توم هانكس لـ «الشرق الأوسط»: أحب العمل مع ممثلين من ثقافات أخرى

مسيرة هوليوودية حافلة حصد فيها الممثل الأميركي أوسكارين وبانتظار الثالث

فيليسيتي جونز في «جحيم»
فيليسيتي جونز في «جحيم»
TT

توم هانكس لـ «الشرق الأوسط»: أحب العمل مع ممثلين من ثقافات أخرى

فيليسيتي جونز في «جحيم»
فيليسيتي جونز في «جحيم»

قبل سنوات طويلة، لا يقول توم هانكس عددها، اجتاز الممثل المعروف الولايات المتحدة من الشرق إلى الغرب بسيارته. قطع المسافة، التي تصل إلى أكثر من 4500 كلم، وحيدًا. لم يكن في سباق وليس من النوع الذي يخشى ركوب الطائرات، لكنه أراد أن يعرف معنى الوحدة.
يقول في لقائنا: «نمت في مرآب للسيارات، ولجأت إلى قارب بخاري واجتزت ثلاثة أو أربعة أيام من دون أن ألتقي بأي شخص. هذا شيء أدعوك للقيام به. تجربة أن تكون وحيدًا لبضعة أيام».
الوحدة موضوع أبلى به توم هانكس بلاء حسنًا على الشاشة أيضًا عندما لعب «معزول» (Cast Away) سنة 2000 حول ذلك الموظف الذي وجد نفسه قد انتهى إلى جزيرة صغيرة في المحيط بقي فوقها لسنوات متعلمًا كيف يبقى حيّا كما لو كان الإنسان الأول. عن ذلك الفيلم رشح توم هانكس للأوسكار لكنه لم ينله (ذهبت يومها إلى راسل كراو عن (المبارز) The Gladiator). لكن هانكس كان فاز بأوسكارين سابقين الأول عن دوره في «فيلادلفيا» (1993) والثاني عن دوره في «فورست غامب» (1994). وإذا ما صدقت التوقعات فإن موعده في دورة العام المقبل من الأوسكار عن دوره في فيلم «صولي» أحد ثلاثة أفلام ظهرت للممثل هذه السنة وأفضلها.
* مسؤولية فردية
توم هانكس ليس شابًا. يبلغ حاليًا الستين من العمر. لكن كبر السن لا يبدو على محياه. فقط ذلك التوهج الناتج عن رغبته الحثيثة، ربما اليوم أكثر من أي يوم مضى، في مواصلة ما بذله من جهد وحققه من نجاح طوال 34 سنة شغلها تمثيلاً وإنتاجًا وتعامل خلالها مع بعض أفضل وأنجح مخرجي السينما بالأمس واليوم مثل جو دانتي، جوناثان دَمي، روبرت زميكيس، ستيفن سبيلبرغ، رون هوارد وسواهم.
هذا الأسبوع. ومباشرة بعد «صولي» الذي ما زال يعرض في بعض العواصم، بوشر بعرض فيلمه الأخير «جحيم» Inferno وهو ثالث الاقتباسات السينمائية التي قام رون هوارد بإخراجها وتوم هانكس ببطولتها عن روايات لدان براون. وهو احتل المركز الأول في العروض الأميركية تمامًا كما فعل «صولي» في مطلع الشهر الماضي، سبتمبر (أيلول).
* لعبت حتى الآن بطولة ثلاث روايات من أعمال الكاتب دون براون هي «شفرة دافينشي» سنة 2006 و«ملائكة وشياطين» سنة 2009 والآن «جحيم». في رأيك ما سبب الإقبال الكبير الذي تشهده هذه الروايات؟
- كروايات أعتقد أن السبب الأول هو أنها تطرح أسئلة في المسلّمات الأساسية حول النبي عيسى ومريم العذراء. تطرح ما يستحق النقاش. أيضًا حول مسائل تتعلق بالماضي كما ورثناه و - كما الحال في «جحيم» - المستقبل أيضًا. السؤال هنا هو ماذا سيفعل العالم بسكانه؟
* كيف؟
- إذا ما عمدت إلى علم الحساب ستجد أن هناك الكثير منا (البشر) يسكنون على هذا الكوكب وأنه في المستقبل سوف لن يكون هناك ما يكفي لنا من طعام وماء أو فضاء نظيف. ثم هناك الصياغة ذاتها. إذا كنت تقرأ كتابًا لبراون فإنه من الصعب عليك أن تتركه من يدك. في هذه الرواية لا تعرف ما الذي سيحدث لشخصية روبرت لاغندون (التي يقوم بتمثيلها هانكس). لماذا فقد ذاكرته؟ إلى أين هو ذاهب؟ من الذي يحاول قتله؟.
* ما الوضع الحالي بالنسبة لجهود تنقية الأجواء والبيئات المختلفة؟ هل تتابع ذلك؟
