ألمانيا تعاني آثارًا عكسية من العقوبات على روسيا

صناعة السلاح والقطاعات المصرفية الأكثر تضررًا.. والبعض تجاوزها منفردًا

جندي ألماني من الكتيبة 750 يطهر عربة عسكرية ملوثة في تمرين عسكري للقوات الألمانية يرجع إلى بداية أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
جندي ألماني من الكتيبة 750 يطهر عربة عسكرية ملوثة في تمرين عسكري للقوات الألمانية يرجع إلى بداية أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
TT

ألمانيا تعاني آثارًا عكسية من العقوبات على روسيا

جندي ألماني من الكتيبة 750 يطهر عربة عسكرية ملوثة في تمرين عسكري للقوات الألمانية يرجع إلى بداية أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
جندي ألماني من الكتيبة 750 يطهر عربة عسكرية ملوثة في تمرين عسكري للقوات الألمانية يرجع إلى بداية أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

منذ شهر مارس (آذار) عام 2014، والاتحاد الأوروبي يقر العقوبة تلو الأخرى ضد روسيا بسبب ضمها شبه جزيرة القرم ومحاولاتها المتواصلة لزعزعة الاستقرار في أوكرانيا، حسب الاتهامات الغربية. والعقوبات ليست على الصعيد الرسمي فقط، بل تطال أيضا أشخاصا ومنظمات روسية، وآخر قرار للاتحاد الأوروبي بمواصلة تشديد العقوبات كان قبل فترة وجيزة.
ومن أهم بنود «المقاطعة» تقييد التبادل التجاري ووقف استيراد المنتجات الروسية والسلع المنتجة في منطقة القرم وسيفاستوبول. كما يشمل الإجراء عقوبات مالية، أي حظر الحركة المالية بين بعض المصارف الروسية ومصارف لدى بلدان الاتحاد الأوروبي، وفرض قيود على الحركات المالية المباشرة وغير المباشرة. أيضا تشمل تلك الإجراءات حظر الاستثمار في مشاريع البنية التحتية في القرم وفي سيفاستوبول، كما دخل حيز التنفيذ في 12 سبتمبر (أيلول) 2014 تمديد الحظر بشأن الأسهم والسندات من خمسة بنوك الروسية ملكا للدولة، وضد ست شركات روسية في الصناعات الدفاعية والنفطية.
وإضافة إلى حظر تصدير السلع للاستخدام المزدوج والصادرات ذات الصفة العسكرية، فإن العقوبات تمنع تقديم خدمات في مجال الطاقة وتبادل السلع والمعلومات المستخدم في قطاع إنتاج الطاقة. وزادت حدة العقوبات عام 2016 بتمديد حظر دخول شخصيات روسية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، مع تمديد الحظر التجاري حتى منتصف عام 2017.
وأصبح فرض العقوبات بين الفريقين مثل تبادل الكرة، مرة حظر روسي ومرة حظر أوروبي. فردا على العقوبات الأوروبية ضد بلاده، منع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شهر أغسطس (آب) عام 2014 استيراد المنتجات الزراعية والغذائية من بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والنرويج، وتبع ذلك في عام 2015 حظر استيراد مواد غذائية، مثل الحليب والصناعات الزراعية من ألبانيا والجبل الأسود وآيسلندا وإمارة ليختنشتاين.
لكن في شهر مايو (أيار) الماضي، خففت روسيا العقوبات التجارية على مواد غذائية، حيث سمحت باستيراد سلع معينة يمكن تصنيعها مثل أغذية الأطفال، والشرط الأساسي هو التأكيد على الاستفادة الكاملة من البضائع عن طريق وزارة الزراعة، إلا أن هذه الخطوة كانت صغيرة وغير مؤثرة، فالرئيس الروسي مدد العقوبات التجارية بدوره حتى شهر فبراير (شباط) من عام 2017.

