خيانة ستالين.. وفرحة ترومان بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما

أطول يوم في تاريخ اليابان (2 من 3)

مظاهر الدمار والخراب على هيروشيما بعد إلقاء القنبة الذرية
مظاهر الدمار والخراب على هيروشيما بعد إلقاء القنبة الذرية
TT

خيانة ستالين.. وفرحة ترومان بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما

مظاهر الدمار والخراب على هيروشيما بعد إلقاء القنبة الذرية
مظاهر الدمار والخراب على هيروشيما بعد إلقاء القنبة الذرية

تناولت الحلقة الأولى دعوة الحكومة الأميركية لحكومة اليابان أن تعلن بشكل واضح وصريح التنازل غير المشروط، وأن تقدم التعهدات الصحيحة والملائمة لإثبات حسن النيات، وإلا سيكون الدمار السريع والشامل هو البديل. كان أمام الحكومة اليابانية أن تختار، في وقت قصير جدا، أن تبقى مرهونة لإرادة العسكريين المتشبثين برأيهم، الذين أوصلت استنتاجاتهم غير الذكية إمبراطورية اليابان إلى حافة الهلاك، أم أنها ستتبع طريق المنطق، خصوصا بعد إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، ثم ناغازاكي.
في حلقة اليوم وأمام هذه اللحظات المصيرية، كان لابد من اللجوء إلى الإمبراطور لحسم الأمر، وهو أمر يحصل للمرة الأولى في تاريخ البلد.
مرة أخرى أخذ الجنرال توجو القيادة. الرجل المتعجرف ذو الثانية والستين، الميال إلى احتقار آراء الآخرين، كان أكثر انطلاقًا في الكلام حتى من رئيسه (رئيس الوزراء) كانتارو سوزوكي الذي تجاوز السابعة والسبعين من عمره، المتناعس، ثقيل السمع، يقول شيئا اليوم وعكسه غدًا، مرحبًّا بتسليط الأضواء على الآخرين بينما هو يتخذ طريقه في كسل إلى الاجتماعات التي لا تبدو لها نهاية ولا ينتج عنها شيء.
أكد توكو أنه طالما كان إعلان بوتسدام القاعدة الأساسية الوحيدة لمحادثات السلام، فمن المؤمل ألا يُعلن شيء منه للشعب إلى أن تكون الحكومة قادرة على اتخاذ موقف ثابت بطريقة أو بأخرى.
وزير الشؤون الاجتماعية تاداهيكو أوكادا قال إن البيان قد أذيع حول العالم، فلن يكون من الصعب على شعب اليابان أن يسمع عنه، وقبل أن يحدث هذا يجب أن يطلعوا عليه رسميًا عن طريق حكومتهم.
مدير دائرة المعلومات، هيروشي شيمومورا، وافق، مضيفًا أن التأجيل قد يعتبر في الخارج دليلا على خوف اليابان المفرط من الموقف. ثم اتجهت كل العيون إلى وزير الحرب الجنرال كوريتشيكا أنامي، الذي تحدث إلى الجيش وهو لا يزال يتمتع بأكبر نفوذ في البلد، رغم افتقاره لحماسة أسلافه.
إنه في السابعة والخمسين، وما زال يحتفظ بهيئة مهيبة، مزدانًا بنياشين الرماية والمبارزة، وبالنسبة للضباط الشباب يبدو بمظهر الشخص الموثوق به، والأبوي. كانوا واثقين من الاعتماد عليه لدى ذهابهم إلى الحرب، وفي الاجتماع أصرّ بعناد عزز من صورته هذه لديهم، على أن انتشار أخبار البيان الآن، يوجب على الحكومة أن تقرر شيئين: اعتراضها على صيغته، والموقف الذي تريد أن يتبناه الشعب الياباني إزاءه. أُثني على أنامي من قبل رؤساء الجيش والبحرية في الاجتماع.
في النهاية توصلوا إلى تسوية مفادها: بما أن الحكومة غير قادرة عمليًا على تجاهل الإعلان، ولا على نشره مع الاحتجاج عليه، إلى أن تعرف أين تقف، وافق المجلس في النهاية على إطلاق الأخبار بشكل ينطوي على بعض الغموض، بحيث يبدو كأنه قادم من أرض الأحلام وليس من بوتسدام. فموقف الحكومة من الإعلان يجب ألا يكون واضحا عند النشر، وعلى الصحف أن تقلل من شأن الموضوع قدر الإمكان، إذ كان مسموحًا بنشره معدلاً، لكن من دون أي تعليق عليه.
لقد عزمت الحكومة اليابانية على «تجاهل» الإعلان. ورغم إصرار أنامي على الاحتجاج عليه بلهجة قوية، فإن رئيس الوزراء سوزوكي اتفق مع وزير الخارجية توكو على ما أسماه «قتل الإعلان بصمت»، قال، وبهذه الكلمة التراجيدية المشهورة: «موكو ساتسو» وهي تعني أيضًا ابقَ هادئًا، حكيمًا، وبلا حركة. وهذا بلا شك كان المنطق الذي يفكر به سوزوكي، لكن لسوء الحظ بدا المعنى الآخر أكثر إثارة وإقناعًا، وعندما ظهرت الكلمة على الصفحات الأولى من صحف طوكيو في الصباح التالي، فُهمت على أن الحكومة تحتقر البيان، وفي الحقيقة ترفضه. وفسرت «موكو ساتسو» في واشنطن وبريطانيا وبقية أوروبا والدوائر الدبلوماسية الأميركية على أنها تعني «إنتاج أكبر الضرر».
جريدة أساهي شيمبون، وهي أكبر صحف طوكيو، فسرت إعلان بوتسدام في صباح ذلك السبت على أنه «ليس بذي قيمة». الشعب الياباني أُعلم بالبيان وأكد له في الوقت نفسه أن الحكومة وجدته غير مقبول، الأمر الذي كان مجلس الوزراء قد توصل إليه بصعوبة كبيرة ظهيرة ذلك اليوم. إلا أن الناس لم يعرفوا بهذا أكثر مما كانوا يعرفون ما كان يجري خلف الأبواب المغلقة للوزارات والدوائر الحكومية وخنادق القصر، وبهذا تعاملوا مع البيان باحتقار صامت، كما أخبرتهم الحكومة أن هذا أقصى ما يستحقه.
اليوم التالي، السبت، الـ28 من يوليو (تموز)، وافق رئيس الوزراء على لقاء صحافي في الساعة السابعة لمناقشة إعلان الحلفاء. وعلى كل الأسئلة المتوقعة والمهمة، ردّ سوزوكي أن إعلان بوتسدام لم يكن إلا الفكرة القديمة لإعلان القاهرة، ووضعت في قالب جديد. والحكومة اعتبرته «شيئا لا قيمة له». بعد ذلك أضاف فجأة: «نحن ببساطة سوف موكو ساتسو الإعلان» ثم أعلن أن الحكومة مصرّة على الاستمرار في الحرب حتى إحراز النصر.
