فعلتها الأكاديمية السويدية مرة أخرى بمنحها جائزة نوبل للآداب لهذا العام للمغني وكاتب الأغاني بوب ديلان. وكانت الأكاديمية قد منحت جائزتها السنة الماضية للصحافية البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش. وقلنا حينها إنه استثناء قد لا يتكرر إلا بعد مرور عقود طويلة. ومن هذا الاستثناء، منح الجائزة للمؤرخ ثيودور مومسون عام 1902، أي بعد عام من تأسيسها، ثم إلى المؤرخ والفيلسوف البريطاني برتراند راسل عام 1950، وأخيرا لونستون تشرشل عن مذكراته عام 1953 وسط ذهول العالم الأدبي آنذاك.
لم يتكرر هذا «الاستثناء» منذ أكثر من نصف القرن، إذ ذهبت الجائزة إلى شعراء وروائيين، وكتاب مسرحيين لهم إنجازاتهم الكبيرة وحضورهم في المشهد الأدبي العالمي، بغض النظر عما إذا كان هذا الفائز أو ذاك جديرا أكثر من غيره بنيل هذه الجائزة الأدبية الأرفع في عصرنا منذ تأسيسها عام 1901، وبغض النظر عن التأثيرات السياسية.
كانت أليكسييفيتش قد طورت كتاباتها الصحافية، حسب بيان الأكاديمية السويدية، جنسا أدبيا جديدا على المصطلح النقدي، وهو «الرواية الجماعية» (C0llective Novel)، أو «الرواية - الدليل» (Novel Evidence)، أو «الكورس الملحمي» (Epic Chorus)، الذي تجتمع فيه الأصوات البشرية والاعترافات، وأدلة الشهود، والوثائق، بلا حبكة، بلا بداية ولا نهاية، ولا بناء روائي، ولا رؤية أو رؤيا، ولا رسم شخصيات، ولا أحداث تنمو، ولا صور ولا خيال فني، مما برر منحها الجائزة. لكن اختيارها المغني بوب ديلان قد تجاوز كل التوقعات والتصورات أيضًا.
حين سمعنا، منذ أكثر من عشر سنوات أنه مرشح للجائزة، لم يأخذ أحد هذا الترشيح على محمل الجد. والآن، وقد تحول الأمر إلى حقيقة، علينا إعادة النظر فعلا في كل مفاهيمنا.
تقول الأكاديمية، في حيثيات قرارها، إن ديلان استحق الجائزة، لأنه «أوجد تعبيرات شعرية جديدة في الأغنية الأميركية التقليدية». وهذا صحيح، وصحيح أيضا أنه أصبح أيقونة موسيقية وغنائية في عصرنا، وله شعر غنائي ولا أعذب، يذكرنا عربيا بالأخوين رحباني، ولكن هل هذا يكفي لمنحه الجائزة الأدبية الأرفع؟
من وصايا نوبل أن الجائزة ينبغي أن تمنح لتلك الأعمال التي تغني الحركة الثقافية في العالم كله، وتساهم في تشكيل تيار أدبي «مثالي» مفيد للبشرية كلها. وبالتالي، فإن الأكاديمية السويدية لم تنجح هذه المرة حتى في تسويق حيثيات قرارها، الذي حصرته في إغناء ديلان الأغنية الأميركية بشعرية جديدة.
لكن يبدو أن الأكاديمية السويدية تريد أن تؤسس لمفهوم مختلف للأدب، وإعادة النظر في تعريفنا المعروف له، الذي ربما صار كلاسيكيا، من وجهة نظر الأكاديمية، في الأقل، وفي كثير من مفاهيمنا النقدية والنظرية المكرسة منذ سنين طويلة في التاريخ الأدبي، وتجعلنا نعيد طرح السؤال القديم - الجديد: ما الأدب؟ وما الشعر؟
مفاجأة نوبل الثقيلة
مفاجأة نوبل الثقيلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة