«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

«سي آي إيه» تدرس خيارات للرد على الاختراقات «السيبرانية» الروسية

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو
TT

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

تعرضت الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي لموجة هائلة من الهجمات الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وخلال يوم الجمعة الماضي شهدت مواقع أميركية شهيرة، مثل «أمازون» و«تويتر» و«نتفليكس» و«رديت» و«اتسلي»، إضافة إلى مواقع لصحف مثل «نيويورك تايمز» و«بوسطن غلوب» إلى أضرار نتيجة اختراق مواقعها، وتم إغلاق المواقع والخدمات في كافة أنحاء الساحل الشرقي للولايات المتحدة. من ناحية أخرى، كانت روسيا قد استأنفت خطط التطور التقني مع مجيء الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة في عام 2000، بعد سنوات من التراجع التقني أمام الغرب. ويومها، اتخذ القرار بإعادة تفعيل هذا الجانب، رغم أن التطور التكنولوجي كان قائمًا في سنوات الحرب الباردة، حيث شهدت تنافسًا تقنيًا مع الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدًا في مجال الصواريخ الجو فضائية.
الجانب السياسي للهجمات الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وتحديدًا طموحات موسكو السياسية والأمنية، تعزز بعدما تسربت خلال الأسابيع والشهور الماضية «الإيميلات» الخاصة بكبار الشخصيات الأميركية، وشملت المراسلات الإلكترونية جون بوديستا، مدير حملة المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الأسبق كولن باول، وكذلك تسريب للبريد الإلكتروني لرئيسة لجنة الحزب الديمقراطي ديبي واسرمان شولتز؛ ما دفعها إلى الاستقالة، وهذا إضافة إلى تحذيرات من هجمات إلكترونية روسية لمواقع سجلات الناخبين الأميركيين في ولايات عدة. وأخيرًا، مع تصريحات المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب حول «تلاعب محتمل» في نتائج الانتخابات، يخشى المسؤولون من تعرض الناخبين لعمليات خداع وتضليل.

المشهد.. أميركيًا
يقول خبراء أمنيون في شركة إنترنت ترافيك كومباني Internet traffic company، إن الهجمات الأخيرة كانت جيدة التخطيط والتنفيذ، وجاءت من عشرات الملايين من عناوين الإنترنت في وقت واحد، ويوجه هؤلاء أصابع الاتهام صراحة إلى دول مثل روسيا والصين اللتين، كما يقولون، تعملان على تطوير قدرات لشن حرب إلكترونية متقدمة ضد الولايات المتحدة والغرب.
في هذا السياق، انتقد كل من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ومدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر ووزير الأمن الداخلي جيه جونسون، روسيا علانية، واتهموها بالوقوف وراء هذه «الاختراقات لشبكة الإنترنت». ومن ثم هددت الإدارة الأميركية بالرد على الاختراقات الإنترنتية أو «السيبرانية» الروسية، وقال مسؤولون في الاستخبارات الأميركية لشبكة «إن بي سي نيوز» الإخبارية التلفزيونية، إن إدارة الرئيس باراك أوباما «تفكر في شن هجوم سري سيبراني لم يسبق له مثيل ضد روسيا ردًا على الشكوك في اختراق روسي لمواقع سجلات الانتخابات الأميركية».
وحسب التقارير طلبت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) من مسؤولين حاليين وسابقين وضع مقترحات وخيارات للبيت الأبيض من أجل شن عملية «سيبرانية» سرية واسعة النطاق تهدف إلى إحراج قيادات الكرملين. كذلك تشير المصادر الاستخباراتية إلى أن خطة وضعت بالفعل وتحددت فيها الأهداف وجرى وضع التحضيرات. ويشير محللون في هذا الإطار إلى أن «سي آي إيه» ترغب في التصعيد، وتتحضر حقًا لعمل «سيبراني» كبير، و«بعض الخيارات تشمل تسريبا لوثائق خاصة للرئيس الروسي فلاديمير يوتين».
من جهة ثانية، يقول نيكولاس ويفر، أحد كبار الباحثين في معهد علوم الحاسب الدولية بجامعة كاليفورنيا، بيركلي «إن الإعلان عن الاختراقات من قبل وكالة الاستخبارات المركزية إما يعني أن الوكالة تريد الضغط على إدارة الرئيس أوباما للحصول على موافقته في تصعيد الحرب الإلكترونية ضد روسيا، أو أن الأمر كله خدعة.. وكل ما تسعى الوكالة إليه هو محاولة تخويف روسيا، وإلا فأين كل عباقرة ووكالات الأمن القومي؟»، ويتابع ويفر «لو أقررنا بهذه الاختراقات، فهل الرد بتسريب وثائق خاصة ببوتين ستجعله يخاف ويتوقف عن شن مزيد من الهجمات الإلكترونية؟ بالطبع لا، بل إن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن التوترات بين القوتين ستتزايد عبر الإنترنت».
من جانبه، يشير جيمس ستافريديس، المسؤول العسكري السابق في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، إلى أنه يتوجب على الولايات المتحدة «تجميع أدلة ضد روسيا والكشف عن أسماء المسؤولين الروس الذي سمحوا بهذه الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة بما يضع موسكو في وضع محرج». وبينما اقترح بعض الخبراء استخدام تقنيات إلكترونية لفضح الرئيس الروسي والكشف عن ممتلكاته المالية في الخارج، رأى آخرون أن هذه الخطوات يمكن أن تفاقم الأزمة المتصاعدة أكثر بين واشنطن وموسكو.