كان وزير الخارجية توكو غاضبًا عندما سمع بيان رئيس الوزراء. احتج على أن البيان جاء متناقضًا بشكل فاضح مع القرار الذي وصل من مجلس الوزراء، وفي الوقت نفسه أدرك أنه لا يمكن عمل أي شيء: «من المستحيل الآن حمل رئيس الوزراء على التراجع عن تصريحه». كان الضرر قد وقع وانتهى الأمر.
تصريح سوزوكي نشر في صحف اليابان يوم 30 يوليو، وتناولته الصحافة في كل أرجاء العالم على أن اليابان غير مهتمة أصلاً حتى بمجرد رفض إعلان بوتسدام. ولوصف هذه اللحظة لاحقًا، قال سكرتير وزارة الحرب الأميركية هنري ستمسون: «إن الولايات المتحدة يمكنها فقط المباشرة لإثبات أن الإنذار الذي حمله إعلان بوتسدام يعني تمامًا ما أشار إليه، وهو إذا استمرت اليابان في الحرب فإن جميع قواتنا المسلحة، مؤَيدة بإصرارنا، سوف تعني الدمار الشامل لقوات الجيش الياباني، وفقط الدمار الشامل لأرض اليابان».
من الواضح أن القنبلة الذرية ستكون أبرز سلاح مناسب لمثل هذه الحالات. لكن اليابان ظلّت تنتظر خلال ذلك ردّ الاتحاد السوفياتي.
عندما أبرق السفير الياباني لدى الكرملين إلى توكو بأنه «لا مجال بأي حال» لإقناع الروس بدعم اليابان، ردّ عليه وزير الخارجية: «رغم رأيك، فعليك مواصلة تنفيذ التعليمات، محاولا الحصول على مساعي السوفيات الحميدة - في إنهاء الحرب - لتقتصر على الاستسلام غير المشروط». وكان توكو قد خدم لفترة سفيرا لدى موسكو، لذا لم يكن يجهل الذهنية التي يفكر بها السوفيات. كانت أسبابه الإصرار على متابعة هذه الجهود أنها قد تلقي بحفنة من القش على مستنقع محاولات إنهاء الحرب، التي ربما لخصت فيما قاله ذلك الوقت: «بغض النظر عن صعوبة ما يمكن أن ألاقيه في محاولة إقناع الجيش الياباني لإجراء محادثات مباشرة مع الأميركان أو البريطانيين، فليس لدي شكّ، حتى لو أنهم رفضوا الإصغاء، يجب أن نحاول التفاوض من خلال موسكو، إذ ليس ثمة مجال آخر لإنهاء الحرب».
لم يكن الجيش واثقا من إمكانية التوصل إلى تفاهم مع السوفيات. في منتصف يونيو (حزيران) توقّع أنامي أن الروس «سيهاجمون اليابان، تمامًا كما يستعد الأميركان لإنزال قواتهم على جزرنا»، وقد استمر في هذه النقطة إلى النهاية. قبل الاستسلام بأيام قليلة أخبر أنامي وزارة الداخلية بأن اليابان لو تأخرت فترة أطول لتشغل القوات الأميركية في كيوشو جنوب اليابان، فإن واشنطن ستكون خائفة من أن يحتل الروس أجزاء مهمة من شمال اليابان، مما يبقيها مترقبة للتوصل إلى معاهدة سلام، لذلك سوف تعرض امتيازات لصالحنا.
لكن القوات البحرية اليابانية كان رأيها أن السوفيات سوف يدخلون الحرب بعد معركة أوكيناوا، وهذا أحد الأسباب التي جعلت البحرية تطلب من القوات اليابانية اتخاذ موقف متشدّد، ينزل خسائر كبيرة في قوات العدو. لذلك، رغم أن الروس قد أعلنوا أنهم ما عادوا مهتمين باتفاقية الحياد بين الدولتين (اليابان والاتحاد السوفياتي) إضافة إلى ردّ موسكو لليابان الذي تضمن بشكل رئيسي العبارات المائعة والصمت، فإن مجلس الستة الكبار والإمبراطور نفسه ظلوا معلقين آمالهم على المساعي «الحميدة السوفياتية». كانت الأيام تمرّ، واليابان تنتظر ردّ ستالين.
في تلك اللحظة كان البلد يبدو كما لو أنه بأكمله مرتبكًا وذاهلاً. اليابانيون فهموا أنهم لن يخسروا الحرب، لذلك بدا التنازل أمرًا خسيسًا، والبديل الوحيد الشريف للانتصار هو الموت.
كان صعبًا ومستحيلاً التصديق بأن ما حدث قد حدث فعلاً: «كان خرابًا تامًا، وأمرًا لا يمكن تلافيه». الضريبة التي دُفعت ربما كان موقف الإمبراطور أكبر ثقلاً منها في حالة الصدمة التي عاشوها، لأن اليابانيين يؤمنون أنه ليس فقط منحدرا من سلالة مقدسة، إنما هو القدسية ذاتها، حيث يعتبر وجود اليابان من وجوده هو، مثلما استمر هذا الاعتقاد منذ زمن سحيق.
من الصعب التكهن عما يمكن أن يحدث لو أن قوات الحلفاء عرضت في تلك اللحظة تعهدات على النظام الياباني في شخص الإمبراطور، مؤكدة «إنهاء الحرب، وتنازل الجيش، ولن يُعطى الروس فرصة لدخول منشوريا». لكن هذه التكهنات لا قيمة لها؛ ففي حالة ذهولها اتبعت اليابان فقط الطريق الوحيد الذي بدا مفتوحًا ومرّت الليلة الأولى من أغسطس (آب) بلا أهمية وبلا أمل، باستثناء الانتظار والترقب والحذر. في 6 أغسطس جاء الردّ.
في الساعة الثامنة التقطت محطة رادار هيروشيما اثنتين من طائرات B29. كان الإنذار قد أطلق في المحطة، والطائرات حلقت على مسافة مرتفعة جدًا؛ وقد أعلن الراديو أنها كانت في طلعات استطلاعية، بينما معظم سكان هيروشيما (ربع مليون) لم يبالوا ولم يتوجهوا إلى الملاجئ، ولم يتوقعوا قصفًا، وكثير منهم راح يحدق في السماء بينما الطائرتان تناوران.
من الطائرة القائدة انفتح باب حفظ القنابل.
في الساعة الثامنة والربع و17 ثانية شاهد كثير من الناس عناقيد من المظلات تنقذف من إحدى الطائرتين. في الثانية التالية تحوّل الجو إلى سطوع أبيض يعمي النظر... وأربع وستون ألف شخص بين ميت أو على وشك الموت.
هذا إذن كان الردّ على انتظار اليابان. لم يأتِ، كما كان متوقعًا من الاتحاد السوفياتي، إنما من الولايات المتحدة، حيث سدّدت القسط الأول من تهديدها: «الدمار الكلي الشامل» لليابان.
وصلت الرسالة الإخبارية الأولى لوكالة أنباء «دومي» إلى طوكيو تقريبًا عند الظهر، إلا أن التفاصيل عن حجم الكارثة وطبيعتها وصلت بعد ذلك في وقت متأخر، على شكل تقرير من مقر رئاسة الجيش الثاني، عبر قاعدة كورو البحرية، مع ذلك ظلت التفاصيل شحيحة، وكل ما علمته طوكيو أن عددًا قليلاً جدًا من طائرات العدو أحدث أضرارًا هائلة باستعمال قنابل من نوع مجهول.
