أفلام للجمهوريين.. وأخرى للديمقراطيين

فيلم إيستوود متفائل جدا.. بينما فيلم أوليفر ستون يحمل تساؤلا مثيرا

كلينت ايستوود وتوم هانكس خلال التصوير
كلينت ايستوود وتوم هانكس خلال التصوير
TT

أفلام للجمهوريين.. وأخرى للديمقراطيين

كلينت ايستوود وتوم هانكس خلال التصوير
كلينت ايستوود وتوم هانكس خلال التصوير

وراء بقاء فيلم «صولي» على القمّة الأميركية للأسبوع الثاني على التوالي خلفية مثيرة للاهتمام بين المتابعين: الأفلام العشرة التي تشكل نواة النجاح والفشل تتألف من فيلمين من الرسوم المتحركة، ثلاثة أفلام من الرعب، فيلمين يطرح كل منهما سؤالاً ولد ميتًا، فيلم من العنف الغارق وفيلم من الفانتازيا الهادئة، وفيلم واحد يحمل ضرورة وعملاً صلبًا في موضوعه وفي إخراجه. هذا الفيلم هو «صولي»، جديد المخرج كلينت إيستوود.
في سن السادسة والثمانين، أفلام إيستوود ما زالت رائجة بين الشباب والراشدين والعجائز على حد سواء. فيلمه السابق «أميركان سنايبر» جلب لشركة «وورنر»، ولشركته (مالباسو)، 350 مليون دولار من عروضه العالمية. مبلغ ممتاز لفيلم خلا من السوبر هيرو والتهريج والمؤثرات الخاصة، وتكلف أقل من 60 مليون دولار.
فيلمه الجديد «صولي» أنجزه بحدود التكلفة ذاتها وفي أسبوعيه جلب 70 مليون دولار في الولايات المتحدة. الأرقام الدولية ليست متاحة بعد.
يمكن أن نضيف أنه الفيلم الوحيد المتفائل بأميركا. على عكس «سنودن» لأوليفر ستون، الذي حل سادسًا في مطلع هذا الأسبوع بثمانية ملايين دولار وعولج من منظور أن «كل شيء ليس على ما يرام في أميركا اليوم».
فيلم أوليفر ستون حمل سؤالاً كان من المفترض أن يكون مثيرًا، لكنه سقط أرضًا على الفور، حول ما إذا كان إدوارد سنودن بطلاً قوميًا ويجب أن يُعامل كذلك، أو خائنًا كبيرًا ويجب أن يُعتبر هكذا. «سنودن» يقع على الجانب الأيسر من المعادلة السائدة: فيلم للديمقراطيين وفيلم للجمهوريين. هو مشكك يطرح أسئلته هنا وهناك لكنه لا يوغل كثيرًا في التحليل، بينما يأتي «صولي» على خطى مخرجه اليميني (الجمهوري الإنتماء) واضحًا في دعمه للمؤسسة بمجرد وصف النظام بالديمقراطي ووصف الأميركيين بالتفاني في المساعدة وقت الحاجة.
«صولي» من دون أشرار فعليين. حتى لجنة التحقيق التي تشكلت لكي ترى إذا ما كان الطيار أحسن الفعل حين فضل الهبوط على سطح الماء وليس العودة إلى المطار، لا تنطلق من مصالح شريرة. هي فقط حازمة تتبع قواعد مرسومة، وإن لم تكن سليمة.
تفاؤل
كل من «صولي» (وهو اسم الطيار الأميركي الذي حط بطائرته فوق نهر الهدسون واسمه الكامل تشسلي صولي صولنبيرغر ويؤديه توم هانكس) و«سنودون» يدوران حول شخصيّتين حقيقيّتين. لكن في حين أن صولي يواجه مأزقه بالاعتماد على الحقيقة وعلى الأمل بانتصار المنطق مجردًا، فإن سنودون هو البطل الخارج عن القانون الذي وجد أن ضميره لا يسمح له بإغفال ما يحدث للأميركيين في وطنه، فكشف تجسس أجهزة «وكالة الأمن القومي» على الأميركيين (وسواهم) ثم هرب من قبل أن يُلقى القبض عليه ويحاكم بتهمة الخيانة.
ما ينجح «صولي» به هو وضوح الغاية. ما يخفق ستون فيه هو وضوح الغاية. عدا ذلك هما فيلمان متناقضان فعلاً.
الفيلم الآخر الذي يطرح سؤالاً ميتًا هو «طفل بردجت جونز» لشارون ماغواير في عودة أرادتها هوليوود لسلسلة من فيلمين سابقين بطولة ريني زلويغر هما «مفكرة بردجت جونز» (2001) للمخرجة ذاتها، وفيه تم تقديم شخصية بردجت جونز كابنة جيل الضياع العاطفي، و«بردجت جونز: حافة المنطق» (2004) لبيبان كيدرون الذي أعاد تقديم شخصية بردجت جونز كابنة جيل الضياع العاطفي.
وفي الفيلم الجديد «طفل بردجت جونز» ما زالت (بعد 12 سنة) ابنة الضياع العاطفي والأخطر هو أن هذا الضياع بات أسوأ من السابق. بطلة الفيلم مارست الحب وهي تحت تأثير الكحول مع أول رجل التقت به بعد سقوطها في وحل الطريق (باتريك دمبسي)، ثم مارسته مع زوجها السابق كولين فيرث. بعد نصف ساعة من الفيلم أنجبت، وبعد ساعة ونصف كان السؤال الميت ما زال ينبض بين الثلاثة: من هو أب هذا الوليد، دمبسي أو فيرث. ومع أن هناك إجابة سريعة تحدد ابن مَن هذا الطفل اسمها DNA، فإنه لا أحد يلجأ إلى هذا الحل، لأنه لو فعل لانتهى الفيلم بعد نصف ساعة لا أكثر.
