جلادون وضحايا على أرض واحدة

جلادون وضحايا على أرض واحدة
TT

جلادون وضحايا على أرض واحدة

جلادون وضحايا على أرض واحدة

كيف يمكن أن تهدأ الأرواح المعذبة، البريئة، ومنتهكوها لم يدفعوا الثمن، وقد لا يتحقق ذلك للأبد؟ أو، بصيغة أخرى، كيف يمكن أن يعيش الجلاد والضحية على أرض واحدة؟ هو السؤال الذي تطرحه مسرحية «الموت والعذراء»، للكاتب التشيلي أرييل دورفان، الذي استلهمها من حادثة حقيقية في تشيلي الديكتاتورية، حيث تعرضت باولينا للاغتصاب، حين كانت طالبة طب، على يد جلاد سادي على وقع رباعية فرانز شوبرت الوترية «الموت والعذراء». ثم تلتقي به، بعد خمس عشرة سنة، صدفة في بيتها بعدما حل ضيفًا على الزوج، الذي أصبح عضوًا في لجنة تحقق بجرائم النظام السابق.. ماذا ستفعل به؟ لا شيء، كان يكفيها اعترافه لتهدأ روحها.
وهذا ما حصل في جنوب أفريقيا. اعترف الجلادون، وكاتبو التقارير التي راح ضحيتها الآلاف، في اجتماعات جماهيرية، وحصلوا على صكوك الغفران من قبل الضحايا أنفسهم. الاعتراف كفارة الجريمة. هذا لم يحصل عندنا.. ليس بعد. وما زال الضحايا والجلادون يعيشون على أرض واحدة. ليس هذا فقط. تلبس الجلادون وجوه الضحايا.
الكثيرون الذين تعرضوا للتعذيب لديهم قصصهم المكبوتة، تلك التي لم تحكَ بعد، ولكن المؤكد أن الجريمة الأكثر بشاعة هي الصمت، كما يقول دورفان.
ولكن ماذا عن الضحايا الذين ماتوا في سجون الطغاة تحت التعذيب؟ لماذا لم نعد نذكرهم؟ من قتلهم؟ نحن نعرف القتلة الكبار فقط.
في رواية الكاتب الألماني فريدريش كريستيان دليوس «قاتل لمدة عام»، يتحول البطل، الذي لا نعرف اسمه، إلى قاتل افتراضي، احتجاجًا على خيانة الضحايا. وكما أرادت باولينا في مسرحية «الموت والعذراء» أن تنفذ العدالة بيديها، بعدما فشل في ذلك القضاء البيروقراطي في النظام الجديد، تتملكه، على طول الرواية، تتملكه فكرة قتل القاضي هانز يواخيم ريزة، الذي أصدر أكثر من 200 حكم إعدام أثناء الحكم النازي، لكن القضاء الألماني الغربي حكم عليه بالبراءة أواخر الستينات. إذن، لم يتغير شيء. الماضي لم يمضِ.
لا يريد بطل الرواية أن ينفذ القتل فقط بحق القاضي - وهو لن ينفذ ذلك أبدًا - بل أن يكتب كتابًا مصاحبًا لعملية الاغتيال. لا بد أن يكون هناك راوٍ يروي كل فظاعات الماضي، بسجونه السرية، ومحاكماته الصورية، وحفلات الإعدام، وقاطعي رؤوس الناس، وأسماء المختفين، والقضاة المتواطئين، وكتبة التقارير. ولا بد أن هناك من سيقرأ ذلك في المستقبل. صحيح أن الطاغية الأكبر قد مضى، ولكن ما زال هناك كثير من الجلادين أحرارًا، حتى من دون أي شعور بالذنب. الماضي لا يمضي إذا لم ننبش فيه، ونكشفه للعلن، والأهم أن نصفيه داخل أنفسنا. العدالة وحدها قادرة على فعل ذلك. وحدها ستقتل رغباتنا البدائية بالانتقام، ومحاولة تحقيق العدالة المفقودة بأيدينا.
لم يقتل بطل «قاتل لمدة عام» أحدًا، كما لم تقتل باولينا جلادها بعدما أسرته في بيتها. كان يريد فقط أن يبلغنا بالحقيقة المرعبة، تمامًا كما فعل أرييل دورفان مؤلف «الموت والعذراء»، الذي نجا من الموت صبيحة انقلاب الجلاد الأكبر أوغستو بينوشيه على الرئيس المنتخب سلفادور أليندي في 1973. ويروي هو نفسه أنه كان من المقرر أن يكون أحد المناوبين في القصر الجمهوري بصفته المستشار الثقافي للرئيس أليندي، لكن أحدًا لم يتصل به، لأن المسؤول عن تنظيم المناوبات شطب اسمه من القائمة، وحينما التقى به دورفمان بعد ثلاث سنوات وسأله عن السبب، أجابه بعد صمت عميق: «كان لا بد من أن يبقى أحد ما حيًا، ليروي ما حدث».
لكن هذه المهمة، كما يقول القاتل لعام واحد، كثيرة جدًا على شخص واحد. ويبدو أنه ترك المهمة لمن سيأتون ليبلغوننا الحقيقة كاملة عن الضحايا والجلادين الذين لا يزالون يعيشون على أرض واحدة.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.