في الصباح التالي، عند الفجر، كان اللفتنانت جنرال توراشيرو كاوابي، نائب رئيس الجيش العام، أول من استقبل الرسالة الموجزة، التي أعملته أن هيروشيما قد مُسحت خلال لحظة انفجار خاطف بقنبلة واحدة. فيما بعد قال كوابي إنه يشك بأنها قنبلة ذرية. رفاقه الضباط لم يكونوا في شك من هذا.
الحكومة في طوكيو التقطت بثًّا من واشنطن أكد شكوك كوابي. «أنفقنا بليوني دولار» قال الرئيس ترومان: «حصلنا على أعظم إنجاز علمي في التاريخ وانتصرنا».
أضاف: «إذا كان اليابانيون لم يقبلوا إنذارنا فليتوقعوا أن تمطر عليهم السماء دمارًا لم تشهده الأرض من قبل أبدًا».
لم يعد لدى طوكيو أي سؤال حول ما حدث في هيروشيما.
«لقد أصبح مصدر القوة من الغرب وليس من الشرق». كما قال ترومان، وتستطيع هذه القوة أن تخسف الأرض في المشرق فوق الجالسين على عرش سليل أماتيراسوا وكيكامي، إله الشمس. بيدَ أن طوكيو كانت غير مكترثة بشكل يثير الاستهجان. لقد تطلّب الموقف ردًّا عنيفًا، ولا تزال البلادة الغريبة التي سيطرت على العاصمة اليابانية مستمرة في شلّ حركة الرجال الذين يتوجب عليهم صنع القرار.
في اليوم التالي، 7 أغسطس، أصدر الجيش بلاغًا رسميًا جاء فيه أن الهجوم على هيروشيما من قبل «عدد صغير» من طائرات B29 سبب «أضرارًا بالغة» وقد استخدم في القصف «نوع جديد» من القنابل. «التفاصيل»، قال الجيش: «الآن تحت التحري..».
في 8 أغسطس، نصح وزير الخارجية الإمبراطور بأن على اليابان أن تقبل إعلان بوتسدام بأسرع وقت ممكن، عندئذ أصدر الإمبراطور أمرًا له ليخبر رئيس الوزراء بأنه على ضوء السلاح الجديد الذي استخدمه الحلفاء، فإن اليابان الآن بلا قوة للاستمرار في الحرب، ويجب بذل كل جهد لإنهاء هذه الحرب من دون تأخير. على اليابان أن تتقبل هذا الأمر الصعب.
بناء على ما قاله الماركيز كيدو، كاتم أسرار الإمبراطور، إن صاحب الجلالة قال إن أمنه الخاص يأتي في الدرجة الثانية من مسألة وقف الحرب حالاً. وأصرّ على أن مأساة هيروشيما يجب ألا تتكرر. عندئذ دعا سوزوكي إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للحرب، لكن الاجتماع أجل لأن أحد أعضائه كان محجوزًا في مهمة بمكان ما.
خلال ذلك، حاول الجيش التعتيم على إذاعة العدو في مانيللا وأوكيناوا، كما حاول إحباط جهود العدو لقذف منشورات فوق طوكيو تعّبر عن رغبة الحلفاء في إنهاء الحرب من دون تدمير اليابان. في كل الأحوال، ادعى الجيش أنه ليس من الممكن عمليًا، حتى بالنسبة للأميركيين، تصنيع واستخدام السلاح الذري، لأنه أمر مستبعد وخطير. في الوقت نفسه سجلت الحكومة ملف احتجاج رسمي لدى سويسرا ضد حكومة الولايات المتحدة.
بعد ظهر اليوم نفسه، طُلب من السفير الياباني في موسكو المثول في مكتب مولوتوف. اختصر مولوتوف الطريق أمام محاولات السفير ساتو جعل اللقاء وديًا، بأن قرأ عليه الموجز الذي ينتهي بالكلمات التالية: «...حكومة الاتحاد السوفياتي ستعتبر نفسها في حالة حرب مع اليابان».
خلال ساعتين دخل الجيش الأحمر منشوريا، وبدأ هجومًا منظّمًا لإبادة جيش اليابان الـ(كوانتوك). لقد اعتبر اليابانيون تصرف السوفيات غير شرعي ولا يغتفر، لأن الاتحاد السوفياتي واليابان ما زالا ضمن اتفاقية الحياد التي تنتهي في أبريل (نيسان) 1946. إلا أن ستالين جعل تصرفه مشروعًا بمساعدة ترومان، وعلمت حكومة سوزوكي الآن أن البديل للاستسلام غير المشروط هو فعلاً وبلا أدنى شكّ الدمار. وبدا أن فرصة هذا الدمار الشامل هو تمامًا ما أراده الجيش. إن هدوء صبيحة ذلك الخميس الحار، الرطب والمتقد من التاسع من أغسطس، بدت لوزير الخارجية توكو مثل ماء بارد يراه من بعيد رجال عطشى يموتون في الصحراء.
في الساعة الثامنة صباح 9 أغسطس، كان توكو في بيت رئيس الوزراء سوزوكي في كويشيكاوا شمال وسط طوكيو، حين طلب من رئيس الوزراء وبحدّة أن يُعقد المجلس الأعلى للحرب الذي أجل، وعلى الفور. لقد ضاع كثير من الوقت الثمين: «الحرب يجب أن تنتهي بأسرع وقت ممكن».
وافق سوزوكي، وقال لهيساتسون ساكوميزو، سكرتير رئيس الوزراء: «ليأخذ مجلس الوزراء مسؤولية قيادة البلد لإنهاء الحرب». في الظروف الطبيعية، وبعد الأخطاء المخزية لمحاولات حكومته في استخدام مساعي السوفيات الحميدة، كان المفروض أن يقدم استقالته هو وحكومته، لكن ظروف اليابان، وبأي شكل، كانت صبيحة ذاك الخميس أبعد من الطبيعي، وبدا سوزوكي مصرّا على تجنيب أكبر عدد من اليابانيين الموت.
بعد ذلك توجه توكو لرؤية وزير البحرية، الأدميرال يوناي، الذي وافق كما في السابق على أنْ ليس لليابان خيار غير استئناف محادثات السلام. وداخل الوزارة ظل توكو يتساءل عن موقف كابتن البحرية، الأمير تكاماتسو، الذي لم يكن ردّه مشجعًا، فقال وزير الخارجية إنه مقتنع بأن الوقت متأخر جدًا لمناقشة حقيقة أفضل مما طُرح في إعلان بوتسدام، وبينما هو يفعل كل ما باستطاعته شعر أن اليابان لا يمكنها الإصرار على شيء يصون الدولة الوطنية.
خلال ذلك، كان الإمبراطور، رمز الدولة، والرجل الذي أعطى لها الوجود والمعنى، قد تشاور مع اللورد كيوتو كاتم الأسرار، وطلب منه أن يحاول التأثير من جديد على رئيس الوزراء سوزوكي، مؤكدًا رغبة جلالته في التعجيل بإنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن. كان سوزوكي قد دخل منذ حين للقصر، فوافق على استدعاء مجلس الحرب الأعلى ومجلس الوزراء لعقد اجتماع طارئ ومشترك، بحضور رئيس الوزراء السابق الذي يُدعى (جوشن) أي كبير رجال الدولة، حيث يُعتبر جزء من واجباته تقديمَ المشورة للعرش من وقت لآخر.