التحدي الروسي الجدي
وحول الأزمة المتفاقمة يعلق البروفسور ديفيد ستابلس، مدير مركز العلوم الأمنية بجامعة سيتي – لندن، بأن الاستخبارات الروسية «قررت منذ سنوات جعل الحرب الإلكترونية أولوية دفاعية وطنية وباتت بارعة على نحو متزايد في شن الهجمات (السيبرانية)..».. ويتابع ستابلس إن «روسيا قررت منذ عام 2007 أن حرب المعلومات هي المحور الرئيسي لكسب أي نزاع في العالم، وبالتالي، قررت ضخ استثمارات عسكرية لرفع القدرة والتكنولوجيا، واليوم غدت روسيا موطنًا لأفضل المتسللين والقراصنة الإلكترونيين في العالم، خلال فترة عشر سنوات فقط ها هي روسيا مستعدة لخوض حرب إلكترونية مع الولايات المتحدة».
في هذه الأثناء، هناك البعد الاقتصادي؛ إذ يحذر الخبراء من حرب إلكترونية ضد الاقتصاد الأميركي، إذ يبلغ حجم «الاقتصاد الجديد عبر الإنترنت» أكثر من تريليون دولار، ومن دون شبكة الإنترنت فإن أعدادًا كبيرة من الشركات قد لا تظل قادرة على العمل بشكل طبيعي، وهنا تتزايد المخاوف فعليًا من اختراقات للبنوك والأنظمة المالية وشبكات أسواق المال.
كذلك امتدت المخاوف إلى الجانب العسكري، وحذر النائب الجمهوري دنكان هنتر، عن ولاية كاليفورنيا، وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» من تنفيذ خطتها لتقديم خدمة الإنترنت منخفض التكلفة للجنود الأميركيين في أماكن مثل العراق وأفغانستان، وحذر هنتر الذي عمل ضابط مشاة بالبحرية الأميركية في العراق وأفغانستان من المخاطر الأمنية في هذا الصدد؛ إذ قال: «يمكن أن تتعرض القوات الأميركية المقاتلة المنتشرة هناك لسرقة المعلومات الشخصية عبر شبكة إنترنت غير محمية يسيطر عليها دول معادية». وطالب سياسي آخر هو النائب ادم سيف، كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، بالإحجام عن أي خطوة تستفز روسيا وتؤدي إلى مزيد من التصعيد، وشدد «لا أريد اتخاذ أي خطوة تؤدي إلى مزيد من التصعيد تدفع روسيا على الأرجح إلى نشر رسائل بريد إلكتروني ووثائق مزورة لا يمكن دحضها بسهولة خلال الأسبوعين المقبلين قبل الانتخابات الرئاسية».
وبينما أشار السيناتور الجمهوري كوري غاردنر، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية والأمن السيبراني الدولي في مجلس الشيوخ، أنه يعتزم تقديم تشريع لفرض عقوبات على روسيا، يقول فرانكلن رايدر، مدير مركز أمن الإنترنت بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية: «جيد أن تفكر إدارة أوباما بجدية في كيفية الرد على العدوان الروسي للفضاء الإلكتروني، لكن لا بد من وضع استراتيجية جيدة للرد، وأن يكون الرد هادئا باستخدام الكثير من الأدوات مثل هجوم سيبراني مضاد وفرض عقوبات وزيادة الدعم لدول حليفة وصديقة تتعرض لهجمات من روسيا وهكذا». وأضاف غاردنر «يجب ألا يكون الرد هجمة مضادة لمرة واحدة، وإنما يجب على الولايات المتحدة وضع خطة أكثر انتظامًا بالتوازي مع العمل لحماية الأسرار وأنظمة الاستخبارات، ولا ينبغي أن تكون الولايات المتحدة وحدها في هذا الجهد، بل يجب التنسيق مع الحلفاء والشركاء الآخرين المتضررين من العمليات الإلكترونية».