- نعم. أعتقد أن الولايات المتحدة تقود الجهود في هذا السبيل. شخصيًا أقود سيارة كهربائية منذ عام 2003 أي منذ أن توفرت هذه السيارات في الأسواق. وهناك مجتمع واع يقف وراء هذه الجهود. والمسألة هي أن الأمر يتوقف عند خيار كل منا. يستطيع أن يساهم في تنقية الأجواء والحفاظ على البيئة كما يستطيع أن يمضي في حياته من دون تحمل مسؤولة. وهناك كثيرون يتحملونها. لسنا آمنين بعد لكننا، في اعتقادي، نقود الطريق.
* هوية خاصة
* بين كل رواية لدان براون يتم نقلها وأخرى عدة سنوات. هل يعود ذلك إلى أنكم، كصانعي هذه السلسلة، تنتظرون مناسبة معيّنة أو تتوخون التأكد من أن النجاح مؤكد لتقديم حلقة أخرى؟
- لا. ليس على الإطلاق. ليس هناك من عقد لتحقيق سلسلة أفلام كما الحال مع غالبية السلاسل السينمائية التي يتم إنتاجها. هذه ليست أفلام صفقات علينا أن ننجزها متتابعة. كل فيلم يتم الاتفاق عليه على نحو منفصل وتبعًا لقوّة المضمون ورغبتنا نحن في تحقيقه. الشيء المؤكد أن روايات براون تستأهل التحوّل إلى أفلام لذلك نبدأ دائمًا من المربع الأول.
* لذلك يبدو لكل فيلم حكايته المنفصلة، خصوصًا هذا الفيلم بالمقارنة مع الفيلمين السابقين
- تماما. ليست حكاية واحدة متتابعة. نحن لا نقفز على هذه الأفلام وفي البال القيام بتقديم جزء أول وثان وثالث
* هناك ممثل أريد سؤالك عنه هو الفرنسي عمر سي والدنماركية سيدسي نودسن.
- عمر لديه خاصّتان مهمتان. الأولى هي أنه رجل أسود البشرة ذو حجم كبير يفرض وجوده على من يظهر معه في الفيلم. الثانية أنه دائم الابتسامة. وجهه مثل قطعة حلوى وحضوره خلال التصوير يجلب السعادة. لم أذكر أنه جيد وموهوب في عمله لأن ذلك أمر بدهي. أفضل أوقات العمل تلك التي قضيتها معه خلال التدريب. كان يحاول جهده إتقان اللهجة، لكني قلت له: «أنت فرنسي ولديك لكنة. طالما أن الجمهور يفهمك، لماذا الاكتراث؟».
* كيف يختلف الممثل الأميركي عن الممثل غير الأميركي في رأيك؟
- أحب أن أعمل مع أشخاص من ثقافات أخرى لأنهم لا يزيفون من هم. كثير ما حدث في «جحيم» أننا كنا مثل مندوبي الأمم المتحدة. أصل إلى موقع التصوير وألتقي بعمر القادم من فرنسا وعرفان خان من الهند وسيدسي بابت نودسن من الدنمارك وآخر من تركيا، لا أذكر اسمه. المخرج طلب من كل ممثل أن يحافظ على شخصيته وهويته وهم كانوا في الأصل مستعدين لذلك.
* سياحة فنية
* تم تصوير هذا الفيلم في عدة دول: تركيا، وإيطاليا، والمجر، وفرنسا… هل لديك الوقت لكي تكون سائحًا خلال العمل؟
- ليس دائمًا. لكن الكثير من المشاهد صورت في المتاحف والغاليريهات. أحيانا ما يكون لدينا بعض الوقت لزيارة هذا التاريخ الرائع الذي نحن محظوظون بأنه ما زال موجودًا بيننا، لم يُتلف أو يفقد. كنت في غاليري أوفيزي (في متحف فلورنسا) وسألت مديرته إذا ما كانت هناك لوحة واحدة علي أن أراها في هذا المتحف، تراها ما تكون؟ أخذتني المشرفة من جناح رائع إلى آخر حتى وصلت إلى لوحة «صعود فينوس» (للإيطالي ساندرو بوتيشيللي). وقفنا أمام تلك اللوحة وقالت: «هنا ولد عصر النهضة». كان ذلك رائعًا جدًا. عدت إلى المتحف مع فيليسيتي جونز (الممثلة البريطانية التي تشاركه البطولة) وشاهدنا كل ما نستطيع مشاهدته منتقلين بين كثير من الأجنحة والغرف. هناك قاعة اسمها «قاعة الـ500» صورنا فيها بعض المشاهد وعشنا بين لوحاتها المعلقة.
* أجمل ما في عمل الممثل هو تلك الفرص التي يستطيع فيها الجمع بين العمل والترفيه.
- صحيح. لكن كما تعلم هذه المتاحف متوفرة في كل أوروبا وأميركا وفي متناول الجميع زيارتها. لا يجب أن ينتظر أحد أن يصبح ممثلاً (يضحك).