الساعة 11 من صباح اليوم نفسه، سقطت ثاني قنبلة ذرية في العالم فوق ناغازاكي، وهي إحدى مدن أقصى الشرق في اليابان وفوق جزيرة كيوشو، وقد حدث الانفجار قبل نصف ساعة فقط من دعوة المجلس الأعلى للحرب من جديد لمتابعة مناقشاته غير المتروية والبطيئة التي كانت تجري في القصر الإمبراطوري بطوكيو، وهو يبعد نحو 600 ميل عن المكان الذي تحلق فيه الطائرات.
افتتح رئيس الوزراء الاجتماع بالقول إنه على ضوء مستجدات هيروشيما، واحتلال الاتحاد السوفياتي لمنشوريا، يبدو واضحًا استحالة مواصلة اليابان للحرب. «إنني أعتقد...». قال سوزوكي: «ليس لدينا بديل سوى قبول إعلان بوتسدام، وأنا أحبّ الآن الاستماع إلى آرائكم».
مجلس الحرب الأعلى ظلّ صامتًا.
أخيرًا كسر الأدميرال ميتسوماسا يوناي السحر الذي كان مخيمًا على المجلس. كان يوناي رجلا هادئًا، دمثًا وله ابتسامة لطيفة، وقد كان رئيسًا للوزراء عام 1940 ثم أرغم على الاستقالة بسبب معارضته التحالف مع ألمانيا وإيطاليا. كان واعيًا مثل سوزوكي وتوكو للخطر الجسيم من وراء مقتل الضباط الشبان الذين تلتهمهم نيران الحرب.
«لن ننجز شيئا». قال يوناي: «ما لم نتحدث. هل نتقبل إنذار العدو غير المشروط؟ هل لدينا ما نطرحه من شروط؟ إذا كان كذلك، فمن الأفضل مناقشتها الآن».
بدأ الأعضاء الآخرون في المجلس بإيضاح مواقفهم، وقد ظهرت بسرعة موافقتهم الإجماعية على نقطة واحدة: «صيانة الكيان الإمبراطوري للبلد». بعد ذلك ظهر انقسام حاد، أصبح مألوفًا وأكثر حدّة بمرور الأيام.
سوزوكي، وتوكو، ويوناي فضلوا قبول إنذار الحلفاء مع شرط واحد يتعلق بالدولة الإمبراطورية، الثلاثة الآخرون - وزير الحرب أنامي واثنان من رؤساء الأجهزة، أوميزو للجيش، وتويودا للبحرية - أرادوا طرح شروط أخرى وهي: تقديم أقل عدد من القوات اليابانية التي تحتل بلدانا أخرى لمحاكمتهم بوصفهم مجرمي حرب من قبل اليابانيين أنفسهم وليس العدو، ويقوم بعض الضباط اليابانيين بتسريح عدد من الجنود. أنامي ورئيسا الأجهزة كانوا غير قادرين كما يبدو على قبول فكرة الهزيمة أو الاستسلام، لأنها ضد قناعتهم، لذلك انتهى هذا الطرح إلى رفض حقيقة الهزيمة والاستسلام.
ردّ توكو بقوة: إن موقف اليابان في غاية الخطر، وحتى لو حاولت اليابان طرح عدد من الشروط، فإن الحلفاء وفي كل الاحتمالات سيرفضون مناقشتها. فردّ الجنرال أوميزو رئيس جهاز القوات المسلحة هو الآخر بقوة قائلاً إن اليابان لم تفقد الحرب بعد، وإذا غزا العدو أرضنا فإن الجنود اليابانيين ما زالوا قادرين على منعه، وربما حتى إلحاق الخيبة به، والثمن في خسائر العدو سيكون هائلاً. عندها قال توكو، حتى إذا فشلت أول محاولة، فإن قوة اليابان في الدفاع عن نفسها ستكون أكثر ضعفًا، والهجوم الثاني للعدو بالتأكيد لن يفشل، ثم أضاف: «يجب أن يُقبل إعلان بوتسدام الآن، ومطالبنا لن تكون أكثر من صيانة البيت الإمبراطوري».
في الساعة الواحدة عقد المجلس الأعلى جلسة لمدة ساعتين، وكانت أخبار قصف ناغازاكي قد وصلت، ثم وصلت الحقيقة الأخرى عن سقوط منشوريا بأيدي السوفيات، بينما ظلّ المجلس غير قادر على الوصول إلى اتفاق. وضح الخط الفاصل بين الفريقين، إذ وقف كل ثلاثة في جانب، فعرض سوزوكي أن يُفضّ الاجتماع ليعاد عقده لاحقًا بعد انعقاد مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم نفسه، وبذلك، وعلى هذه الصورة انتهت جلسات الخميس التي عقدها مجلس الستة الكبار لاتخاذ قرار بشأن الحرب.
في واشنطن تحدث الرئيس ترومان في الراديو معلنًا: «سوف نستمر باستخدامها حتى تدمير قوة اليابان نهائيًا وإنهاء قدرتها على الاستمرار في الحرب. ولن يوقفنا غير استسلام اليابان».
في الوقت الذي فضّ فيه الستة الكبار اجتماعهم، دُعي هيروشي شيموورا، مدير دائرة المعلومات، إلى مقابلة رسمية مع الإمبراطور. وكانت المقابلة بناءً على طلب قدمه سكرتير شيمومورا إلى وزارة شؤون القصر الإمبراطوري. استمرت المقابلة ساعتين كاملتين، مع أن العادة ألا تأخذ المقابلات مع الإمبراطور أكثر من 30 دقيقة فقط، وبانتهاء اللقاء قال شيمومورا لسكرتيره مع ابتسامة ارتياح: «كل شيء جرى على ما يرام. وافق الإمبراطور على إذاعة بيان يخبر فيه الأمّة فيما إذا كنا سنحارب أو نسالم».
إذا كان الإمبراطور سيذيع هذا البيان فعلاً، ستكون تلك هي المرة الأولى التي يسمع فيها اليابانيون صوت الإمبراطور.
إذا عدنا إلى اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد بعد ظهر الخميس الساعة 2:30 في المقر الرسمي لرئيس الوزراء، فقد افتتحه وزير الخارجية توكو بتناول موضوع إعلان السوفيات الحرب على اليابان، متضمنًا محاولات الحكومة اليابانية لإقناع موسكو بالتوسط. بعد ذلك وصف توكو طبيعة الكارثة بأنها تجاوزت حدود هيروشيما وناغازاكي. أما وزير البحرية ووزير الحرب فحين سألهما رئيس الوزراء عن رأيهما كررا ما قالاه نفسه: «نحن ربما نكسب أول معركة لليابان...». قال الأدميرال يوناي: «إلا أننا لن نكسب الثانية. الحرب خُسرت بالنسبة لنا، لذلك يجب نسيان مسألة حفظ ماء الوجه، علينا أن نستسلم بأقصى سرعة ممكنة، ومنذ هذه اللحظة يجب التفكير بأهمية إنقاذ بلدنا».



