انتهاء هدنة سوريا على تباين أميركي ـ روسي.. ومؤشرات على عودة المعارك

كيري يقر بهشاشة وقف النار.. والمعارضة تُحمّل موسكو مسؤولية إفشال الاتفاق

سوريات يسرن وسط مبان مدمرة في حي جورة الشياح بوسط مدينة حمص أمس (أ.ف.ب)
سوريات يسرن وسط مبان مدمرة في حي جورة الشياح بوسط مدينة حمص أمس (أ.ف.ب)
TT

انتهاء هدنة سوريا على تباين أميركي ـ روسي.. ومؤشرات على عودة المعارك

سوريات يسرن وسط مبان مدمرة في حي جورة الشياح بوسط مدينة حمص أمس (أ.ف.ب)
سوريات يسرن وسط مبان مدمرة في حي جورة الشياح بوسط مدينة حمص أمس (أ.ف.ب)

مهّدت الأطراف المعنية بتنفيذ الاتفاق الأميركي - الروسي حول سوريا، لنعيه أمس، إثر الخروقات الكبيرة، وتحضيرات قوات النظام السوري العسكرية في ريف حماه، وتجدد نشاط سلاح الجو السوري والروسي، وسط تباين سياسي روسي وأميركي حول تنفيذ الاتفاق، بدا أنه السبب الأبرز في إنهائه.
وسارع النظام السوري أمس إلى انتهاء سريان الهدنة المستمرة منذ أسبوع بموجب الاتفاق الأميركي - الروسي، متهمًا الفصائل المقاتلة بعدم الالتزام بوقف إطلاق النار، وفق بيان نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا».
كما ألمحت روسيا أمس إلى انتهاء اتفاق الهدنة، من غير اتفاق على تمديده، وذلك بإعلان قائد الجيش الروسي الجنرال سيرغي رودسكوي أمس أن الهدنة في سوريا «لا معنى لها»، مضيفًا في تصريحات تلفزيونية في موسكو أن «الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار التي ترتكبها الفصائل المقاتلة، وعدم تعاون الولايات المتحدة، أدى إلى انتهاء اتفاق الهدنة».
بدوره، كان الجانب الأميركي أكثر تفاؤلاً، إذ صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري للصحافيين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن «وقف إطلاق النار الأساسي صامد ولكنه هش»، مضيفًا أن «مساعدات إنسانية ستتوجه اليوم إلى نحو ثمانية مواقع». وتابع: «ولكننا ننتظر الحصول على معلومات كاملة من فريقنا الذي يجتمع الآن مع الروس في جنيف. هذه العملية تتواصل وسنرى أين وصلنا خلال اليوم».
وتعثر وقف إطلاق النار خلال اليومين الماضيين إذ تعرضت مناطق يسيطر عليها المسلحون في حلب إلى غارات جوية، وقتل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة عشرات الجنود السوريين في ضربة قالت واشنطن إنها غير مقصودة، فيما حملت المعارضة السورية «الجانب الروسي مسؤولية إنهاء الهدنة، لأنه سمح للنظام بخرقها».
ورأى عضو الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان أن «روسيا فعليًا أطلقت رصاصة الرحمة على الهدنة، كونهم لا يريدون الاستمرار بالهدنة والعودة إلى العملية التفاوضية»، مشددًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن «هناك قرارًا روسيًا برفض العودة إلى جنيف». وأوضح رمضان أن «القرار الروسي والنظامي السوري بإنهاء الهدنة يأتي ضمن مجموعة إجراءات منها العودة لموضوع القصف باستخدام البراميل والصواريخ والتهجير القسري»، في إشارة إلى مساعي النظام لإخراج معارضين من معضمية الشام وحي الوعر في حمص الذي كان مقررًا إخراج دفعة من المسلحين منه أمس، وتأجلت إلى اليوم الثلاثاء، مضيفًا: «سبق أن تحدثنا مع الأميركيين بموضوع التهجير القسري، وقالوا إن وقف التهجير هو جزء من الهدنة، فيما العودة إليه هو خرق لها». وأشار إلى أن النظام والروس «قاموا بثلاث عمليات لضرب الهدنة، تمثلت في العودة للقصف على نطاق واسع، وعدم فك الحصار وعدم السماح للمساعدات بالدخول إلى المناطق المحاضرة، فضلاً عن ملف التهجير»، مؤكدًا «أننا نحمّل القيادة الروسية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤولية، كونهم كانوا تعهدوا بتطبيق بنود الهدنة وإلزام النظام بها، وذلك لم يحصل».