حطت هذه الكوميديا المتلبّكة في المركز الثالث، وحطت معها آمال الممثلة زلويغر في عودة قوية ناجحة بعد سنوات من غياب شبه كلي. أما في المركز الثاني فجاء فيلم الرعب «بلير ويتش»، وهو أعلى أفلام الرعب الثلاثة المعروضة حاليًا كإيراد. الفيلمان الآخران هما «لا تتنفس» (المركز الرابع)، و«عندما ينكسر الغصن» (المركز الخامس).
»بلير ويتش» هو الفيلم الأكثر إثارة بين هذه الأفلام الثلاثة، ولو أن «لا تتنفس» (Don‪›‬t Breath) هو الأفضل بينها. أما «عندما ينكسر الغصن» فهو مكسور غير قابل للتصليح.
«لا تتنفس» يستعير من فيلم ترنس يونغ في «انتظر حتى الظلام» (1967) جزءًا من الحبكة: عصبة شريرة تداهم منزلاً لأعمى. في الفيلم السابق هي أودري هيبورن في يوم غاب فيه زوجها الذي كان وجد دمية فيها مخدرات فأخفاها في البيت. ثلاثة أشرار يقتحمون البيت رغبة في استحواذ المخدرات، ليجدوا أن الزوجة عمياء. التهديد جلي: الضعف الأنثوي بالإضافة إلى فقدان البصر يضع أودري هيبورن في موقف حرج عليها فيه أن تدافع عن نفسها متسلحة بالشيء الوحيد الذي تجيده تمامًا: الظلام.
الغابة المسحورة
«لا تتنفس» هو حول رجل أعمى. محارب قديم تركت الحرب آثارها على محياه وفقد البصر بسببها (ستيفن لانغ) يعيش وحيدًا في البيت الذي يعرف كل سر فيه وزاوية وتفصيلة. ذات يوم يقتحم المنزل ثلاثة لصوص (رجلان وامرأة) بهدف سرقته. الأعمى وكلبه سيصطادان العصابة في أركان المنزل الشاسع وسينقلب حال المبصرين إلى ضحايا وحال الأعمى إلى قاتل متمكن.
فيلم جيد في فحواه وفي تنفيذه ويدفع بالمشاهد للتعاطف مع الضحايا ما يجعله يبدو نقدًا للعسكر وللحرب أكثر منه مجرد فيلم حول ضحية عمياء تحاول الدفاع عن نفسها.
أما «بلير ويتش» فيعود في أساسه إلى فيلم 1999 المرعب «مشروع بلير ويتش» الذي ما زال واحدًا من أنجح المشاريع السينمائية إلى اليوم. احفظ هذا الرقم: تكلف 60 ألف دولار فقط، وأنجز 240 مليون دولار. يومها كان معجزة تجارية لكنه انضم إلى «سايكو» لهيتشكوك، و«اللمعان» لكوبريك، و«هالووين» لجون كاربنتر و«ليلة الموتى الأحياء» لجورج أ. روميرو، كأكثر أفلام الرعب... رعبًا.
ومفاده مجموعة من الشبان والشابات يدخلون غابة يقال إنها مسكونة، ومعهم كاميرا تسجل سيرهم وما يحدث لهم. الكاميرا داخل الفيلم تصبح تسجيلاً حيًا وبراعة المخرجين دانيال ميريك وإدواردو سانشيز كانت نقل المشاهد من كرسيه إلى داخل الغابة، بعدما أصبحت الكاميرا التي في داخل الفيلم عينه الثالثة.
تم لاحقًا إخراج جزء ثانٍ مستعجل أقل نجاحًا من الأول، لكن «بلير ويتش» الحالي يأتي بعد 16 سنة مرت على الجزء الثاني لجمهور جديد. في الواقع هذه المحاولة (بتكلفة 5 ملايين دولار) تهدف لما هو أكثر من مجرد بحث عن جمهور جديد. إنها العودة إلى فيلم رعب حقق سمعة كبيرة ونجاحًا فائقًا لأجل تحويله إلى مسلسل. ومع أن مخرجيه سانشيز وميريك ينفذان المطلوب لجعل الفيلم الحالي بقوّة وتأثير الفيلم السابق، إلا أن النتيجة المادية لن تكون مجزية، إلا إذا ما قوبل خارج الولايات المتحدة باستحسان أكبر مما قوبل به في الداخل.
الفيلم الجديد بين هذه العشرة إلى سيلد مسلسلاً (على الأرجح) هو «فريق الانتحار»، الذي هو عن مجموعة من «السوبرهيروز»، ميزتهم أنهم أشرار بالسليقة تم انتقاؤهم لمجابهة من هم أكثر منهم شرًا (شيء مثل مبدأ «الدزينة القذرة» لروبرت ألدريتش (أيضًا من أعمال 1967).
التكلفة هنا باهظة جدًا (175 مليون دولار تكبدتها «وورنر»، لكن الفيلم أنجز أميركيًا 314 مليون دولار وعالميًا قرابة 300 مليون دولار أخرى، مما يجعل من المحتمل إنتاج مغامرة أخرى تحت الاسم ذاته كما هو الحال الدارج).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».