يحيى السنوار... حكاية «الرقم 1» يرويها «رفاق الزنزانة»

TT

يحيى السنوار... حكاية «الرقم 1» يرويها «رفاق الزنزانة»

يحيى السنوار متحدثاً إلى وسائل الإعلام في غزة 28 أكتوبر 2019 (رويترز)
يحيى السنوار متحدثاً إلى وسائل الإعلام في غزة 28 أكتوبر 2019 (رويترز)

لشهر أكتوبر (تشرين الأول) في فصول حياة يحيى السنوار «أبو إبراهيم»، الذي تم اختياره رئيسا لحركة «حماس»، قصة خاصة. فيه وُلد في أزقة مخيم خان يونس قبل ستة عقود ونيّف ليبدأ رحلة حياة مليئة بالمحطات الصعبة والمثيرة والشائكة، وفيه نال حريته من السجون الإسرائيلية بعد أكثر من عقدين أمضاهما فيها، وفي الشهر ذاته أطلق «الطوفان» نحو غلاف غزة مخلِّفاً وراءه ارتدادات كبرى هزت أرجاء المنطقة والعالم.

نشأ السنوار في مخيمات الصفيح بغزة وبين أزقتها الضيقة بعدما نزحت عائلته من مدينة المجدل عقب «نكبة 48». طاله نصيب من شظف العيش وقسوته. طبعت الظروف القاسية علاماتها على شخصية الطفل الذي وقف شاهداً على «نكسة 67». راكمت السنوات التي تلت رصيداً من الغضب والسخط في صدره، فاقمتها يوميات البؤس في غزة ومخيماتها مخلّفةً «رغبةً ملحّة بالانتقام» لازمته لعقود تلت. كان في حديثه ونظرته للصراع دائم الحديث عن «النكبة» وما تركته من معاناة ممتدة لأهله، كان لديه تطلع دائم لإحداث «صدمة وتغيير في موازين القوى»، كما يقول من عرفه.

تلقَّى يحيى السنوار تعليمه في مدارس مخيم خان يونس وأكمل دراسته بعدها بالجامعة الإسلامية التي تخرج فيها بشهادة في الدراسات العربية. بدأ نشاطه بالعمل الطلابي والتنظيمي حينذاك تحت مظلة «الكتلة الإسلامية» ومنها شق طريقه إلى أدوار أوسع تكللت بتأسيس جهاز «المجد»، الجهاز الأمني الداخلي لـ«حماس» المضطلع بأدوار حساسة أبرزها ملاحقة العملاء والمرتبطين بأجهزة الأمن الإسرائيلية.

قاد نشاطُه الأمني إسرائيل لاعتقاله أواخر الثمانينات. اتهمته السلطات الإسرائيلية بقتل أربعة «متعاونين» فحكمت عليه بأربعة أحكام مدى الحياة. تنقّل بين السجون الإسرائيلية شمالاً وجنوباً وقضى فترات طويلة في غرف العزل.

صورة توضيحية لمخطط «حماس» اقتحام سجن عسقلان وتحرير أسرى محتجزين

قاد «حماس» داخل السجون، وحمَل «هاجسه الأمني» معه. أتقن اللغة العبرية، ودرّس النحو الصرف لرفاقه، وقاد إضرابات ومفاوضات، وربح جولات وخسر أخرى. بدا الوقت ثقيلاً داخل السجن فيما دارت عجلة الصراع خارج أسواره؛ انتفاضات وحروباً وسرابات سلام. أكثر من عقدين في الأسر لم ينالا من قناعة الرجل بقرب نيل حريته. خطف شقيقه جندياً إسرائيلياً وبادلته «حماس» بألفِ أسير فلسطيني. كان يحيى على رأسهم. خرج ليلعب أدواراً بارزة شكّلت معالم جديدة للصراع.

في أعقاب السابع من أكتوبر، ملأ اسم السنوار الدنيا وشغل كثيراً من دوائر الأمن والسياسية في إسرائيل وخارجها. أثار الرجل عاصفةً من التساؤلات حول شخصيته وأفكاره ورؤيته للصراع وكذلك الدوافع وراء قراراته وحسابات تكاليفها، لا سيما لما أحدثته من انعكاسات وما خلَّفته من تبعات كبيرة وثقيلة.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى «رفاق القيد» ممن عاشوا معه وعرفوه واقتربوا منه خلال سنوات الأسر في السجون الإسرائيلية. يرسم الأسرى السابقون من مشارب سياسية وفكرية متنوعة «صورةً طبَقيّة» عن «العقل المدبر» لـ7 أكتوبر وأفكاره وقيادته لحركته داخل السجون وعلاقته مع الفصائل الأخرى وصولاً إلى الدوافع التي أوصلته إلى ساعة الصفر صبيحة السابع من أكتوبر، وحسابات الحرب الممتدة ومآلاتها.

اللقاءات الأولى

يسرد عصمت منصور، أسير سابق كان ينتمي لـ«الجبهة الديمقراطية» وأمضى سنوات في السجون الإسرائيلية التقى خلالها السنوار، جانباً عن انطباعاته الأولى بعد لقائه في سجن عسقلان أواخر تسعينات القرن الماضي: «حينما تلتقي السنوار ترى إنساناً عادياً، بسيطاً ومتديناً»، بيد أنه يحمل أيضاً «صفات القسوة والحِدّة في التعامل. هو رجل متدين لكنه ليس خطيباً ولا منظِّراً. تحضر الخلفية الدينية في تشكيل علاقاته، ولا يمكن أن يتعامل معك بمعزل عن موقفه المسبق».

يحيى السنوار لدى وصوله إلى احتفالية إحياء «يوم القدس» في غزة 14 أبريل 2023 (غيتي)

تَظهر تجربة السنوار في صغره قبل دخوله السجن مبكراً وقضائه فترة طويلة فيه، جليّة في سلوكه ونظرته لما حوله وتعامله مع الآخرين. يقول منصور إن طفولته القاسية رسمت معالم «حقده» وصاغت توجهاته السياسية، مضيفاً: «هو لا يقبل المساومة، ولا يرى إمكانية للحلول أو إمكانية للتوصل إلى صيغ واتفاقيات إلا في إطار التكتيك».

عبد الفتاح دولة، أسير سابق ينتمي لحركة «فتح» أمضى سنوات في السجون الإسرائيلية، كان قد التقى السنوار أول مرة عام 2006. سبقت انطباعاته عن الرجل اللقاء معه، إذ تناقل الأسرى «صيت السنوار» من سجن إلى آخر ورسموا صورة عن رجل «حاد الطباع وصاحب قرار».

تلك الانطباعات عززها اللقاء الأول الذي جمعهما في سجن بئر السبع الصحراوي. يقول دولة: «يحيى السنوار الشخص الاجتماعي الإنساني يختلف عن القيادي الحمساوي. يحيى السنوار الذي تتناقش معه في قضايا عامة يختلف عن الذي تخوض معه في قضايا فصائلية. هنا يكون اجتماعياً وهناك يكون متعصباً، تشعر كأن الرجل بشخصيتين».