تضرر متبادل
هذه الإجراءات ألحقت الضرر الكبير بقطاعات الصناعة والتجارة الخارجية لكلا الطرفين، فروسيا تواجه حاليا مشاكل اقتصادية كبيرة، ما أجبرها على اعتماد تدابير تقييدية ضيقت نطاق وأعمال شركات روسية كثيرة لشراء تقنيات عالية وتمويل الاستثمارات.
والمتضررون الأكثر هم أصحاب شركات صناعة الأسلحة والسلع ذات الاستخدام المزدوج، وبعض مصانع إنتاج النفط والبنوك المملوكة للدولة، فكثير من الشركات الروسية تواجه صعوبات في تمويل الواردات، وبالتالي أصبحت القروض ليست نادرة فقط؛ بل ومكلفة أيضا. وعقوبات الاتحاد الأوروبي أدت إلى انكماش الاقتصاد الروسي عام 2015 ما بين 3.5 إلى 4 في المائة، وزادت الحالة سوءا عام 2016 نتيجة التراجع الحاد لسعر النفط.
وحال الطرف الأوروبي ليست أفضل، وبالتحديد المصانع ورجال الأعمال الألمان في روسيا وحركة التصدير. فروسيا تعتبر سوقا مهمة جدا، سواء إن كان فيما يتعلق بالسلع والمنتجات الألمانية المختلفة، أو الاستثمارات في كثير من المجالات.
ولا يرى خبير الاقتصاد الألماني غونتر رالف كوته أي تحسن للاقتصاد الروسي في المدى القريب ما دام بقي سعر النفط منخفضا والعقوبات الأوروبية سارية المفعول، ما جعل وضع القطاع الصناعي الروسي صعبا جدا. وسوف ينعكس بلا ريب سلبا على الاستثمارات الأجنبية في روسيا، وهذا دليل على مدى تشابك المصالح، فالاستثمارات في معظم الصناعات الأخرى شحيحة باستثناء مصانع الأسلحة.

الميزان التجاري
وإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالمستثمرين الألمان في روسيا، أصاب الضرر أيضا الميزان التجاري بين البلدين، حيث تراجع بشكل ملحوظ، ما دفع بشركات ومصانع كثيرة على عدة أصعدة للمطالبة بتخفيف العقوبات أو رفعها تماما إذا ما أرادت الحكومة الألمانية إنعاش اقتصادها.
فمنذ عام 2015 والتجارة الخارجية الروسية الألمانية في تراجع متواصل؛ إذ إن روسيا اشترت من ألمانيا أقل الآليات، وأحجاما قليلة من المعدات والمنتجات الاستهلاكية، والسبب في ذلك ضعف الاستثمارات والتمويل الذي يعاني منه الاقتصاد الروسي. علاوة على ذلك، فإن الاستهلاك الخاص الذي كان أحد أعمدة النمو الروسي لسنوات طويلة انخفض، والقروض أصبحت نادرة أو باهظة الفوائد؛ على الرغم من أن المصانع والشركات التابعة للدولة ما زالت تتمتع بوضع خاص ومواصلة الحكومة للاستثمارات.