.. والمشهد روسيًا
في هذه الأثناء، في موسكو ينفي الجانب الروسي على المستوى الرسمي ضلوع أجهزة استخباراته بها، ويذكر أن وسائل إعلام عالمية نقلت في الأسبوع الأخير من أكتوبر (تشرين الأول) معلومات عن اختراق «قرصان إنترنت» أميركي لقبه «شوت» الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، إلا أن ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية أكدت أن الموقع الرسمي للوزارة يعمل ولم يتعرض لأي هجمات إلكترونية، مرجحة أن الحديث ربما يدور عن الموقع القديم للوزارة. ولم يكن الحديث عن اختراق الصفحة الرسمية للخارجية الروسية سوى صفحة من صفحات مواجهة بدأت سريعا بالتزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة صيف العام الحالي. كما اشتكت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات في الرياضة ممن قالت إنهم «قراصنة إنترنت» من روسيا يقفون خلف عملية نشر قوائم بأسماء الرياضيين الذين يتناولون منشطات بموافقة من الوكالة.
وعلى الرغم من نفي روسيا في كل حالات الاختراق مسؤوليتها عن تلك الهجمات، وتأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديث لوكالة «بلومبيرغ» بأن «روسيا على المستوى الحكومي لم تقم يوما بمثل هذا العمل».
ويرى فلاديمير بروتير، الخبير الروسي من المعهد الدولي للدراسات الإنسانية – السياسية، أن الرد الذي توعدت به الولايات المتحدة روسيا سيكون موجها بصورة رئيسية على تقييد وصول روسيا إلى الفضاء الإلكتروني، مرجحا أن «الولايات المتحدة ستستغل إمكاناتها لحجب تلك الإمكانات والمخدمات التي تستخدمها روسيا في العالم الإلكتروني»، وموضحا أن «روسيا كثيرا ما تستخدم قدرات ونطاقات اتصالات معينة في الفضاء الإلكتروني العالمي لحل بعض المسائل، بما في ذلك لتسهيل حركة مرور بعض العمليات المالية الاقتصادية وغيرها. وسيتم حجب جزء (قسم) من تلك الإمكانات والقدرات»، حسب قول الخبير بروتير.