أما صلاح الدين طالب، أسير سابق ينتمي لحركة «حماس» وكان قد قضى سنوات في السجون مع السنوار وأُفرج عنه مع السنوار ضمن صفقة التبادل، يستذكر لقاءه الأول مع «أبو إبراهيم» فيقول: «يلفتك تواضعه، وعلاقته المرحة مع الشباب». بيد أن رفيق الأسر يلفت إلى أن طبيعة القيادي الحمساوي الأمنية جعلته مختلفاً عن قيادات الحركة الآخرين، فهو «ليس داعيةً، هو مؤسس جهاز (مجد) الأمني وهذا ينعكس إلى حد كبير على شخصيته. فرغم علاقاته الاجتماعية القوية فإنه في الجانب الأمني كان شديداً وقاسياً».

يحيى السنوار متحدثاً إلى وسائل الإعلام في غزة 28 أكتوبر 2019 (رويترز)

«هوس أمني» في السجون

داخل السجون كما خارجها، ظل السنوار رجل الأمن الأول. أواسط التسعينات تلقَّت حركة «حماس» وخلاياها في الضفة والقطاع ضربات موجعة متتالية تمثلت في اغتيال أجهزة الأمن الإسرائيلية عدداً من قادتها كان أبرزهم يحيى عياش وعماد عقل، وتنفيذ عمليات اعتقال واسعة لنشطاء الحركة، وإحباط عدد كبير من الخلايا العسكرية. أحدثت هذه التطورات هزات كبيرة داخل أركان الحركة وبعثت بارتدادات عمَّقت المخاوف من اختراقات أمنية واسعة. ألقى هذا بظلال ثقيلة وقاتمة على أحوال الحركة داخل السجون ودشن «مرحلة الهوس الأمني» في تاريخها. كان السنوار محرك هذه المرحلة وضابط إيقاعها.

قادة عسكريون من كتائب «عز الدين القسام» يستقبلون يحيى السنوار في غزة 30 أبريل 2022 (أ.ف.ب)

يستذكر طالب هذه «المرحلة الصعبة» التي اضطلع خلالها بأدوار أمنية برفقة السنوار داخل المعتقلات. اتسعت رقعة «الهوس» وطالت تنظيم «حماس» في كل السجون، «كان هناك تحقيقات واستجوابات، كانت الملفات الأمنية تنتقل بين السجون ومنها إلى الخارج. خلّف ذلك حالة هوس أمني فكانت هناك اختراقات واغتيالات واعتقالات ولم تكن الحركة جاهزة أمنياً أو لديها تجربة ناضجة للتعامل مع ذلك بطريقة مثالية».

تحوّلت غرف حركة «حماس» لمراكز للاستجواب والتحقيق. طالت الاتهامات بالعمالة الكثيرين. يقول طالب إن بعضهم «ثبتت عمالته» بيد أن كثيرين وقعوا ضحية لـ«فوبيا الأمن»، مضيفاً: «كانت مرحلة صعبة لم يخرج منها أحد بسلام».

ويشير عبد الفتاح دولة إلى أن عمليات التحقيق كانت تجري مع «كل من تدور حوله أي شكوك»، ما خلّف تبعات مأساوية، «أشرف السنوار على عديد من عمليات التحقيق الداخلي. ربما كان يفلح بالوصول إلى بعض المتساقطين هنا أو هناك، لكن البعض قُتل تحت التعذيب وتبين لاحقاً أنهم من أفضل أبناء الحركة».

السنوار و«القسّام»

كان السنوار داخل السجون الإسرائيلية مطلع التسعينات حين برزت إلى الواجهة «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، وشرعت بتنفيذ سلسلة من العمليات ضد أهداف للجيش الإسرائيلي والمستوطنين. ورغم أن السنوار كان منخرطاً في الجانب الأمني فإنه اعتُقل مبكراً بينما كان العمل العسكري في طور الإعداد والتطوير. بدأت علاقة السنوار مع شخصيات من الجناح العسكري لـ«حماس» تنشأ وتتطور أكثر داخل السجون، إذ بدأ عدد من الأسماء البارزة بالوصول إلى السجون والمعتقلات.

يحيى السنوار يعتلي المنصة مع مقاتلين من كتائب «عز الدين القسّام» لإحياء ذكرى مَن سقطوا في المعارك مع إسرائيل مايو 2021

يقول منصور: «السنوار من البداية ذهنُه وعقليته أمنية؛ عنده هوس أمني ونظرة أمنية للمحيط ويعيش هذا الهاجس كل الوقت. حتى قراءاته عن إسرائيل غالبيتها أمنية وعن تركيبة الجيش والمخابرات. لذلك هو لديه هذه الخلفية والقابلية للانخراط مع الجناح العسكري».

هذه العلاقة التي تشكلت ونضجت مع الجناح العسكري دخلت لاحقاً فصلاً جديدة بعد إتمام «صفقة شاليط» وخروج «أبو إبراهيم» ورفاقه من السجن عام 2011. كان محمد السنوار، شقيق يحيى الأصغر، مسؤولاً بارزاً في الجناح العسكري ومشاركاً في عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط والاحتفاظ به لسنوات قبل إطلاق سراحه بموجب صفقة التبادل. أسهم شقيق السنوار وكذلك رفاقه الذي خرجوا معه من السجون، ناهيك بـ«رصيده» الذي يحظى به بالحركة، في فتح أبواب الجناح العسكري أمام القادم الجديد. يقول منصور إن هذه العوامل جعلت من السهل على السنوار «الاندماج في محيط العسكريين وإيجاد نفسه فيه».

شاليط والصفقة

قلبت عملية أسر الجندي الإسرائيلي شاليط والمفاوضات التي أعقبتها حول صفقة التبادل معطيات عديدة لدى السنوار وغيَّرت مصيره ومصير رفاقه. كان السنوار على رأس قائمة الأسماء التي طالبت «حماس» بالإفراج عنها. عززت التحولات التي خلّفها ملف شاليط مكانة السنوار داخل السجون وخارجها، إذ شرع بلعب أدوار متقدمة في ملف التفاوض.

يقول منصور: «السنوار بعد 2006 غير السنوار قبلها. بات يمثل مفتاحاً ومركز تجمع قوة كبيرة بسبب شاليط وبسبب سيطرة حماس على غزة بعدها. حماس أضحت نظاماً يحكم منطقة وتمتلك قوة وفي قبضتها أسير، وهذا الأسير بيد شقيق السنوار».

متظاهر يرفع لافتة تحمل صور الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس» ويحيى السنوار وبنيامين نتياهو وكتب عليها «ليسوا لعبة... أوقفوا الحرب... لن يكون هناك رابح» (غيتي)

يشير منصور إلى أن قضية شاليط أعطت السنوار داخل السجون «قوة غير مسبوقة لم يسبق لأي قائد من حماس أن امتلكها سوى أحمد ياسين وصلاح شحادة اللذين كانا من الجيل الأول في السجون».