فقدان ثلث الصادرات
وأشارت صحافية «هاندلز بلات» المتخصصة بالشؤون الاقتصادية في تحليل لها إلى أن وضع الاقتصاد الروسي الضعيف أثر على قيمة الروبل، وهذا تفاعل طبيعي نتيجة وضع الاقتصاد الداخلية الروسي ما زاد بشكل كبير من ثمن السلع المستوردة. وبالنتيجة، سبب ذلك تراجعا حادا لحجم الصادرات الألمانية إلى روسيا عام 2015 بنسبة 20 في المائة، أي نحو ثلث حجم ما تبيعه ألمانيا إلى روسيا، ويتوقع ارتفاع النسبة حتى نهاية عام 2016 بسبب تزايد العقوبات، وهذا بحد ذاته صعّب من وضع القطاع الصناعي والتجاري الألماني.
وذكرت الصحيفة أن قطاع الصادرات الألماني لم يعد يخفي حقيقة ما أصابه من صعوبات نتيجة هذه الأزمة، لتضاف إليها صعوبات في تراجع التصدير إلى أسواق مهمة مثل الصين والهند والشرق الأوسط.
بينما لم تكن غرفة التجارة والصناعة الألمانية أكثر تفاؤلا، فمع أن رئيسها إريك شفايتسر أظهر تفهما لفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات تجارية على روسيا بسبب حرب القرم، لكن برأيه أنه من الضروري الإبقاء على الحوار السياسي مع روسيا.. وفي الوقت نفسه ذكّر بقلق المصدرين، فحجم الصادرات الألمانية إلى روسيا التي تعتبر من أهم الشركاء بعد الولايات المتحدة وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي أصابته انتكاسة، حيث تراجع ما بين عام 2013 و2015 قرابة 40 في المائة، ويعود السبب في ذلك إلى تأرجح سعر صرف النقد الروسي الذي يعتبر اليوم واحدا من العملات الأكثر تقلبا في العالم.
ففي عام 2014 كان اليورو يساوي 45.20 روبل، وبعد سنة واحدة أصبح يصرف بأكثر من 72 روبلا، أي بخسارة تتجاور 70 في المائة، وعندما رفع المصرف المركزي الروسي سعر الفائدة 17 في المائة أصبح سعر اليورو 91.5 روبل. ويعد هذا الترنح خانقا للاقتصاد، حيث إن أغلب المستثمرين يحجمون عن الدخول في مغامرات في بلد عملته متأرجحة بهذا الشكل، لذا لا يخاطر رجل أعمال روسي بالشراء خوفا من الخسائر الفادحة فينعكس ذلك سلبا على حجم المبيعات الألمانية.
إلا أن مشكلة ألمانيا ليست فقط بتأرجح سعر الروبل، بل أيضا بتراجع حجم صادراتها إلى روسيا وتقلص تبادل الخدمات والحركة المصرفية وغير ذلك، إذ تظهر الإحصاءات تطور الصادرات والواردات الألمانية مقارنة مع الشهر نفسه في الفترة من يوليو (تموز) 2015 حتى يوليو 2016. ففي يوليو 2016 انخفضت قيمة الصادرات إلى روسيا مقارنة بالشهر الذي سبقه بنسبة عشرة في المائة والواردات بنسبة 6.5 في المائة.

