عادات فرعونية مرتبطة بالنيل.. ما زالت حية في السودان

مياهه «بركة» في الولادة والزواج وحتى المنايا

عادات فرعونية مرتبطة بالنيل.. ما زالت حية في السودان
TT

عادات فرعونية مرتبطة بالنيل.. ما زالت حية في السودان

عادات فرعونية مرتبطة بالنيل.. ما زالت حية في السودان

ترتبط كثير من العادات الاجتماعية السودانية بنهر النيل، خصوصا لدى القبائل التي تعيش بمحاذاة النهر. ومع مرور الزمن، أصبحت عادات تمارسها كل القبائل السودانية، خصوصا في المناسبات السعيدة مثل الزواج، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء، ويصطحبون العريس والعروس إلى نهر النيل للاغتسال وغسل الوجه، وتردد الفتيات أغاني حماسية تدل على شجاعة العريس الذي يستطيع عبور نهر النيل دون خوف أو وهن.
ومن العادات السودانية التي ترتبط بالنيل أيضًا زيارة النفساء للنهر بعد انقطاع دم النفاس، أي بعد 40 يومًا، حيث تخرج النفساء من منزلها في أبهى حلة وهي تحمل صغيرها، بقصد غسل وجهها ووجه صغيرها من مياه النيل.
والقصد من هذه العادة أن تتطهر، ويكون في مقدورها ممارسة عبادتها الدينية ونشاطها الاجتماعي، عبر طقس محدد وهو الاغتسال بمياه النيل التي تطهر النفس، وتزيل درن الحياة.
كثير من هذة العادات ما زالت تمارس، ولكن القصد منها ليس البركة مثل سابق الأيام، بل إنها أصبحت مرتبطة بمعان جميلة، مثل اجتماع الأهل والأصدقاء في المناسبات الخاصة، وتوفير أجواء للترفية، والمحافظة على تقاليد وتراث سوداني ضارب في القدم منذ العهد الفرعوني.
قد يتساءل البعض عما إذا كانت معظم العادات المرتبطة بالنيل لها علاقة بالبركة والسعادة لطالبيها، فما العلاقة التي تربط النيل بالمرأة المتوفى عنها زوجها؟
إذ ما زال السودانيون يصطحبون المرأة المتوفى عنها زوجها إلى النيل، بعد انقضاء فترة «العدة»، لدفع الشر. ولا يجوز أن يقابلها رجل، وذلك لاعتقاد قديم أنه سوف يموت سريعا. ولذلك، تخرج مجموعة النسوة اللائي مع زوجة المتوفى يلوحن من بعيد لأي رجل يقابلهن في الطريق أن يهرب، لينجو بحياته.
كل العادات السودانية المرتبطة بالنيل يصنفها الباحثون ضمن ما يسمي بعملية العبور من مرحلة لمرحلة، أي: «الميلاد - الزواج - الوفاة»، لكن بعض العادات لا ترتبط بمرحلة العبور، مثل الاعتقاد أن مياه النيل يمكن أن تساهم في علاج الأمراض النفسية والجلدية كـ«حمو النيل»، وهو عبارة عن طفح جلدي بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك الأطفال المصابين بالحصبة أو الجدري الكاذب، إذ تمسح أجسادهم بمياه النيل.
وتميل المرأة السودانية إلى الاحتفاء بالنيل بطريقة خاصة، عن طريق صناعة العطور المحلية التي يدخل في صناعتها مسك التمساح وظفره، والتمساح من الحيوانات النيلية التي كان يعتقد قديما أنها تحمي من العين الشريرة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».