متحف جديد يعرض حياة الأميركيين الأفارقة وتاريخهم وثقافتهم

بعد قرن من اقتراح تأسيسه

متحف جديد يعرض حياة الأميركيين الأفارقة وتاريخهم وثقافتهم
TT

متحف جديد يعرض حياة الأميركيين الأفارقة وتاريخهم وثقافتهم

متحف جديد يعرض حياة الأميركيين الأفارقة وتاريخهم وثقافتهم

بعد قرابة 400 عام من وصول أول فوج من الأفارقة الذين جلبوا قسرًا إلى سواحل الولايات المتحدة التي كانت وليدة وفي طور الإنشاء وقتذاك، وبعد مرور قرن على اقتراح المحاربين القدماء الذين شاركوا في الحرب الأهلية الأميركية بإقامة متحف وطني مخصص لتجربة الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية، أصبح هذا المتحف حقيقة على أرض الواقع.
ويستعد المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة لفتح أبوابه أمام الجمهور في 24 سبتمبر (أيلول) الحالي، في احتفالية يترأسها الرئيس باراك أوباما الذي يعد أول رئيس أميركي من أصول الأفريقية.
ويقع المتحف الجديد الذي بلغت تكلفته نصف مليار دولار بالقرب من «نصب واشنطن التذكارى» الذي أقيم تكريما للرئيس جورج واشنطن، ووسط متنزه «ناشونال مول» الوطني المعروف باسم الفناء الأمامي لأميركا.
وقالت مارشيا بايرد بوريس المشرفة بمتحف «أناكوستيا كوميونيتي» الذي يعد المؤسسة الوحيدة في واشنطن المخصصة لتاريخ الأميركيين الأفارقة لوكالة الأنباء الألمانية إنها تشعر «بسعادة خاصة لكون هذا الكيان يحتل موقعا محوريا داخل المتنزه الوطني».
وكان الكونغرس قد وافق على إقامة هذا المتحف عام 2003، وتم الشروع في تنفيذه عام 2012، وغطت الحكومة الأميركية نصف تكلفة إقامته، بينما جاء باقي التكلفة من تبرعات الأفراد والشركات.
ويعد هذا المتحف الأول من نوعه في سلسلة متاحف مؤسسة سميثسونيان المحيطة بمتنزه «ناشيونال مول» الوطني، الذي تبدأ إقامته من دون وجود معروضات بشكل مسبق، وتم الحصول على الجزء الأعظم من القطع الفنية المعروضة كمنح، وذلك وفقًا لما قاله ديفيد سكورتون رئيس مؤسسة سميثسونيان في تعريف مسبق عن المتحف للصحافيين.
وأوضح سكورتون أن المتحف يهدف إلى «إتاحة الفرصة للأمة الأميركية للحصول على فهم أكثر اكتمالا لما يعنيه كون المرء أميركيا».
وقال إن «قصصهم التي توضحها المشغولات الحرفية والأعمال الفنية، من خلال الأصوات والكتابات، ومن خلال الشجاعة والتصميم، ومن خلال الابتكار والقيادة، إنما تتيح سردًا بليغًا وقويًا تحتل مكانة مركزية بالنسبة لهويتنا الوطنية».
وأشار سكورتون أيضًا إلى أن افتتاح المتحف جاء في وقته المناسب، في ضوء «التباينات العرقية والثقافية التي تهيمن على الحوار الوطني»، وأضاف أن الافتتاح يهدف إلى «تذكيرنا بأن العنصرية لم تعد للأسف شيئًا من الماضي»، وأعرب عن أمله في إمكانية أن يقوم المتحف بدور إيجابي في حوار وطني.
ومن ناحيته، قال مدير المتحف لوني بانش إن من بين أسباب إقامة هذا المتحف «مساعدة أميركا على تذكر ومواجهة ماضيها العنصري للتعذيب»، إلى جانب الإحساس بالضغوط النفسية بين «لحظات الدموع ولحظات السعادة الكبرى».
وأوضح بانش أن المتحف يسعى لأن يحقق «آمال أجيال كثيرة تعتقد أن أميركا ستكون أفضل إذا فهمنا وإذا استوعبنا تجربة الأميركيين من أصل أفريقي». وتقدم المعروضات في سلسلة من قاعات العرض تحت سطح الأرض، إلى جانب طابقين فوق الأرض.
وبينما يصعد الزائر متفقدًا المعروضات، فإن السرد يكون متوافقًا بصورة تاريخية مع إحداث انتفاضة الأميركيين الأفارقة بدءًا من العبودية وحتى الحرب الأهلية، ثم النضال من أجل حقوقهم المدنية، ويتطور نضالهم حيث يصبح أكثر وضوحًا من الناحيتين الثقافية والسياسية داخل المجتمع الأميركي، ويتم تتويج هذه التطورات بانتخاب الرئيس أوباما عام 2008.
وتبدأ القصة بالتعرف على كيفية قيام الأوروبيين بالبدء في نشاط تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي، حيث نقل البرتغاليون وحدهم 5.8 ملايين أفريقي، وجاء في المرتبة التالية لهم كل من هولندا وفرنسا وبريطانيا والدنمارك.
وتقول عبارة اقتبست من أولاوداه إكويانو وهو عبد سابق في عام 1789 «تم قطع جذورنا ببلدنا وأصدقائنا، من أجل أن نكدح لتحقيق الرفاهية لكم وإشباع تلهفكم على تحقيق المكاسب».
ومن بين القطع المعروضة في المتحف آلة كمان تخص العبد «جيسي بوركي» أعطيت له ليرفه عن سيده ومالكه، وفستان روزا باركس التي رفضت أن تتخلى عن مقعدها في الحافلة العامة لراكب أبيض عام 1955
وتشمل المعروضات القلم الذي وقع به الرئيس الأميركي ليندون جونسون قانون حق الاقتراع للأميركيين من الأصول الأفريقية عام 1965، ووضع القلم داخل إطار صغير بالقرب من عربة قطار تعود لأيام الفصل العنصري بين البيض والسود.
ومن بين المعروضات الآلة الموسيقية الكهربائية للموسيقي الأميركي من أصل أفريقي سلاي ستون، إلى جانب فستان مقدمة البرامج اللامعة أوبرا وينفري.
ويواجه الزائر في الركن الأخير في الطابق فوق الأرضي صورة ضخمة للغاية للرئيس باراك أوباما في حفل تنصيبه عند توليه فترة ثانية في الرئاسة، ويبدو في الصورة بحر من البشر يتوجهون بأنظارهم إليه.
ويخصص الطابقان العلويان للإسهامات الثقافية والعلمية والرياضية والعسكرية للأميركيين الأفارقة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».