المواجهة ليست جديدة
أما الخبير الروسي رومان روماتشيوف، المدير العام لوكالة تقنيات التجسس (بي - تيكنو)، فيلفت إلى أن «الدول العصرية تستخدم في الواقع قراصنة الإنترنت أكثر فأكثر كأداة للتأثير في السياسة»، ويؤكد انطلاقا من تلك الرؤية أن المواجهة الإلكترونية بين روسيا والولايات المتحدة بدأت منذ وقت بعيد. ويعتقد روماتشيوف، أن مؤسسات السلطة الروسية ليست مهددة؛ لأنها حسب قوله «لا تحتفظ بأي معلومات سرية على مواقعها»، موضحا أن هذا الأمر يعكس السياسة التي تتبعها روسيا بشكل عام في هذا المجال؛ ولذلك «لا تنشر المؤسسات الحكومية سوى الأخبار».
إلا أن خطورة الدخول في مواجهة إلكترونية لا تقتصر على مسألة كشف الرسائل ومحاولة الوصول لأسرار الحكومات، ولعل خير توضيح لمدى جدية تلك المواجهة يعكسه بدقة قرار حلف شمال الأطلسي «ناتو» عام 2016 اعتبار الفضاء الإلكتروني رسميا بأنه «ساحة مواجهة» محتملة، علما بأن الحلف كان في السابق يطلق هذا الوصف فقط على البر والبحر والأجواء والفضاء. وكانت الولايات المتحدة أول من نظر إلى الفضاء الإلكتروني بأنه ساحة مواجهة، وذلك ضمن نص استراتيجية اعتمدتها عام 2011 حول النشاط في ذلك الفضاء، وتمنح فيه لنفسها الحق بالرد على «الأعمال التخريبية في الفضاء الإلكتروني» بكل الوسائل المتاحة. وفي نهاية العام ذاته، اعتمدت وزارة الدفاع الروسية عقيدة مشابهة للاستراتيجية الأميركية. وما زال العالم يذكر حتى الآن العبارة التي استخدمها جون هامر، نائب وزير الدفاع الأميركي عام 1997، في عهد بيل كلينتون، حين تعطلت محطة كهرباء في سان فرانسيسكو وبقي 125 ألف مواطن دون كهرباء يوما بأكمله؛ إذ أطلق هامر حينها لأول مرة تعبير «بيل هاربر إلكترونية» في إشارة منه إلى خطورة الهجمات عبر الفضاء الإلكتروني، ومحذرا من الأعمال التي يمكن القيام بها بواسطة التقنيات الإلكترونية التي كانت تعتبر حينها حديثة العهد نوعا ما.

