مصرية تعيد إحياء تراث جداتها في تصنيع منتجات يدوية

تحول مخلفات النخيل إلى أعمال فنية في محاولة لمحاربة الركود الاقتصادي

الفنانة حنان سنوسي - من إبداعات حنان سنوسي ({الشرق الأوسط})
الفنانة حنان سنوسي - من إبداعات حنان سنوسي ({الشرق الأوسط})
TT

مصرية تعيد إحياء تراث جداتها في تصنيع منتجات يدوية

الفنانة حنان سنوسي - من إبداعات حنان سنوسي ({الشرق الأوسط})
الفنانة حنان سنوسي - من إبداعات حنان سنوسي ({الشرق الأوسط})

في واحة الداخلة بمحافظة الوادي الجديد (نحو 600 كيلومتر جنوب غربي القاهرة) نشأت الشابة المصرية حنان سنوسي بين عائلة تمتهن سيداتها عمل منتجات ومشغولات تستخدم الخامات البيئية، خصوصا خامات النخيل الذي تشتهر المحافظة بزراعته، من السعف والعرجون والجريد والليف، وكذلك بقايا الأقمشة الملونة، في تصنيع منتجات يدوية بديعة الشكل تسر الناظرين وتستهوي السائحين.
وحرصت حنان على استكمال تقاليد نساء عائلتها، لتصبح خلال سنوات قليلة من العمل بها صاحبة مدرسة فنية خاصة، تشكل المنتجات اليدوية في أبهى صورة من خلال الاستفادة من مخلفات النخيل، مثل الخوص والسعف، معتمدة في تصميمها على التراث التقليدي والبيئة البدوية.
وتقول حنان: «نشأتي ساعدتني أن أرى سيدات العائلات في واحة الداخلة وهن ينتجن من قطع النخل ومعها خامات أخرى أعمالا ابتكارية صالحة للاستعمال المنزلي، فسيدات القرية ورجالها توارثوا المهنة أبا عن جد منذ عشرات السنوات، لذا استهوتني تلك المنتجات، وكنت أشارك سيدات العائلة خصوصا جدتي ووالدتي في العمل، ولكن بشكل هواية في وقت فراغي أثناء مراحل الدراسة».
وتضيف: «أكملت دراستي حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة، وبعدها لم أوفق في الحصول على وظيفة حكومية، لذا قررت أن أتجه إلى هوايتي، وأن أعمل بيدي ولا أنتظر الوظيفة، وأتخطى مرحلة الهواية إلى الاحتراف».
وتبين حنان أن المنتجات اليدوية من الخوص والسعف كانت قديما قاصرة على «الأسبتة اليدوية» التي لا تخلو منها المنازل، ثم تطورت المنتجات لتشمل إنتاج المقاعد وأطباق الفاكهة والحفظ، وهي أيضا للاستخدام المنزلي، ثم كان التوسع في إنتاج منتجات تتخطى المنزل إلى استخدامات أخرى أو في الديكورات التي تزين الحوائط، مثل الأطباق مختلفة الأحجام والقبعات والحقائب.
وتوضح الشابة الثلاثينية أن أبرز منتجاتها المطورة تتمثل في علب حفظ المناديل الورقية، والقبعات، وحقائب البحر، وحقائب الخروج مختلفة التصميمات. أما المنتجات التراثية التي أضافت عليها لمسات حديثة فأبرزها جلباب الواحات، ومكحلة العروس التراثية.
وتعدد مزايا منتجات الخوص وسعف النخيل، قائلة إنها منتجات صحية عند الاستعمال أفضل من البلاستيك، خصوصا عند وضع أشياء ساخنة بها، كما أنها جيدة التهوية إذا وضعت بها الحبوب والبقوليات، أو حُفظت بها الخضراوات والفاكهة والمخبوزات، لذا فهي منتجات نافعة لربات البيوت في استخدامات كثيرة.
وخلال سنوات قليلة، استطاعت ابنة الوادي الجديد إقامة معرض دائم لها داخل منزل بالطوب اللبن داخل مدينة القصر الإسلامية (تقع شمال واحة «الداخلة» في قلب الصحراء المصرية، وتعد واحدة من أقدم المدن الأثرية القديمة)، وهو ما ساعدها على التوسع في الإنتاج، وانتعاش حركة البيع والشراء لمنتجاتها اليدوية، خصوصا من جانب السائحين الذين يجذبهم المكان القديم والمنتجات التراثية.
وتشير إلى أن سوق السياحة كانت مفتوحة قبل سنوات، وكان السائحون العرب والأجانب يقصدون واحة الداخلة لشراء المنتجات اليدوية لهم ولذويهم، لكن في السنوات الأخيرة ونظرا لما تعانيه حركة السياحة من ركود، ونظرا لأوضاع البلاد السياسية قل الإقبال السياحي، وبالتالي شهدت المنتجات ركودًا.
أمام ذلك، لجأت حنان إلى الخروج بمنتجاتها إلى مهرجانات تراثية ومعارض فنية خارج واحتها، وعن ذلك تقول: «بدأت قبل 3 سنوات الاشتراك في هذه المهرجانات خصوصا التي تعقد في العاصمة، حيث أحمل بضاعتي إليها بغرض التسويق المحلي والعالمي، خصوصا أن هذه المهرجانات تعمل على تشجيع الحرف التي قاربت على الاندثار، وبالتالي تجد إقبالا من محبي الفنون التراثية من مختلف الجنسيات، كما أن هذه المعارض تعد فرصة للتواصل مع أصحاب الحرف الأخرى من مصر وخارجها، بما يعد فرصة أخرى لتبادل واكتساب الخبرات».
وتشير إلى أنه لخبراتها في مجال المنتجات اليدوية بدأت في تقديم ورش تدريبية من خلال وزارة الثقافة المصرية للسيدات والفتيات، تتضمن تدريبهن على صناعات النخيل، بهدف توفير فرص عمل من خلال بيع منتجاتهن.
وكخطوة أخرى تواكب تطوير منتجاتها، تبين صاحبة المنتجات التراثية أنها قامت بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» للترويج لمنتجاتها بين أعضاء الموقع، وهو ما وجد إقبالا من جانبهم، وبحسبها لا يتوقف هدف الصفحة فقط على شق التسويق، فلها هدف ثقافي أيضا، وهو توعية الأجيال الجديدة بتاريخها، وربطها بماضيها وتراثها العريق.
وتختتم حنان حديثها بأنها تتمنى أن تشارك بمنتجاتها في المعارض الدولية الخارجية التي تحتضن الحرف اليدوية والتقليدية، حيث تأمل أن تكسبها هذه المعارض شهرة عالمية، وأن تعرّف بضاعتها للجميع، بما يليق بمسقط رأسها واحة الداخلة على المستوى الخاص، وبوطنها مصر على المستوى العام.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».