«لا للتمييز العمري».. شعار اليوم العالمي للمسنين

الشيخوخة لها خصائصها الصحية والنفسية

«لا للتمييز العمري».. شعار اليوم العالمي للمسنين
TT

«لا للتمييز العمري».. شعار اليوم العالمي للمسنين

«لا للتمييز العمري».. شعار اليوم العالمي للمسنين

تعتبر الشيخوخة مرحلة مهمة من مراحل العمر، لما تتميز به من خصائص بيولوجية وصحية ونفسية واجتماعية.
ويشهد العالم تزايدًا مطردًا في أعداد المسنين، حيث تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى ارتفاع معدل توقعات الحياة خلال الخمسين سنة الأخيرة من 46 عامًا إلى 64 عامًا في الدول النامية، ومن المتوقع أن يصل إلى 72 عامًا في عام 2020، وذلك نتيجة التقدم الطبي والتحسن في ظروف المعيشة، وتطور مفاهيم الصحة العامة وأساليب الوقاية والعلاج.
وفي المقابل، فإن زيادة أعداد المسنين في العالم تحتاج إلى مزيد من الدراسات للتعرف على احتياجات هذه المرحلة وعوامل التغير البدني والعقلي المصاحبة للتقدم في السن، من أجل تقليل الآثار السلبية على المسن نفسه وعلى أسرته ومجتمعه.
من هم المسنون؟ وما الذي يميز هذه الشريحة من المجتمع؟ وما الأمراض الشائعة التي يصاب بها الناس في مرحلة الشيخوخة؟ وهل يمكن الوقاية منها؟ أو تأخير حدوثها؟
طرحت «صحتك» بـ«الشرق الأوسط» هذه الأسئلة وسواها على أحد المتخصصين في هذا المجال، الدكتور سلطان حسن العمري، استشاري أمراض الشيخوخة - عضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة - فأكد في بداية حديثه على أهمية تناول موضوع كبار السن والأمراض التي تعتريهم خلال مرحلة الشيخوخة، وأشار إلى أن هذه الأهمية تنطلق من اهتمامات المنظمات الصحية العالمية بصحة المسنين، وتحديد يوم عالمي لهم تكثف فيه الجهود لشد الأنظار واهتمام صناع القرار لبذل مزيد من العناية بصحة هذه الفئة من المجتمع.
وأضاف د. العمري أن اليوم العالمي للمسنين يعتبر مناسبة صحية واجتماعية مهمة تحتفل بها دول العالم في اليوم الأول من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، وذلك بعد أن تم إقرار ذلك اليوم من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 14 ديسمبر (كانون الأول) عام 1990. يهدف هذا اليوم، بشكل عام، إلى رفع مستوى الوعي لدى جميع شرائح المجتمع حول مرحلة الشيخوخة وما يتعلق بها، وهو بمثابة يوم شكر وتقدير لهذه الفئة العمرية على إسهاماتهم في البناء الحضاري والثقافي ودورهم في بناء الأوطان والأجيال والارتقاء بالمجتمعات وما تحقق على أيديهم من إنجازات تعيش على آثارها الإنسانية جمعاء.
يقول الدكتور سلطان العمري أن اليوم العالمي للمسنين لعام 2016 تم الاحتفال به تحت شعار «خذ موقفًا ضد التمييز العمري ضد كبار السن»، وإن المغزى منه هو لفت الانتباه إلى المفاهيم الخاطئة والصور السلبية الموجودة لدى كثير من الناس حول مرحلة الشيخوخة وضرورة تصحيحها وتحديها. وفي هذا الخصوص تشير الدراسات إلى أن التمييز العمري ضد كبار السن منتشر في أغلب بلدان العالم ويمارسه كثير من الأفراد والمؤسسات بصور مختلفة.
