ب)
مقاتلون من حزب الله خلال مهمة ببلدة القصر اللبنانية الحدودية مع سوريا (أ.ب)

منذ انخراطه في الحرب السورية قبل قرابة عامين، يخوض حزب الله اللبناني تجربة ميدانية مختلفة، يخشى أعداؤه من أن تراكم المزيد من الخبرات لدى مقاتلي الحزب الذين انتقلوا من معارك حرب العصابات التي تعتمد «الكر والفر»، إلى الحروب النظامية التي تمتاز بالانتشار الواسع والخطط العسكرية الثابتة وترابط الخطوط دفاعا وهجوما.
وانتقل الحزب، في مقاتلته مع الجيش السوري النظامي، من المعارك ضد الدبابات والطائرات، إلى معارك يحظى فيها بإسناد هذين السلاحين الجديدين إلى ميدان الحزب، ومقاتليه. وتبين أن مقاتلي الحزب ركبوا الدبابات، وهو سلاح لم يستعمله الحزب في قتاله الطويل مع إسرائيل منذ تأسيسه وحتى اليوم، خلافا لما فعلته الميليشيات اللبنانية الأخرى وغيرها باعتبارها (الدبابات) تكون صيدا سهلا لسلاح الطيران.
وأكد مصدر في الجيش الحر لـ«الشرق الأوسط» أن النظام يعتمد بشكل أساسي في عملياته على مقاتلي حزب الله نظرا إلى خبرتهم في قتال الشوارع والكمائن. ولفت المصدر إلى أن الجيش النظامي يتولى عمليات القصف المدفعي تمهيدا لمقاتلي الحزب الذين يقومون بالعمليات البرية المدربين عليها جيدا وغالبا، معتبرا أن انسحاب حزب الله من القتال في سوريا سيؤدي حتما إلى سقوط النظام.
ويقول أندرو اكزوم، الموظف السابق في وزارة الخارجية الأميركية والخبير في الشؤون اللبنانية، لوكالة الصحافة الفرنسية «هناك جيل جديد من مقاتلي حزب الله يخوض تجربته القتالية الأولى في سوريا. أتصور أنهم يكتسبون خبرة جيدة في القتال ضمن مجموعات صغيرة في مواجهة حقيقية في ساحة المعركة»، وليس من خلال معارك وهمية تنفذ عادة في التدريبات.
ويقول أبو علي (40 عاما) الذي شارك في حرب يوليو (تموز) 2006 ضد إسرائيل وفي حرب القلمون الشهر الماضي «مع إسرائيل كنا في مواجهة عدو واحد. أما في سوريا، فلا نعرف من نواجه (...) وفي جنوب لبنان، نعرف الأرض والجغرافيا، بينما في سوريا لا نعرفها». ويضيف «القتال في سوريا ليس سهلا.. فهناك مساحات شاسعة، صحراء وجبال ووديان..».
واعتمد حزب الله منذ تأسيسه على يد الحرس الثوري الإيراني في مطلع الثمانينات مبدأ «الدائرة المغلقة» في اختيار عناصره الذين كانوا في غالبيتهم الساحقة من أبناء الطائفة الشيعية، لكن الانتماء الطائفي لم يكن وحده العامل المرجح في اختيار المقاتلين، فالولاء المطلق والالتزام الديني كانا - وما زالا - من الأسس القوية لقبول المقاتلين والمحازبين، والدليل على ذلك أن أقل من ربع الذين ينخرطون في دورات الحزب التدريبية يكملون المشوار، فيما يغادر ثلاثة أرباعهم قبل التخرج.