* ماذا عن «صولي».. إنه عن رجل فعل الشيء الصحيح عندما حط بطائرته فوق نهر هدسون في نيويورك وواجه المحققين الذين أرادوا إثبات أنه فعل الشيء الخطأ. كيف قررت تمثيل هذه الشخصية؟
- هي شخصية حقيقية لكن دوري وبموافقة كلينت (إيستوود، المخرج) كان تقديم الواقع بالنسبة للحكاية ولا يهم البحث في الجوانب النفسية أو الاجتماعية كثيرًا. لم تكن الرغبة تقديم سيرة حياة لذلك كنا متحررين من كثير من الحقائق الشخصية. لا أقصد أنني مثلت شخصية خيالية أو أنني لم أشأ تقديمها على نحو واقعي، لكن الأهم بالنسبة إلينا وإلى الفيلم بأسره أن نسرد ما جرى بالنسبة لتلك الحادثة وما تلاها من تحقيقات.
* هذه كانت المرّة الأولى التي تمثل فيها تحت إدارة إيستوود. كيف كانت التجربة؟
- هو من هؤلاء السينمائيين الذين لا بد من أن تمثل تحت إدارتهم. كل ما قرأته وسمعته عن كيف يخرج أفلامه صحيح لكن المدهش هو الحكمة الكبيرة التي تتأتى تلقائيًا خلال التصوير. حكمة في كيفية العمل الدؤوب. المستمر. لماذا يفضل أن يعتمد المشهد الأول والثاني حتى ولو سمح لنفسه بتصويره أكثر من مرّتين. علاقته بالممثل والتجاوب الكبير معه. إنه يعرف كل شيء.
* هل يعود ذلك إلى أنه كان ممثلاً بدوره؟
- بالتأكيد لهذا سبب كبير لكنه ليس السبب الوحيد.
* إجمالاً، كيف تحضر لكل شخصية من شخصياتك؟ لقد مثلت الكثير من الشخصيات وكلها مختلفة.
- هناك تحضير واحد أقوم به فقط أواجه به كل الشخصيات التي أقوم بها وهو أن أهاجمها. أدرس كل شخصية في حياتها اليومية وفي أصغر التفاصيل وعندما آتي إلى العمل أكون حاضرًا لكي أقوم بها تمامًا كما أشعر بها وكما أعتقد أنني سأفعل ما كانت ستقوم به في هذه اللحظة. إنه مثل الجلوس إلى الآلة الطابعة والكتابة عليها. لا فرق من حيث التنفيذ اليدوي بين مقال تكتبه اليوم وبين مقال تكتبه غدًا. حين أقرأ وأدرس السيناريو وأجد أن الشخصية واضحة لا يبقى سوى أن أهجم عليها بكل ما عندي. أحيانا ما يكون هناك شيء ناقص لا بد من ملئه.
* مثلاً؟
- في بداية رواية «جحيم» يضعنا الروائي أمام شخصية روبرت لانغدون وهو في المستشفي. وجدت أنه يجب أن يصاحب ذلك بعض الملامح الأخرى حول الشخصية. بعض المعلومات. أردت للشخصية حضورًا نفسيًا وبدنيًا يصاحب هذا الوضع.
** أفضل أفلام توم هانكس
* لائحة أفلام توم هانكس تتألف من 86 عملاً معظمها سينمائي وذلك من بدايته سنة 1980. ليس سهلا انتخاب العشرة الأفضل كونه ممثلاً رغب منذ البداية في التميّز والنجاح وطريقه الوحيد إلى ذلك كان الإجادة.
‪1 - Big (1988)‬
كوميديا شبابية شكلت نجاحه الحقيقي الأول بعد بداية يصفها بأنها كانت صعبة
2 - Philadelphia (1993)
دراما اجتماعية من إخراج جوناثان دمي منحت هانكس أوسكاره الأول
3 - Forrest Gump (1994)
حظي دوره هنا بإعجاب كبير لم يحظ بمثيله من قبل ونال أوسكاره الثاني بسببه
4 - Apollo 13 (1995)
أول تعاون له مع المخرج رون هوارد كان في إطار هذه الدراما العلمية
5 - Saving Mr. Ryan (1998)
فيلم حربي قاد بطولته وأول تعاون له مع ستيفن سبيلبرغ
6 - The Green Mile (1999)
دراما حول ضابط سجن يستعين بسجين لديه معجزات شفائية لإنقاذ زوجته
7 - Cast Away (2000)
موظف شركة فيدكس الذي يجد نفسه وسط المحيط منعزلاً عن العالم
8 - Charlie Wilson›s War (2007)
عن السياسي الذي دفع الإدارة الأميركية لمساعدة الأفغان ضد الغزو الروسي
9 - Captain Phillips (2013)
عن شخصية حقيقية أخرى عندما وقع الكابتن الأميركي رهينة بين قراصنة صوماليين
10 - Sully (2016)
أداء رصين ومدروس في دو كابتن الطائرة الذي اتخذ قرارًا فريدًا وشجاعًا



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».