بهجة اليوم الوطني مستمرة.. ومدارس السعودية تتوشح بالأعلام واللوحات

احتفالات متميزة شهدتها مختلف مناطق البلاد صباح أمس

وزير التعليم يدشن احتفاء الوزارة باليوم الوطني صباح أمس (تصوير: سعد العنزي)
وزير التعليم يدشن احتفاء الوزارة باليوم الوطني صباح أمس (تصوير: سعد العنزي)
TT

بهجة اليوم الوطني مستمرة.. ومدارس السعودية تتوشح بالأعلام واللوحات

وزير التعليم يدشن احتفاء الوزارة باليوم الوطني صباح أمس (تصوير: سعد العنزي)
وزير التعليم يدشن احتفاء الوزارة باليوم الوطني صباح أمس (تصوير: سعد العنزي)

لم يكن صباح أمس يومًا اعتياديًا في المدارس السعودية، التي لوّنت أرجاءها باللون الأخضر احتفاءً بذكرى اليوم الوطني الذي صادف هذا العام عطلة نهاية الأسبوع (الجمعة)، مما دفع المدارس صباح أمس للاحتفال بمناشط وفعاليات وفقرات كثيرة.
وأجمعت المدارس على تخصيص ساعة الصباح الأولى لبث الكلمات الوطنية عبر الإذاعة الصباحية، وإطلاق مبادرات تمجد ذكرى هذا اليوم في مختلف المجالات والأنشطة، ومن ذلك: «وطني في عيون أجدادي»، و«أغرد لوطني»، و«قصيدتي حزم وظفر»، و«حكاية بطل»، و«رسالة إلى جندي على الحدود»، و«قلمي يفخر بمنجزات وطني»، و«صورة لوطني»، و«معرض وطن يسكن القلوب»، وغيرها من الفقرات المتنوعة.
وكان وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، افتتح صباح أمس المعرض الفني الخاص باليوم الوطني في بهو الوزارة، ومهرجان المشي الذي يقام بتنظيم إدارة تعليم الرياض، ويحمل شعار «هويتي.. وطني»، ضمن فعاليات اليوم الوطني التي ينظمها قسم النشاط الرياضي في الإدارة، في متنزه الملك عبد الله بن عبد العزيز بالملز، بالتعاون مع أمانة المنطقة.
وفي منطقة مكة المكرمة، توشحت أكثر من 1500 مدرسة صباح أمس بالأعلام السعودية والأوشحة الخضراء والصور واللوحات الوطنية، بمناسبة اليوم الوطني الـ86 للسعودية، إلى جانب استقبال أولياء الأمور عند أبواب المدارس بالورود وبطاقات التهنئة والأعلام السعودية لهذه المناسبة، وتنوعت فقرات الاحتفال بالمدارس، بدءًا بالإذاعة الصباحية بين الأناشيد الوطنية والكلمات الخطابية والعروض الثقافية.
وفي منطقة عسير، أعلنت الإدارة العامة للتعليم الاحتفاء باليوم الوطني الـ86 في أكثر من 1300 مدرسة، وفق منظومة متكاملة من البرامج والأنشطة المعدّة بهذه المناسبة. على أن تستمر الفعاليات طوال الأسبوع الحالي في جميع مدارس التعليم العام، يتخللها كثير من البرامج والفعاليات المتنوعة التي تأتي ترسيخًا للاعتزاز بالدين، والولاء والانتماء للوطن، وتنمية للقيم الوطنية، انطلاقًا من رؤية المملكة 2030.
أما في تبوك، فاحتفى 200 ألف طالب وطالبة في مختلف مراحل التعليم بذكرى اليوم الوطني، ويقام الاحتفال على مدى أسبوع في أكثر من 1500 مدرسة حكومية وأهلية ورياض أطفال، على أن تشارك مدارس المنطقة ومكاتب التعليم، ومختلف الإدارات والأقسام، بهذه المناسبة لتحقيق الأهداف المنشودة وتوثيق فعالياتها، ضمن برنامج «نور النشاط» وفق أربعة محاور: التأسيس والتوحيد، والاستقرار والأمن والأمان، والانتشار والتطوير، ودور القيادة الرشيدة في نشر الخير والسلام.
وتوافد الطلاب والطالبات في منطقة الحدود الشمالية على المدارس وهم يتوشحون بالأعلام الخضراء ويحملون صور خادم الحرمين الشريفين، بعد أن أعدت مختلف مدارس البنين والبنات برامج متميزة للاحتفاء بهذه المناسبة الوطنية وتعزيز روح الانتماء للوطن.
وانطلقت في مدارس منطقة نجران احتفالات باليوم الوطني، عبر فعاليات متعددة شملت العروض الرياضية للطلاب، والإذاعة الصباحية، والمبادرات الوطنية، سواء مجتمعية أو إعلامية أو ثقافية أدبية، وفنية، وبيئية، وتدريبية، وكذلك المبادرة الكشفية والرياضية للبنين، ومعرض «وطن يسكن القلوب»، إضافة إلى الحفل المسرحي الذي ينفذه تعليم نجران بما يشمله من أناشيد وقصائد ومشاهد وعروض وطنية.
أما تعليم القطيف، فنظم صباح أمس حفلاً بمناسبة اليوم الوطني تحت شعار «رؤية وطن»، بمشاركة 326 مدرسة و10 آلاف معلم ومعلمة، إضافة إلى أكثر من 100 ألف طالب وطالبة في هذا المحفل الوطني، على أن تكون الاحتفالات بهذه المناسبة على مستوى المدارس لمدة أسبوع كامل.
وتتقاطع احتفالات المدارس في أنها شهدت كثيرًا من البرامج والفعاليات المتنوعة والمبادرات الوطنية النوعية، إلى جانب فقرات الإلقاء، والأناشيد الوطنيَّة، وعرض مرئي لمنجزات الوطن بعنوان «أرض الشموخ والعز»، التي قدمها تعليم القطيف، إلى جانب معرض فني يحمل عنوان «كلنا للوطن».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)