تجاوز العقوبات
وحيال هذا الوضع الذي سببته العقوبات الاقتصادية على روسيا، بدأت بعض الشركات تتخذ إجراءات بعيدة عن سلطة بلادها بإبرام صفقات مع روسيا. منها مصانع السيارات الفخمة مثل بورش الألمانية التي زاد عدد السيارات التي صدرتها إلى موسكو عام 2015 نحو 12 في المائة أكثر من عام 2014، وأكد توماس شتراتسيل الرئيس التنفيذي لشركة بورش على أن 60 في المائة من السيارات المصدرة إلى روسيا بيعت في موسكو العاصمة، فلدى بورش اليوم عملاء روس لم يكونوا سابقا من العملاء القادرين على شراء سيارة بورش. موضحا أن الشركة تعتزم مضاعفة مبيعاتها في الأعوام المقبلة ليصل العدد إلى مليون سيارة، فالسوق الروسية حسب قوله سوقا مهمة للغاية بالنسبة لشركات صناعة السيارات.
والسوق الروسية تجتذب أيضا السيارات من النوع الفاخر جدا مثل رولس رويس، وبيع منها حتى منتصف هذا العام 400 سيارة.
والأمر لا يتعلق فقط بمصانع السيارات، إذ إن المصانع الروسية تبرم حاليا صفقات دسمة مع بلدان كالولايات المتحدة، منها الصفقة الأخيرة التي ضمت بضعة مئات من محرك صواريخ من طراز آر دي 180 إلى واشنطن، وفي هذا الصدد، قال إيغور كوماروف رئيس وكالة الفضاء الروسية روسكوزموس: «على الرغم من الخلافات السياسية الحالية، فإن روسيا لا تزال توفر للولايات المتحدة على الأقل وللسنوات القادمة محركات لهذا الصاروخ، وشراء الأميركيين لها ليس صدقة؛ بل هناك سبب واضح، فهي اليوم الأفضل في كل أنحاء العالم، إن كان من حيث السعر أو النوعية.. ونحن متأكدون أن الولايات المتحدة سوف تشتري مستقبلا محركات صواريخ روسية».
والولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تجاوزت العقوبات، ففرنسا وإيطاليا ناشطة أيضا في السوق الروسية، لذا قررت ولاية بادن فورنتبرغ الصناعية في ألمانيا تفعيل العلاقات مع روسيا، وزار في الشهر الماضي موسكو وفد من رجال الأعمال والصناعيين برئاسة كلاوس مانغولد القنصل الفخري لروسيا في هذه الولاية لبحث السبل الكفيلة بتخفيف انعكاس العقوبات التجارية. واللافت أن الزيارة جاءت بناء على دعوة من وزير الاقتصاد والتنمية الروسي ألكسي أوجوكيف. وأشار الوفد إلى أن الاقتصاد الألماني يعاني من تأثير العقوبات على روسيا، كما الاقتصاد الروسي.

حجم التبادل التجاري
ووفق توقعات الغرفة التجارية الألمانية الخارجية، من المحتمل أن تزدهر الصادرات في المدى الطويل ليصل حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار يورو، لكنه يظل أقل من حجم الصادرات التي كانت عام 2013؛ لأن نسبة تصدير السلع ستتراجع هذا العام حتى 5 في المائة.
كما أشارت دراسة وضعتها هذه الغرفة لعام 2015 إلى أن ثلثي الشركات الألمانية الناشطة في روسيا، وعددها 850 شركة، يشعر بالتأثيرات السلبية للعقوبات، فمن بين كل أربع شركات عاملة في قطاع المواد ذات الاستخدام المزدوج، والتي يمكن استخدامها لأغراض مدينة وعسكرية، يوجد واحدة متضررة. ولقد أبدى 75 في المائة من هذه الشركات خشيتها من مزيد من الخسائر بعد إعلان المستشارة أنجيلا ميركل تمديد العقوبات.
وحسب بيانات غرفة التجارة الخارجية بالأرقام، فإن الصادرات الألمانية إلى روسيا تراجعت عام 2015 مقارنة مع عام 2014 أكثر من 25 في المائة، لتصل إلى ما قيمته 20.2 مليار يورو، فيما كان التراجع عام 2014 بلغ 15 في المائة، وخمسة في المائة عام 2013، ما يعني أن حجم التبادل انخفض منذ عام 2012 أكثر من النصف. كما انخفضت الصادرات الروسية إلى ألمانيا عام 2015 بنسبة 26 في المائة، لتصل إلى 30 مليار يورو. والسلع الرئيسية الروسية تشمل المواد الخام، بالأخص النفط والمعادن والبتروكيماويات، بينما تشكل الصادرات الألمانية إلى روسيا الآليات والسيارات وقطع الغيار والمنتجات الكيماوية، فضلا عن المواد الغذائية والمنتجات الزراعية، وهذا ألحق الضرر الكبير بالمزارعين ومصانع المواد الغذائية.
كما انخفض عدد الشركات ذات الأسهم أو رأس المال الألمانية الناشطة في روسيا عام 2015 أكثر من 7 في المائة ليصل إلى 5583 شركة، وظهر بشكل واضح التراجع في عدد فروع الشركات أو ممثليها في روسيا مقارنة مع عام 2014، حيث وصل إلى 24 في المائة.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.