ومن صور التمييز العمري للمسنين، يذكر د. العمري على سبيل المثال أن كثيرًا من كبار السن يعانون من الحرمان الوظيفي بعد سن التقاعد رغم قدرتهم الجسدية والعقلية التي تؤهلهم لمواصلة العمل والعطاء. كذلك في بعض الدول يتم سحب رخصة القيادة ممن تجاوزت أعمارهم الستين سنة دون مبرر، غير أنهم بلغوا هذه السن.
أيضًا هناك العديد من البنوك التي لا تقرض من تتجاوز أعمارهم سن الخامسة والستين. كل هذه الأمثلة وغيرها تدل على أن هنالك نوعا من التمييز العمري ضد هذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع.
تعرف منظمة الصحة العالمية كبار السن على أنهم أولئك الأشخاص الذين بلغت أعمارهم سن الخامسة والستين. ويصنفهم بعض العلماء إلى:
1. المسن الشاب، وهو الذي يبلغ من العمر 65 - 74 سنة.
2. المسن الكهل، وهو الذي يبلغ من العمر 75 - 84 سنة.
3. المسن الهرم، وهو الذي يبلغ 84 من العمر فما فوق.
وقد أوضحت التقديرات بأن عدد كبار السن بالعالم سوف يتضاعف من 900 مليون إلى ملياري شخص ما بين عامي 2015 و2050، وهذا يعني بالنسبة المئوية زيادة من 12 في المائة إلى 22 في المائة. أما في المملكة العربية السعودية فتشير الإحصائيات إلى أن هذه الفئة العمرية تشكل نحو 3 في المائة من السكان حاليًا، وهذه النسبة مرشحة للزيادة إلى نحو 18 في المائة، بحلول عام 2050، خصوصًا إذا ما علمنا أن أحد أهداف رؤية 2030 بالمملكة هو رفع متوسط الأعمار في السعودية إلى 80 سنة.
هذه الأرقام يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل المتخصصين وصناع القرار في الجهات ذات العلاقة خصوصًا القطاعات الصحية وقطاع التوظيف وقطاع البلديات، حيث يجب النظر إلى هذه الشريحة كمستفيد مهم عند التخطيط للبنية التحتية وعند صياغة البرامج والمبادرات الوطنية.
مرحلة الشيخوخة هي إحدى المراحل العمرية التي يصل إليها الإنسان في حال التقدم بالعمر. وتتميز مرحلة الشيخوخة عن بقية مراحل العمر الأخرى، فقد وصفها العلماء بانخفاض متزايد في المخزون الوظيفي لكثير من أجهزة الجسم، مما يؤدي إلى تراجع في وظائفها وبالتالي تراجع في القدرات الوظيفية للمسن. وهذه التغييرات الفيزيولوجية على مستوى الجسم عادة ما يرافقها انحسار في الوضع المادي والعلاقات الاجتماعية مما ينعكس سلبًا على الوضع النفسي للمسن.
وفي هذه المرحلة من مراحل العمر تزيد فرصة الإصابة بكثير من الأمراض ومن أكثرها شيوعًا خشونة المفاصل، داء السكري، ارتفاع ضغط الدم، اضطراب الدهون، تصلب الشرايين، التعددية الدوائية، جلطات القلب والدماغ، هشاشة العظام، السقوط، الكسور، سلس البول، اضطرابات النوم، الاكتئاب، وأمراض الخرف.
للوقاية من هذه الأمراض والوصول إلى شيخوخة سليمة يوصي المتخصصون في مجال أمراض الشيخوخة بتناول الغذاء المتوازن، ممارسة الرياضة بانتظام، الحصول على النوم الكافي، عدم إجهاد الجسم، والابتعاد عن التدخين والمعسلات. هذا بالإضافة إلى الزيارات المنتظمة لطبيب العائلة للتقييم الصحي المستمر والمتابعة ولإجراء الفحوصات الطبية الدورية، ومن ثم الكشف المبكر عن أي مشكلات صحية طارئة قد تؤثر على صحة المسن.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».