توقع التصعيد
ويبدو أن المواجهة في الفضاء الإلكتروني وخطورة استخدام الرقميات بشكل عام لأغراض غير قانونية واختراقها للتجسس أو تحويلها إلى أجهزة تنصت، تتجه نحو التصعيد الأمر الذي سيفرض على القوى المعنية ودول العالم ككل العمل على صياغة معاهدات واتفاقيات لضبط تلك المواجهة على غرار المعاهدات في المجال النووي وغيرها من معاهدات حظر الأسلحة. وكانت روسيا قد عرضت عام 1999 على الأمم المتحدة مشروع قرار «الإنجازات في مجال المعلومات والاتصالات في سياق الأمن الدولي»، وتم حينها اعتماد القرار بالإجماع. وفي عام 2011 عرضت الدبلوماسية الروسية نص معاهدة بعنوان «حول ضمان الأمن المعلوماتي العالمي»، تحدد فيها معايير تنظيم استخدام الإنترنت مع أخذ التحديات السياسية، والإجرامية والإرهابية بالحسبان، وتدعو المعاهدة إلى «عدم السماح باستخدام تقنيات الاتصالات في أعمال عدائية». إلا أن الولايات المتحدة اعتبرت تلك المعاهدة المقترحة «غير واقعية»، وأنها لن تكون فاعلة في مسألة الفضاء الإلكتروني، بينما رأت فيما الدعوة بتعميم مبادئ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول ومنح الحكومات المحلية صلاحيات واسعة في الفضاء الإلكتروني بأنها «محاولة لترسيخ الرقابة وتحكم الدول بالشبكة العنكبوتية المحلية». وكانت هناك مبادرات أخرى في هذا المجال عبر الأمم المتحدة وآلياتها، إلا أنه لا يوجد حتى الآن معاهدة واضحة أو معايير متوافق عليها لتنظيم النشاط في الفضاء الإلكتروني والحفاظ عليه بعيدا عن المواجهات.
في هذه الأثناء، يبدو أن بقاء الوضع ضمن معايير ضبط أمر يناسب القوى الكبرى التي تراهن على الاستفادة من الهجمات الإلكترونية لإضعاف قوى «العدو». وحسب الاستراتيجية الإلكترونية الأميركية المعتمدة عام 2015، يأمل العسكريون الأميركيون أن تسمح لهم القدرات الهجومية عبر الفضاء الإلكتروني بشل مراكز قيادة «العدو» وحرمانه من القدرة على استخدام أسلحته. وتراهن دول أخرى بما في ذلك روسيا على الاستفادة من سلاح الهجمات عبر الفضاء الإلكتروني. كما لا يمكن تجاهل الأهمية التي تمنحها أجهزة الاستخبارات حول العالم لقدرات الفضاء الإلكتروني، ولا سيما لأغراض التجسس؛ إذ لم تعد تلك المؤسسات مطالبة في كل الحالات لتجنيد عملاء أو إرسال جواسيس للحصول على معلومات محددة، ويكفي توظيف عبقري في هذا المجال لتنفيذ عمليات اختراق تحقق نتائج أفضل من تلك التي يمكن لجاسوس تحقيقها، وبقدر أقل من التكلفة والخسائر.