وإن لعبت كثافة التدريبات وقسوتها دورا في إبعاد المقاتلين عن عضوية الحزب، فإن العدد الأكبر من هؤلاء يغادرون الدورات التدريبية قبل الوصول إلى مرحلة التدرب على السلاح، وفق ما يؤكد مصدر لبناني مطلع على أجواء الحزب لـ«الشرق الأوسط». ويشير المصدر إلى أن أعضاء الحزب يخضعون لدورتين «تثقيفيتين» بمجرد طلبهم الانتماء إلى الحزب، الدورة الأولى تسمى دورة «الجنود»، تليها دورة «الأنصار». وتنص قواعد الحزب على أن تكون هناك فترة زمنية فاصلة بين الدورتين تقارب الستة أشهر. وتشير عبارة «تثقيفية» إلى دورات دينية مكثفة تتعلق بالعقائد، بالإضافة إلى التوجيه السياسي.
وبمجرد تخرج المقاتل من التدريب الديني، ينتقل فورا إلى التدريب العسكري، لكن ليس قبل خضوعه إلى عملية استجواب مكثفة في غرف مغلقة، تسبقها تحريات مكثفة عن تاريخه وارتباطاته العائلية وغيرها، ويواجه المنتسب بأسئلة عن تاريخه، وعن بعض التفاصيل الغامضة في حياته، قبل أن يتخذ قرار القبول.
وبعد قبوله، يخضع كل مقاتلي الحزب إلى دورة عسكرية موحدة، تسمى دورة «التعبئة»، وهي عبارة عن دورة عسكرية تشمل الأساسيات تدوم 45 يوما - تجرى عادة في معسكرات الحزب في البقاع اللبناني - يوزع بعدها العناصر على وحداتهم، لكن لا تسند أي مهمات قتالية لهم، بل يستعملون لحماية المقرات وحراسة بعض المكاتب، وهؤلاء لا ينقلون للقتال في سوريا عادة، لكن النقص في المقاتلين أجبر الحزب في وقت سابق على الاستعانة بهم لتأمين المراكز التي احتلت من قبل وحدات النخبة التي تنتقل إلى موقع آخر.
ويجري اختيار أوائل الدفعات في دورات التعبئة، للمشاركة في دورات النخبة، بدءا من دورة «التدخل» التي تستغرق ثمانية أشهر، ينتقل خلالها المقاتلون إلى إيران للمشاركة في مناورات وتدريبات بالذخيرة الحية والأسلحة الثقيلة تكون غالبا قاسية جدا وفي ظروف تشبه ظروف المعركة الحقيقية.
وتلي دورات التدخل دورة أخرى أكثر تقدما، تسمى «دورة الرضوان»، في إشارة إلى القائد العسكري السابق للحزب الذي اغتيل في سوريا منذ سنوات عماد مغنية الملقب بـ«الحاج رضوان». وتدوم هذه الدورة سنتين، ينقطع خلالها المشارك بها نحو أربعة أشهر متواصلة عن عائلته، قبل عودته إليهم في زيارات سريعة يعود بعدها لتدريباته الخاصة، وتردد أن الحزب دمج مؤخرا الدورتين في دورة واحدة للإسراع في تخريج مقاتلي النخبة.
وبالإضافة إلى هذا، يذهب المتخرجون نحو «دورات الاختصاص» التي تشمل الكثير من الاختصاصات كالمسعف والقناص وسلاح «المضاد للدروع» والوحدات الصاروخية والدفاع الجوي، وأخيرا «المهندس» أو «سلاح التخريب» الذي يشمل فنون زرع العبوات، ويقال إن أصحاب هذا الاختصاص هم «المدللون» داخل الحزب. غير أن ضباط الاختصاص يفترض بهم أن يدرسوا كل الاختصاصات وأن يكون «آمر مجموعة» في كل وحدة من وحدات الاختصاص.
