إردوغان مخاطبًا العبادي: «إعرف حدودك»

رئيس الوزراء التركي يتعهّد باقتلاع «إرهابيين» من داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم

إردوغان مخاطبًا العبادي: «إعرف حدودك»
TT

إردوغان مخاطبًا العبادي: «إعرف حدودك»

إردوغان مخاطبًا العبادي: «إعرف حدودك»

طالب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اليوم (الثلاثاء)، بأن "يعرف حدوده"، قائلًا إنّ الجيش التركي لن يأخذ الاوامر من العراق بشأن معسكر بعشيقة. وأضاف في اجتماع لزعماء اسلاميين في اسطنبول "العراق لديه طلبات معينة منا بشأن بعشيقة والآن يطالبنا بالرحيل". وأكمل "رئيس الوزراء العراقي يهينني... أولا اعرف حدودك".
وكانت تركيا والعراق تبادلتا استدعاء سفيريهما في مواجهة دبلوماسية متصاعدة، وحذر العبادي تركيا من أنها تخاطر باثارة "حرب اقليمية" بالابقاء على قوات في الاراضي العراقية.
على صعيد منفصل، تعهد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم اليوم، باقتلاع أي "ارهابيين" من داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، لهم صلات بحركة دينية يلقى باللوم عليها في محاولة الانقلاب الفاشلة في البلاد.
وقال لاعضاء في البرلمان من حزبه الحاكم إنّ السلطات ستلاحق أعضاء في حزب العدالة والتنمية مثلما تنفذ عمليات ضد الشبكة في أنحاء البلاد.
وبشكل منفصل قال يلدريم إنّ المسلحين الاكراد ينفذون أوامر بمهاجمة مسؤولين من الحزب الحاكم بشن تفجيرات انتحارية واغتيالات.
وكان مسؤولان محليان من حزب العدالة والتنمية قتلا بالرصاص يوم الاحد في جنوب شرقي تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية. فيما أفادت وكالة الاناضول للانباء، بأنّ ممثلا للادعاء في تركيا أصدر اليوم، أمر اعتقال بحق 125 شرطيًا في اطار التحقيق بشأن حركة دينية تلقي الحكومة باللوم عليها في محاولة الانقلاب الفاشلة.
من جهتها، أفادت رئاسة الأركان التركية اليوم، بأنّ مقاتلات تابعة لسلاح الجو قصفت مواقع لمنظمة "حزب العمال الكردستاني" شمال العراق. ووفقا لما نقلته وكالة "الأناضول" فإن المقاتلات استهدفت أمس، مواقع عسكرية وملاجئ ومخازن أسلحة وذخيرة تابعة للمنظمة شمال العراق.
كما أوضحت رئاسة الأركان أن سلاح الجو قصف مواقع عدة كان يتردد عليها عناصر من المنظمة في منطقة "زاب" شمال العراق. فيما لم يذكر البيان ما إذا كان القصف قد أسفر عن سقوط قتلى أو جرحى في صفوف المسلحين.
وذكرت وكالة دوغان التركية الخاصة للانباء على موقعها على الانترنت، أنّ هذه هي ثاني موجة اعتقالات منذ 7 أكتوبر (تشرين الاول)، تستهدف من يشتبه في كونهم مخططين للانقلاب من داخل الشرطة.
وقالت وكالة الاناضول إنّ السلطات تنفذ مداهمات في اسطنبول ومن بين الضباط الذين تسعى للقبض عليهم 30 نائبا لقادة الشرطة. ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من مكتب الادعاء على أوامر الاعتقال.
ويتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حليفه السابق رجل الدين فتح الله غولن بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز)، التي أسفرت عن سقوط 240 قتيلا معظمهم من المدنيين. وينفي غولن الذي يقيم في بنسلفانيا بالولايات المتحدة ضلوعه في الانقلاب.
ونقلت وكالة دوغان عن ممثل الادعاء في اسطنبول، قوله إنّ الضباط مشتبه بهم لأنّهم استخدموا تطبيق (بايلوك) غير المعروف، لارسال رسائل عبر الهواتف الذكية.
وقال مسؤولون في أغسطس (آب) إنّ المخابرات تمكنت من معرفة 56 ألفا على الاقل من المشاركين بعد أن فكت تشفير الخصائص الامنية للتطبيق الذي بدأت المجموعة في استخدامه في 2014.
وتستخدم الحكومة مراسيم صدرت خلال حالة الطوارئ للقبض سريعا على من يشتبه أنّهم المخططون للانقلاب وجرى احتجاز 32 ألف شخص. وأقالت أيضا أو أوقفت 100 ألف شخص من الاجهزة الامنية والجهاز الحكومي.
وسيصوت البرلمان اليوم، على تمديد حالة الطوارئ حتى يناير (كانون الثاني). وكانت حالة الطوارئ أعلنت في يوليو ولمدة ثلاثة أشهر.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