«القدور.. غذاء الفكر» تضاف إلى ممتلكات متحف «ماك» للفنون في فيينا

من أهم أعمال الفنانة السعودية مها الملوح

لوحة الفنانة الملوح أثناء عرضها في جدة (من أرشيف «الشرق الأوسط»)
لوحة الفنانة الملوح أثناء عرضها في جدة (من أرشيف «الشرق الأوسط»)
TT

«القدور.. غذاء الفكر» تضاف إلى ممتلكات متحف «ماك» للفنون في فيينا

لوحة الفنانة الملوح أثناء عرضها في جدة (من أرشيف «الشرق الأوسط»)
لوحة الفنانة الملوح أثناء عرضها في جدة (من أرشيف «الشرق الأوسط»)

في احتفالية مشهودة، أُضيفت، لممتلكات متحف ماك للفنون التطبيقية بالعاصمة النمساوية فيينا لوحة «القدور.. غذاء الفكر»، للفنانة التشكيلية السعودية مها الملوح، مزينة موقعًا بارزًا بين مجموعته النادرة من المعروضات الفنية النمساوية والعالمية.
تشتهر لوحة القدور أو «معلقات مها الملوح» بكونها عملاً فنيًا قوامه قدور طبخ قديمة ومستعملة، منها الضخم والصغير، التي صممتها كشاهد يؤرخ لثقافة المجتمع السعودي البدوي وأريحيته، مستمدة اسمها من المعلقات السبع في إشادة بالأدب العربي، حفاظا على تراث عتيق بأسلوب يتماشى والفنون الحديثة.
في هذا السياق، كانت الملوح قد قالت إن «للفن أكثر من وجه؛ فهو ليس حقيقة ثابتة لا تقبل التأويل بل مسارات وعمق لكل أن يفسرها كما يشاء».
ومعلوم أن الملوح سبق أن شاركت بعرض لوحتها التي تضم 16 قدرًا، في أكثر من معرض بأكثر من مدينة وعاصمة كجدة والرياض ولندن وهونغ كونغ وفيينا وبازل.
من جانب آخر، شاركت في الاحتفالية، بسمة السليمان، التي اشترت لوحة القدور وقدمتها هدية لمتحف «ماك» ضمن مبادراتها لدعم الفن السعودي ونشره عالميًا، و«لمزيد من تمتين ثقافة الحوار بين اتباع الأديان والثقافات والحضارات، التي ابتدرها المغفور له الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وله مركز مختص بهذا الشأن، مقره فيينا».
وتطرقت بسمة السليمان مخاطبة الحضور للمتحف الافتراضي (BASMOCA)، الذي أسسته تقنيًا تخليدًا لذكرى ابنها الشاب، محمد الجفالي، وتعرض فيه بعض من مجموعتها الخاصة للوحات فنانين عالميين مع تركيز خاص على أعمال سعودية لإيمانها المطلق بأن الفنانين السعوديين «مفخرة» تستحق أعمالهم النشر محليًا وعالميًا.
وممن عرض ويعرض لهم المتحف من السعوديين الفنانة نهى الشريف والفنانين صديق واصل وأيمن يسري وأحمد ناصر وسامي الترك وفيصل سامرا وعادل قرشي وأحمد ناصر وآخرين كجسر بين الثقافات يقرب المسافات عبر تطبيقات التقنية الحديثة، التي أمست تلعب دورا كبيرا «وإذا لم نقبلها، فإنها سوف تعبرنا ونقبع في الخلف».
من جانب آخر، بينت السليمان أن المتحف يتجدد من فترة لفترة، ساعيًا لعرض لوحات متنوعة يتيحها لكل من يشاء زيارته، والوقوف على محتوياته في أي وقت ومن أي مكان «بنقرة زر وتحريك فأرة» لا أكثر.
ليس ذلك فحسب، وإنما ينظم المتحف لمزيد من التواصل الفني الثقافي ندوات وسيمنارات وإمكانيات حوار ونقاش بين زواره، وفيما بينهم ومع خبراء من المهتمين والمتابعين لمسيرة الفن المعاصر.
من جانب آخر، وفي معرض إجاباتها عن أسئلة الحضور الذين دعاهم متحف «ماك» لتلك الصباحية السعودية الفنية بفيينا، أوضحت بسمة بلغة إنجليزية رصينة أن بلادها وظفت ثراء طفرة النفط، وفق أولويات أساسية لسد الحاجات العامة كالمدارس والمستشفيات والطرق وبنية تحتية مهدت لاحقًا لاندياح وظهور اهتمامات ثقافية وفنية، مما ساعد الفنانين السعوديين على السير بخطوات أوسع ويدفع «الفن السعودي» تدريجيًا للحاق بمسيرة الفنون العالمية التي قطعت أشواطًا بعيدة، مشيدة بمختلف المبادرات الفنية، وبالدور الذي يمكن أن تلعبه التقنية الحديثة للانفتاح والتفاعل محليًا وعالميًا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».