بعد خسارة أنجح برامجها.. «بي بي سي» في مأزق

رفضت دفع مبلغ مالي ضخم لشركة إنتاجه.. والبرنامج يواجه السقوط

فريق برنامج «ذا غريت بريتيش بيك أوف بعد فوز البرنامج بجائزة «بافتا» (غيتي) - الطاهية ماري بيري والطاهي بول هوليوود (أ.ب)
فريق برنامج «ذا غريت بريتيش بيك أوف بعد فوز البرنامج بجائزة «بافتا» (غيتي) - الطاهية ماري بيري والطاهي بول هوليوود (أ.ب)
TT

بعد خسارة أنجح برامجها.. «بي بي سي» في مأزق

فريق برنامج «ذا غريت بريتيش بيك أوف بعد فوز البرنامج بجائزة «بافتا» (غيتي) - الطاهية ماري بيري والطاهي بول هوليوود (أ.ب)
فريق برنامج «ذا غريت بريتيش بيك أوف بعد فوز البرنامج بجائزة «بافتا» (غيتي) - الطاهية ماري بيري والطاهي بول هوليوود (أ.ب)

تمر «بي بي سي» هذه الأيام بزوبعة اسمها «المخبوزات البريطانية»، وهو اسم البرنامج الذي نشأ في القناة الأولى لـ«بي بي سي» واستمر لسبعة مواسم بنجاح ساحق، إلى درجة أن الموسم الحالي ويذاع هذه الأيام سجل أكثر من 31 مليون مشاهد في ختام موسمه السابق. ولكن المحطة خسرت برنامجها بعد ما أخفقت في المزايدة على حقوق بث البرنامج الذي تنتجه شركة «لاف برودكشنز» وتوقفت عند مبلغ 15 مليون جنيه إسترليني بينما عرضت القناة الرابعة البريطانية مبلغ 25 مليون جنيه لينتقل البرنامج لها لثلاثة مواسم مقبلة حسب العقد بينهما.
المثير في الأمر هو الضجة التي ثارت بعد ذلك وهددت استمرار البرنامج بصيغته الناجحة عقب إعلان مقدمتي البرنامج سو بيركينز وميل جيدرويك أنهما لن تتبعا البرنامج للقناة الرابعة، وبقي السؤال حول موقف محكمي البرنامج الطاهي بول هوليوود والطاهية ماري بيري اللذين لم يعلنا حتى الآن إذا ما كانا سيبقيان في البرنامج أم لا.
«بي بي سي» عللت تخليها عن برنامجها الذهبي بأن «مواردها المالية لها حدود»، ولكن الجدل يتخطى ذلك، ويتناول موقف «بي بي سي» من برامجها الناجحة وإخفاقها في التمسك بها. مثال برنامج «توب غير» للسيارات الذي خرج عن مساره الناجح بعد أن فصلت المحطة مقدمه جيريمي كلاركسون بسبب تعديه بالضرب على أحد المعدين. البرنامج في نظر الكثيرين كان مرتبطا بكلاركسون وفريقه، ولهذا تعثر البرنامج بعدما استبدل بكلاركسون المذيع كريس إيفانز (الذي غادر البرنامج بعد أشهر بسبب عدم نجاحه جماهيريا) والممثل مات لو بلانك في العام الماضي.
أما «ذا غريت بريتيش بيك أوف» فيبدو أنه سيتعثر بسبب عدم تمسك «بي بي سي» به، رغم أنه سيجني الكثير للقناة الرابعة بسبب الإعلانات التجارية التي لا تسمح بها «بي بي سي». وربما السعي وراء الإعلانات هو أيضا ما تسبب بانتقال برامج طهي أخرى ناجحة مثل برنامج الشيف جيمي أوليفر والطاهي ميشال رو إلى القناة الرابعة حيث القيود التجارية أقل والأرباح من الإعلانات مجزية. وتواجه «بي بي سي» هكذا مأزقا من نوع فريد وهو خسرانها لبراامج ناجحة رعتها وصاغت نجاحها لتخسرها بعد ذلك وتعود للبدء من نقطة الصفر مع برنامج جديد.
ما يقلق المشاهدين الذين رفعوا برنامج المخبوزات لواحد من أكثر البرامج مشاهدة هو فقدان الصيغة التي أحبوها، فهو يعبر عن الحياة البريطانية للطبقة الوسطى، يتم تصويره في إحدى الضيع في الريف البريطاني وتقدمه طاهية شهيرة في الثمانينات من عمرها وهو ما يجعلها محببة للجمهور وقريبة للعائلة. وستواجه القناة الرابعة مشكلة المحافظة على كل ذلك خاصة بعد فقدانها للمسة المرحة التي كانت المقدمتان بيركينز وجيدروك تمنحانها للبرنامج.
ولعل بيان المقدمتين دليل على أن طاقم البرنامج لم يستشر في تغيير القناة، وهو ما سيلقي بظلاله على موقف هوليوود وبيري، وتعرف القناة أن أمامها الآن جولة مفاوضات حاسمة للعمل على بقاء الطاهيين لضمان أي فرصة نجاح للبرنامج. وكان هوليوود قد صرح قبل ذلك بأنه يدين بولائه لـ«بي بي سي» قائلا: «الأمر ليس بيدنا، هو متروك للشركة المنتجة ولكن فيما يخصني وماري بيري وميل وسو، فنحن نريد البقاء على بي بي سي».
ويعلق لورد غرايد الرئيس التنفيذي السابق للقناة الرابعة على شراء البرنامج بقوله «القناة الرابعة أطلقت النار على قدميها بشرائها البرنامج»، معلقا بأن القناة في وسط معركة ضد الخصخصة تقودها الحكومة وأنه للحفاظ على كينونتها كمحطة تبتكر البرامج لا تخطفها من محطات أخرى لتبني على نجاحها. وترى الكاتبة بصحيفة «الغارديان» تشارلوت هيغينز أن الأمر كله انعكاس لتغير موازين القوة العالمي الذي نزع القرار من أيدي القنوات التلفزيونية ومنحها لشكات الإنتاج التي تستطيع وضع برامجها في المحطة التي تريد والتي ستجلب لهم أكبر عائد مالي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».