أصبح السنوار حينها عنوان الصفقة القادمة ومفتاحها. بات يمارس هذه القوة التي وقعت بين يديه لتعزيز مكانته وسلطته وقدرته على صناعة القرار داخل السجون وخارجها. يقول منصور: «بات يتصرف كشخص يقول للأسرى: (أنا باقدر أروّحك من السجن وباقدر أخلّيك). وهذا مارسه ليس لأسباب شخصية فحسب بل كانت لديه معايير مختلفة لها علاقة بمشروعهم وتفكيرهم وأولوياتهم».

كانت مفاوضات الصفقة بين إسرائيل و«حماس» قد قطعت شوطاً كبيراً حين دخل السنوار على خطها ورفض مخرجاتها وبدأ مساراً جديداً. يستذكر دولة أن مسؤول ملف التفاوض الإسرائيلي في قضية شاليط «حضر إلى السجون وتفاوض بشكل مباشر مع يحيى السنوار الذي ظهر أنه سيكون صاحب تأثير كبير».

ورم في الرأس وإنقاذ بمروحية خاصة

بينما كانت المفاوضات بشأن تبادل الأسرى تزداد زخماً وتقترب من نهاياتها، تعرَّض السنوار لوعكة صحية كادت تودي بحياته. أربك ذلك الحسابات وأضاء إشارات القلق لا سيما لدى الجانب الإسرائيلي. كان السنوار اللاعب الأول فيها. تفاقم وضعه الصحي ما حدا برفاقه في زنازين العزل بسجن السبع جنوب إسرائيل لحثه على الذهاب لعيادة السجن. يقول دولة: «كان السنوار عنيداً، كان يرفض دائماً الاستعانة بإدارة السجون». ازداد وضعه سوءاً وخطورة وفقد وعيه، مما اضطر رفاقه في السجن إلى نقله إلى العيادة، «حين بات الوضع صعباً، أجبروه على الذهاب»، يقول دولة.

أحدث وصول السنوار إلى عيادة سجن بئر السبع ذاك النهار إرباكاً كبيراً لدى إدارة السجون التي أعلنت حالة الطوارئ في السجن على الفور وأغلقت القسم الذي يقيم فيه السنوار. يسرد دولة تفاصيل تلك اللحظات التي رافقت الانتكاسة الصحية: «جاء ممثل عن إدارة سجن السبع وأخبرنا بأن المؤشرات تشير إلى أن السنوار يعاني وضعاً صعباً».

في تلك الأثناء حطّت مروحية في مهبط السجن، حسب دولة، وأقلّت السنوار على وجه السرعة إلى مستشفى «سوروكا» ليدخل بشكل عاجل إلى غرفة العمليات. وجد الأطباء ورماً حميداً في الرأس سارعوا إلى استئصاله. خضع السنوار لعملية «معقدة جداً وخطيرة» كاد يفقد حياته خلالها.

مثّل دخول المروحية على خط عملية الإنقاذ حدثاً استثنائياً وخلّف روايات متضاربة لدى الأسرى الثلاثة. يقول دولة إن «حالة السنوار كانت الأولى حسب تجربتي» بينما أشار منصور إلى أنه لا يتذكرها جيداً، فيما نفى طالب ذلك، موضحاً أن كل الإجراءات التي اتخذتها سلطات السجون حينذاك «كانت في الإطار العادي جداً».

يقول منصور إن الإسرائيليين حتى اليوم «يعيّرون» السنوار بعلاجه، مضيفاً أن مديرة مصلحة السجون ومديرة استخبارات السجون في حينها عبّرت في أكثر من مناسبة مؤخراً عن «عمق ندمها على إنقاذ حياة السنوار».

وعكس التعاطي الإسرائيلي مع مرض السنوار حالة من الإرباك الكبير لديها خلّفتها الخشية العميقة من أن يُلقي وضع السنوار الصحي بظلال ثقيلة على مسار صفقة شاليط في مراحلها الأخيرة. يلفت منصور إلى أن «لا أحد كان سيصدق في العالم أنهم لم يغتالوا السنوار أو يصفّوه وهو ما كان سيُلقي بانعكاسات كبيرة على الصفقة».

السنوار والبرغوثي وسعدات تحت سقف واحد

جمع سجن «هداريم» المركزي شمال إسرائيل السنوار بقيادات فلسطينية بارزة على رأسهم مروان البرغوثي وأحمد سعادات. بدأت العلاقة بين الثلاثة الكبار تتشكل داخل قسم العزل الجماعي هناك. «كان بينهم احترام كبير واستطاعوا أن يجدوا لغة مشتركة». يستذكر منصور: «هذا لا يجعلهم متطابقين في وجهات النظر لكن أتصور أن بينهم حالة ثقة واحترام تُمكّنهم من العمل معاً وتعطي تصوراً للعلاقة مستقبلاً».

عمل الثلاثة معاً، فخاضوا إضرابات داخل السجون وصاغوا مبادرات ورسائل للخارج أبرزها «ميثاق الأسرى للوفاق الوطني» ربيع عام 2006 الذي مثّل محاولة لرأب الصدع الواسع بين نقيضي المشهد السياسي الفلسطيني، حركتي «فتح» و«حماس».

عقب التوقيع على «وثيقة الوفاق»، يسرد دولة أنه نقل رسالة من سجن «هداريم» على لسان توفيق أبو نعيم، المقرب من السنوار، إلى سجن «بئر السبع»: «قال لي بالحرف: أبلغ عباس السيد والإخوة الذين شاركوا في التوقيع على (وثيقة الوفاق) أنهم سيندمون على اليوم الذي وقّعوا فيه عليها»، يستذكر دولة. خلّف ذلك انطباعاً لديه أن السنوار كان معارضاً للوثيقة. بيد أن منصور يرى أن أي موافقة من «حماس» داخل السجون «ما كانت لتتم دون مصادقة (أبو إبراهيم)».

يضيف منصور في قراءة سيناريوهات ما بعد الحرب، أن «إطلاق سراح الأسرى وبينهم مروان البرغوثي يأتي في سياق البحث عن شريك في (فتح) والمنظمة يكون السنوار قادراً على العمل معه».

«القسام» بعد 2011

بعد إطلاق سراحه من السجون بموجب صفقة التبادل عام 2011، مضى السنوار إلى تعزيز حضوره داخل صفوف حركته وتدعيم دوره داخل جناحيها لا سيما العسكري. عام 2012 انتُخب عضواً في المكتب السياسي للحركة وعلى الفور تولّى ملف التواصل مع الجناح العسكري. شرع السنوار خلال هذه المرحلة بلعب أدوار أوسع متكئاً على علاقته المتينة بالعسكريين وصولاً إلى انتخابات عام 2017 التي خرج منها على رأس المكتب السياسي للحركة في غزة مطيحاً بأسماء وازنة أبرزهم إسماعيل هنية. كان توجه السنوار فور خروجه من السجون إلى «أن يسيطر ويحكم وأن يكون الرقم (1) في صياغة الأمور في غزة»، كما يرى منصور.