وبدا أن تعثر الاستمرار بتطبيق الهدنة، وتوقف تنفيذ الاتفاق عند أسبوعه الأول، من غير أن يتطور إلى تنسيق أميركي - روسي في الضربات الجوية ضد المتشددين من تنظيم داعش وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) بعد سبعة أيام من الهدنة، يعود إلى تباين روسي وأميركي حيال بنود الاتفاق. وقال رمضان إن بنود الاتفاقات نصت على ثلاث نقاط أساسية، أولها وقف الأعمال العدائية ودخول المساعدات، ثم التعاون العسكري بين الطرفين لضرب المتشددين، ثم استئناف العملية السياسية». وأضاف: «لكن الروس كانوا يريدون استخدام المسار الأول لمدة أسبوع بهدف الانتقال مباشرة إلى عمليات عسكرية وضرب معظم فصائل الجيش الحر؛ بذريعة ضرب فتح الشام وتجاهل المسار الثالث كليًا، في حين أراد الأميركان تثبيت المسار الأول، والتحول إلى المسار الثالث»، وبالتالي «كان هناك تناقض مستمر بين الطرفين، وهذه النقاط كانت زبدة الخلاف الكامل بينهما، ما أدى إلى عدم إمكانية الاستمرار بالهدنة».
وكان الاتفاق الذي أعلنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي وسيرغي لافروف نص على تنسيق أميركي - روسي في الضربات الجوية ضد «داعش» و«جبهة فتح الشام» بعد سبعة أيام من الهدنة، إلا أن هذا البند كان يفترض تحديد المناطق التي توجد فيها جبهة فتح الشام وفصلها عن المناطق التي توجد فيها المعارضة المعتبرة معتدلة من جانب واشنطن، الأمر الذي لم يحصل.
واعتبر المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، ردًا على أسئلة صحافيين أمس أن «الوضع الحالي غير مرضٍ ومعقد للغاية، لكن العمل يتواصل، ووزير خارجيتنا على اتصال دائم مع نظيره الأميركي».
وتتبادل الولايات المتحدة وروسيا منذ أيام الاتهامات حول إعاقة تطبيق الاتفاق. وارتفع منسوب التوتر بينهما بعد غارات التحالف الدولي السبت الماضي على مواقع للجيش النظامي قرب مطار دير الزور العسكري، مما أسفر عن مقتل عشرات الجنود السوريين. وقال التحالف إن القصف حصل عن طريق الخطأ.
وبدا لافتًا أن الجزء الثاني من البند الأول المتعلق بإدخال المساعدات، لم ينفذ، إذ لا يزال سكان الأحياء الشرقية المحاصرة والواقعة تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب (شمال) ينتظرون وصول المساعدات الإنسانية إليهم، البند الذي اعتبر بندًا رئيسيًا في الاتفاق الروسي - الأميركي. وينتظر سكان الأحياء الشرقية في حلب البالغ عددهم 250 ألفًا، منذ بدء الهدنة وصول المساعدات، بينما الشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية لا تزال تنتظر في منطقة عازلة عند الحدود السورية التركية.
ولم تكن تلك العوائق إلا جزءًا من الأزمة التي تعتري تنفيذ البند الأساسي المرتبط بوقف إطلاق النار، إذ شهدت بعض الجبهات السورية خلال اليومين الماضيين تصعيدًا هو الأكثر خطورة على الصعيدين الميداني والدبلوماسي منذ بدء العمل بها. ووّثق المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ مساء 12 سبتمبر (أيلول) الحالي مقتل 26 مدنيًا، بينهم ثمانية أطفال في مناطق سريان الهدنة، و66 قتيلاً بينهم 21 طفلاً في مناطق سيطرة تنظيم داعش. وقتل عشرة مدنيين بينهم طفلان في قصف مروحي استهدف بلدة في محافظة درعا جنوبًا خلال نهاية الأسبوع.
وتصاعدت أعمال العنف على جبهات أخرى بينها الأطراف الشرقية لدمشق، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين قوات النظام والفصائل الإسلامية الموجودة في حي جوبر. وفيما اتهم النظام فصائل «فيلق الرحمن» بتنفيذ هجوم ثالث لها على حي جوبر، قال إن قواته «بدأت عملية عسكرية واسعة على تخوم العاصمة باتجاه حي جوبر».
في المقابل، استقدمت القوات النظامية، مساء الأحد، تعزيزات عسكرية إلى محاور القتال في ريفي حماة الشمالي والشمالي الشرقي، مستفيدة من استمرار الهدنة. وذكر «مكتب أخبار سوريا» أن المعارضة «رصدت وصول آليات عسكرية وسيارات يستقلها عناصر نظاميون، إلى نقاط تمركز القوات النظامية على جبهة قرية كوكب، التي تعد آخر قرية سيطرت عليها فصائل المعارضة قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.