ويقدر عدد مقاتلي حزب الله في سوريا بخمسة آلاف. ويتلقى عناصر الحزب قبل ذهابهم إلى الميدان دورات تدريبية في لبنان في مرحلة أولى، ثم في إيران. ويذكر أحد هؤلاء، وقد قدم نفسه باسم أبو محمد (30 سنة) من منطقة بعلبك، أن الدورات التدريبية في صفوف الحزب حاليا «أكثر كثافة، لأننا نقاتل منذ أكثر من سنتين بشكل متواصل من دون توقف». ويقول مقاتلون في الحزب إن التجنيد بلغ أوجه خلال السنة الماضية بعد الإعلان عن انخراط الحزب في النزاع السوري، لكن الوتيرة تراجعت قبل أشهر، «لأن العدد أصبح كافيا»، بحسب ما قال أحدهم.
كما يلعب الحزب دورا في تدريب بعض المجموعات السورية. ويؤكد مقاتل يقدم نفسه باسم أبو حسين (40 عاما)، وهو قائد مجموعة، أن «بعض عناصر الجيش السوري غير منضبطين.. وأحيانا غير كفؤين، وقد وجهوا أكثر من مرة نيرانهم عن طريق الخطأ إلى مقاتلي الحزب»، مضيفا «ليست لديهم خبرة في حرب الشوارع».
ويبرر حزب الله مشاركته في القتال السوري بمحاولة منع «المجموعات التكفيرية» من الوصول إلى لبنان. كما أكد الأمين العام للحزب حسن نصر الله أنه لن يسمح بسقوط النظام السوري، حليف «المقاومة» الأول. ويؤكد مقاتلو الحزب أن من يذهب إلى سوريا لا يحتاج إلى إقناع، مرددين الخطاب نفسه حول ضرورة ردع المتطرفين ومساندة بشار الأسد الذي «دعمنا في حرب يوليو 2006».
ويقول فيليب سميث، من جامعة ميريلاند الأميركية، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه بالنسبة إلى العديد من عناصر حزب الله، المعركة هي أيضا «نوع من الجهاد الدفاعي عن المقامات الشيعية (مثل السيدة زينب قرب دمشق) في ظل هجمة على الطائفة الشيعية في المنطقة».
ويقول كنان محمد، المتحدث باسم وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التي شكلها الائتلاف السوري المعارض، إن حزب الله يقاتل لسبب استراتيجي وبالدرجة الأولى في الخط الحدودي المتاخم لمناطق نفوذ الحزب في لبنان، فيما يتولى إدارة العمليات خبراء إيرانيون. وأشار في حديثه لـ «الشرق الأوسط» إلى أن مقاتلي الحزب يتصدرون في معظم المعارك الخطوط الأمامية على خلاف عناصر قوات النظام.
في المقابل، قال الخبير العسكري المقرب من حزب الله، العميد المتقاعد أمين حطيط، إنه أثناء العمليات المشتركة التي تحصل في سوريا، لا أحد يستطيع أن يثبت ما يحصل على الأرض، وما ينقل من معلومات ليس إلا من باب التكهنات انطلاقا من الصورة الموجودة في الأذهان لحزب الله منذ حرب يوليو 2006. وأوضح حطيط في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش السوري مدرّب لقتال جيوش دول على خلاف حزب الله المدرب لخوض حرب عصابات النخبة بعقيدة ما يعرف بـ«الجيل الرابع»، وانطلاقا من هذا الواقع ولأن المعارك على الأرض هي حرب عصابات، فمن البديهي، بحسب حطيط، أن «تكون لعناصر الحزب خبرات مميزة لا سيما في مركز ثقل وجود حزب الله، أي دمشق ومحيطها، وقد يقوم خبراؤهم في المناطق التي تقع خارج هذا المركز بتقديم المشورة للقائد العسكري في الجيش السوري على الأرض، والدليل على ذلك أن الانتصارات لا تقتصر على المناطق التي يوجد فيها الحزب». وأشار حطيط إلى أن قادة الجيش السوري كما الحزب، تملك زمام المبادرة على الأرض، مؤكدا في الوقت عينه أن القرار النهائي بيد القيادة السورية.



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.