كابلات الإنترنت
في العاصمة اللبنانية بيروت التقت «الشرق الأوسط» بالمتخصص بشؤون الأمن القومي الروسي محمد سيف الدين، وسألته عن أبعاد الحرب «السيبرانية» الحالية، فقال: إن موسكو «تدرك أن احتمالات المواجهة المباشرة العسكرية المباشرة مع الغرب، ضعيفة جدًا رغم التوتر؛ لأن الطرفين اختبرا أهوال الحرب، وأن لغة الحرب العصرية، تتخطى منطق الحرب العسكرية المباشرة، وهي الدوافع التي جعلتهم يهتمون إلى حد كبير بالحرب السيبرية».
ويضيف سيف الدين: «بحسب الإعلان، ثمة قراصنة روس يستطيعون الدخول إلى أكبر المواقع الإلكترونية الأميركية تحصينًا، ولا يعرف إن كانوا قراصنة أفرادا، أم مدعومين من الحكومة الروسية، لكن ما هو معلن أن مصدره الأراضي الروسية؛ ما يؤكد أن هناك حربًا تدور في هذا المجال». وإذ يؤكد الخبير اللبناني أن الروس لم يستطيعوا فرض توازن في هذا الجانب التقني مع الغرب «حتى اللحظة»، وأن التفوق لصالح الغرب، يشير إلى أن القراصنة الروس «يستطيعون إحداث ضرر على المستوى التقني».
والواضح أن القرصنة الإلكترونية، تعد جانبا من جوانب الحرب السيبرانية بين روسيا والغرب، في ظل وجود منظومة الردع الإلكتروني الروسية المعلنة، التي تُسمى «كاسبرسكي»؛ ما يشير إلى أن الحرب السيبرية، تعمل على مستويين: الهجوم والدفاع. ووفق الاستراتيجية الأمنية الروسية في عام 2009 التي دخلت حيز الأمن في عام 2012: «ورد حرفيا أن هناك ضرورة لإقامة منظومات حماية إلكترونية»، بحسب سيف الدين، وبالتالي، باتت الحرب السيبرانية تشبه منظومات الصواريخ: هجومية ودفاعية. وحققت منظومات الحماية الروسية الإلكترونية، نجاحًا في وقت الاختراقات الإلكترونية الغربية للمنظومة النووية الإيرانية بعد سنوات من اختراقها، قبل أربع سنوات. ويختتم سيف الدين كلامه بالقول: «جزء من المساعدات الروسية لإيران تكون من الجانب التقني، بهدف حماية الداتا الإيرانية من الخروقات الغربية... كوريا الشمالية وإيران تعتمدان على منظومات تقنية روسية للحماية، ولا يعرف ما إذا كانت الدولتان تحصلان على منظومات الحماية الإلكترونية من السوق السوداء أم من الحكومة الروسية مباشرة».
من ناحية ثانية، تحدث الدكتور هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في بيروت، عن تدشين روسيا في عام 2014 تقنية جديدة للتجسس على كوابل الإنترنت، بإطلاق السفينة «يانتار»، التي دخلت الخدمة في صفوف الجيش الروسي في عام 2015، وتوصف هذه السفينة بأنها مركبة معدة للمحيطات وسفينة ذات أغراض خاصة؛ ما يشير إلى أنها سفينة تجسس، بحسب ما ذكر موقع «هايسوتون» في الإنترنت المتخصص بمتابعة حركة السفن البحرية والغواصات، مشيرًا إلى أنها قد تكون معدة أيضًا لقطع خطوط الاتصالات.
ثم أضاف، أن بداية عمل السفينة كانت قبالة السواحل الكوبية، حيث تمر الكوابل البحرية الناقلة لمعلومات الإنترنت؛ ما يشير إلى أنها أداة تقنية، معدة لجمع المعلومات من موابل الإنترنت التي تصل إلى أميركا، أو تخرج منها إلى العالم. فقد تواجدت السفينة العام الماضي قرب خطوط الإنترنت البحرية قرابة السواحل الكوبية، تلك التي تنقل معظم خطوط الاتصالات العالمية لشبكة الإنترنت؛ الأمر الذي أثار مخاوف مسؤولين أميركيين من احتمال أن تكون روسيا قد خططت لقطع هذه الخطوط أو التجسس عليها.
وتابع جابر، أنه من خلال هذه السفينة، يبدو أن روسيا لا تنوي جمع المعلومات عن الولايات المتحدة فحسب، بل في المناطق التي تطمح روسيا ليكون لها نفوذ فيها. ذلك أن انتهاء مهمتها قبالة السواحل الكوبية، لم يمنع موسكو من نقلها إلى مواقع أخرى، وأهمها منطقة البحر المتوسط. ففي مطلع هذا الشهر، أثارت السفينة الروسية المعدة للتجسس التي تواجدت قبالة السواحل اللبنانية، شبهات حول تنصت على كوابل الإنترنت البحرية التي تمر عبر البحر المتوسط من قبرص إلى لبنان والساحل السوري، وذلك في أحدث تواجد عسكري روسي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، استبقت وصول حاملة الطائرات الروسية إلى المنطقة.
وأضاف جابر: «الواضح أن روسيا حين دخلت البحر المتوسط والمياه الدافئة بحيث الحشد العسكري بالفرقاطات والسفن، لا يمكن أن تدخلها من غير جمع معلومات متكاملة عن أمن المنطقة بشكل كامل، وهو ما يفسر وجود السفينة هنا... إنها تشبه سفينة ليبرتي الأميركية التي قصفها الإسرائيليون في البحر المتوسط في الستينات، لكن هذه السفينة أكثر تطورًا من سفينة كانت موجودة قبل 50 عامًا، وتحمل أجهزة متطورة لجمع المعلومات وتحليلها، ونقل خلاصات عنها إلى موسكو لتخزينها واستثمارها أيضا».



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.