خليل الحية وإسماعيل هنية ويحيى السنوار من حركة «حماس» خلال زيارة لمعبر رفح في 19 سبتمبر 2017 (رويترز)

ظل السنوار على رأس الحركة في غزة، وصولاً إلى استحقاق انتخابي جديد سبق السابع من أكتوبر بعامين. خرج منه مرة أخرى زعيماً لـ«حماس» في غزة. بدت المنافسة هذه المرة شرسة للغاية بين السنوار وشخصيات وازنة في الحركة. أعاد مسؤولو الانتخابات الداخلية التصويت «ثلاث أو أربع مرات» لضمان فوز السنوار. يقول منصور إن ذلك جاء تحضيراً لـ«لحظة 7 أكتوبر»، مضيفاً: «كان واضحاً أن لدى السنوار و(القسام) مخططاتهم».

لعب زعيم «حماس» أدواراً بارزة خلال هذه الفترة واهتمّ «بوتيرة غير مسبوقة في تاريخ الحركة» بتطوير العمل العسكري. يقول طالب: «الصوت الأعلى هو للعمل العسكري ومن دونه لكان السنوار شخصاً رمادياً مثل الآخرين».

طموح الرقم (1)

كثيرة هي المحطات في حياة السنوار التي يظهر فيها الرجل الطموح لاعباً بارزاً أو منفرداً يدير مجرياتها وتفاصيلها ويجني ثمارها نفوذاً وسلطة. يرى دولة أن السنوار «لا يقبل بأن يكون مرؤوساً. هو لا يقبل إلا أن يكون الرجل رقم (1) في الحركة. هو مصاب بالطموح حتى لا نقول الغرور، الذي كان يدفعه وهو داخل السجن لأن يكون دائماً الرجل الأول في الحركة».

خلال العقدين الماضيين، كثفت إسرائيل من ملاحقاتها واغتيالاتها لقادة «حماس» فأخرجت من المشهد قادة الصف الأول مما دفع بشخصيات جديدة في الحركة إلى الواجهة. يقول دولة: «لا يشعر السنوار بأن من حق أيٍّ من القادة الحاليين أن يكون رئيساً عليه، ولا يقبل بذلك أبداً».

مؤشرات مبكرة على «الطوفان»

يشير دولة إلى أن انطباعاً لطالماً أحاط بالسنوار أنه «لفعلٍ كبير»، عززته خطاباته والرسائل التي أطلقها أكثر من مرة للأسرى في السجون، موضحاً أن «صفقة شاليط تركت العديد من عناصر حركة (حماس) وقيادات (القسام) الأوائل بالسجون، ولذلك شعرت الحركة بأنها قصّرت». يقول دولة إن حالة من الانزعاج طالت أسرى «حماس» بعد الصفقة، ووجَّهوا رسائل ناقدة وغاضبة إلى القيادة، مشيراً: «ربما شعر السنوار بأن عليه التزاماً أخلاقياً تجاه تصحيح ما لم تتمكن صفقة شاليط من تنفيذه».

لوحة إعلانية في أحد شوارع القدس تحمل صورة يحيى السنوار وحسن نصر الله وكُتب عليها بالعبرية «من يستفيد من فُرقتنا؟ الوحدة الآن» (أ.ف.ب)

يستذكر طالب خطاب السنوار الأول بعد الإفراج أمام الجماهير في ساحة الكتيبة وسط غزة: «كنت حاضراً على المنصة حين قال: (اليوم نغزوهم ولا يغزوننا). رأى أن صفقة التبادل كسرة لإسرائيل ويمكن أن يَبني عليها كسرات أخرى».

يرى منصور أن عوامل عدة التقت لدى السنوار قبل «7 أكتوبر» ورجحت كفّة «الجانب العقائدي» في قراءته الصراع، «جرًب السنوار مصالحة مع السلّطة وفشلت، جرّب التوصل إلى صفقة تبادل للجنود مع إسرائيل وفشلت. جرب رفع الحصار، جرب كل الطرق لإيجاد مخرج لوضع غزة ويحرر الأسرى وفشل، فلم يبقَ أمامه سوى هذا الخيار». يستدرك منصور: «لو كان هناك خيارات أخرى، «7 أكتوبر» ما كان ليحصل».

إسرائيل و«رمز الحرب»

منذ بداية الحرب على غزة، أضحى السنوار عنواناً رئيسياً للحملة العسكرية على القطاع وصورة لشكل الانتصار الذي تطارده المؤسستان العسكرية والسياسية في إسرائيل. يرى منصور أن إسرائيل حوّلته «رمزاً» لهذه المواجهة، وحمَّلته المسؤولية الكاملة عمّا جرى، «إسرائيل بدأت تبحث عن صورة واسم يلصق في ذهن العالم ويصبح مثل هتلر وصدام والقذافي وتشاوشيسكو والديكتاتوريين في العالم. جاء ذلك محاولة لاختزال كل (حماس) وكل الذي يحدث وكل القضية الفلسطينية في شخص وشيطنته».

يرى منصور أن شكل نهاية الحرب في ذهن الإسرائيليين مرتبط بمصير السنوار، «هذا إمَّا بإخراجه؛ فيصبح إخراج السنوار كفرد أو مجموعة أشخاص كأنه فعلاً إخراج لـ(حماس) من غزة، أو اعتقاله، أو تصفيته، أو بقائه مطلوباً ومطارداً، ليكون ذلك مسوغاً للاستمرار في عمليات الملاحقة ويتحول مثل الأشخاص الذين يديرون حركة من داخل نفق»، مضيفاً: «لكن كلما أصبحت سيطرة إسرائيل على الأرض أكبر، أصبحت مهمة السنوار أصعب، وصار الذهاب إلى الخيارات الأخرى أقرب».

قادة «حماس» الذين جرت تصفيتهم... يحيى السنوار في مرمى النيران (تصوير: الشبكات العربية)

السنوار «البراغماتي»؟

يرى من عرفوا السنوار أنه أدار في بعض مراحل الأَسْر سياسة «براغماتية». يقول منصور: «ربما يُفاجأ البعض أنه شخص يعقد صفقات. عقَد صفقات في مراحل سابقة مع الإسرائيليين، وهو قادر على التوصل لحلول وسط ومساومات في مراحل معينة لكن ضمن توجهاته».

لكن، اليوم وبينما باتت إسرائيل تصف السنوار بالرجل «الحي الميّت» وتكثّف من عمليات البحث عنه فوق الأرض وتحتها في أرجاء القطاع الممدد تحت النار والدمار، يرى منصور أن أي زعيم إسرائيلي الآن أو مستقبلاً لن يكون قادراً على التعايش مع بقاء السنوار في قطاع غزة، «حجم الحقد والتحريض والاتهامات والمسؤوليات التي أُلقيت عليه، والتعبئة التي قامت بها إسرائيل للشارع والإعلام وعلى مستوى العالم لا تُمكّن إسرائيل من الرجوع خطوة للوراء أو عقد صفقة معه تُبقيه في غزة في وضع طبيعي». مضيفاً: «لا يمكن لإسرائيل أن تسلّم ببقائه حياً».

إلا أنه وبعد نحو 10 أشهر من الحرب وما خلَّفته من خسائر ودمار، لا يرى طالب أي نافذة للمرونة لدى زعيم «حماس»، مشيراً: «لا أتوقع منه تقديم أي مرونة بعد هذا الثمن الكبير الذي دفعه. أعتقد أن خطته وتوقعاته للحرب أنها مستمرة إن لم يكن لأشهر مقبلة، فلسنوات».